جامعة أكاديميون العالمية AIU :: الجهل والمعلومات المضللة عن الجماعات يقوي خطاب الكراهية ويؤدي للعنف
تقاطعنا مع

الجهل والمعلومات المضللة عن الجماعات يقوي خطاب الكراهية ويؤدي للعنف


تفاصيل البحث

 



الجهل والمعلومات المضللة عن الجماعات يقوي خطاب الكراهية ويؤدي للعنف

أ.شفان إبراهيم

 

 

أولاً:  مقدمة:

يُعرف خطاب الكراهية على أنه "جميع أشكال التعبير التي تنشر أو تحرّض أو تشجع، أو تبرّر الكراهية العرقية، أو كره الأجانب أو معاداة السامية أو غير ذلك من أشكال الكراهية المبنية على التعصُّب، بما فيه التعصّب المعبرّ عنه بالنزعة القومية والاعتداد بالانتماء الاثني والتمييز والعداء للمهاجرين والسكان من أصل مهاجر". وتعد الأقليات القومية أو العرقية أو الدينية أو اللغوية أهدافاً متكررة لخطاب الكراهية، بما ذلك عبر الإنترنت. ونشرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان والأقليات، العديد من التقارير الخاصة بقضايا الأقليات، وخلُصت أن أكثر من 70% من المستهدفين بجرائم الكراهية في وسائل التواصل الاجتماعي هم الأقليات، بل إنهم الهدف الرئيسي لذلك الخطاب. والأكثر خطورة هو مدى تأثير ذلك المحتوى على المجتمعات والأفراد الذين لا يملكون معلومات كافية عن الأقليات القومية والدينية، فيكون نقص المعلومات عنهم سبباً مهماً في التصديق السريع، وتكوين قناعات مسبقة تقودهم في النهاية لممارسة العنف ضدهم.

وعلى سبيل المثال، فإن الأفكار المسبقة المتعصبة والجهل بحقيقة المجتمع والقضية الكردية، وطبيعة الديانة الإيزيدية، وتكرار سياسة التشفّي والانتقام، يهدد استقرار الدولة والمجتمع السوري. ويعاني الكرد كقومية، والإيزيديون كقومية كردية وديانة من انتقال موروث الحقد والتشويه والتضليل عنهم من جيل لآخر، وأحياناً تكون شرائح مجتمعية على جهل تام بهم، لكنهم يُصدّقون ما يُقال عنهم. وهذا يقودنا للقول إنه "لابد من الاعتراف إن الموروث المجتمعي يلعب دوراً كبيراً في تعزيز خطاب الكراهية، فهو يقترن بشكل مباشر بالبيئة التي ينشأ فيها الشخص، فالسلوكيات عادة تنشأ في البيت أولاً ومن ثم المدارس ومنها تنتقل إلى الجامعات ولاحقاً إلى المجتمع".

ثانياً: خطاب الكراهية والعنف المتكأ على علم النفس والثقافة

توجد رابطة بين عقلية ونفسية ممارسي خطاب الكراهية والمروجين له، وبين محيط التنشئة الاجتماعي والثقافي؛ بسبب أن الأدوات المفاهيمية لممارسة خطاب الكراهية ضد الأخر المختلف ديناً وقوميةً تعتمد على ثلاث مؤشرات مترابطة، أولها: الوضع النفسي لأصحاب الخطاب نفسه من حيث الفقر أو التعليم أو المستوى الاجتماعي، أو ما تم تغذية ذاكرتهم بمعلومات معينة، ثانيتها، حجم المعرفة بالأخر وثقافتهم وحقيقتهم التاريخية، وثالثتها: ثقافة التنشئة والأخلاق والتربية التي قامت عليها الفئات المحرضة للكراهية، وهي تدخل فيها المناهج المدرسية، والخطاب الإعلامي الرسمي، والتربية المنزلية. وهو ما يقودنا للقول أن "فالسيكولوجيا والثقافة تخلقُ أنماطً مترابطة للعيش المشترك، أو تؤسس للتعصب والتمحور المعرفي حول فئة وفكرة محددة. بوصفه ناشئ عن التأهيل الاجتماعي والتكوين النفسي والبيئة الأسرية المتأثرة ثقافياً واجتماعياً". ومجمل تلك المؤشرات على العلاقة بين علم النفس والثقافة وترويج خطاب الكراهية يعتمد على ثلاث عناصر مركزية، الأولى: وجود فئة منظمة تروج وتقود ذلك الخطاب، الثانية: ماهي أفكار تلك الجماعة من أيديولوجية سياسية أو دينية، تطرح أفكارا وخطبً تؤذي الأخرين، والثالثة: تقديم ما يُبرر تلك الأفعال والممارسات العنفية وتقديمها على أساس إنها من صُلب الحياة اليومية. وهذا الثالوث يُشكل جذر إلحاق الأذى بالأخرين دون واعظ نفسي أو أخلاقي، وبل الترويج له على أساس ثقافة يتوجب اعتناقها.

ثالثًا: خطاب الكراهية والعنف

لطالما شكلت الألفاظ والمصطلحات المُستهدفة لجماعة ما، مفتاحاً نحو مشكلة أكبر وجزءًا من مجتمع أوسع، يؤسس لضرر أعمق، ويستجلب متاعب خطيرة، خاصة أن تلك الألفاظ-المرادفات-الكلمات-الجمل، التي تحمل في طياتها معاني سيئة وسلبية، تؤثر على مُخيلة وذهنية فئات وشرائح كبيرة، بشكل خاص لدى من لا يتمتعون بملكة النقد والتفكيك للحديث/الإشاعات، أو لدى الشرائح الاجتماعية المؤمنة بإيديولوجية مُحددة والتي تصدق كُلَّ ما يُقال لها، وتكون جاهلة بحقيقة الطرف الأخر، نتيجة نقص المعلومات أو الجهل بحقيقة الطرف الآخر.

ويُمكن تجزئة المصطلح إلى قسمين؛ لفهم العلاقة بالمضمون بشكل أعمق، خطاب: وهو فعل الحديث الموجه نحو فئة أو شريحة ما بما يحمله من مصطلحات ومرادفات، تسبب أذى وتجييش وتحريض جماعة ضد أخرى. الكراهية: وله عدد من الطبقات وهي:

  1. التفكير المنحاز: تصديق المعلومات التي تحاكي أحكامنا المسبقة حصراً.

  2. التحيز بالفعل: ممارسة النبذ، التعبير عن الفوقية، إطلاق الصفات والألقاب، إطلاق النكات المتحيزة.

  3. التمييز: ممارسة التمييز في القوانين، تفاوت في العدالة، ممارسة أعمال عدائية، مضايقات.

  4. العنف: الإرهاب، الإبادة الجماعية، الحرب. ولنتخيل حجم الخطر المُتشكل لو اجتمعت كل هذه المستويات معاً أثناء التعبير عن طرف آخر مختلف لغوياّ، دينياً، قومياً. 

والمشكلة الأكثر تعقيداً إن الإعلام ليس بريئاً من خطاب الكراهية، وفي تهيئة المناخات المناسبة للترويج للمجازر أو الصراعات والحروب والتحريض على العنف. 

وخطاب الكراهية ضد الكرد كقومية أولاً وضد الإيزديين كقومية كردية وديانة خاصة بهم ثانياً، تحوّل لحدث مستمر يتم تفعيله وتسجيله "كواجب لغوي" ووصفهم بالكفرة والملحدين والانفصاليين، لتُصبح سوريا بعد قرن من الاستحداث لها والتي لم تقم على بنية قومية واحدة ولا دين واحد، غارقة في مستنقع آثم، ولا تزال تبحث عن التشكيل السّوي الذي يعمق الانتماءات، ويقوّي البنيان الاجتماعي الداخلي، ويدعم كلّ البنى القومية-الدينية ذات الحضور التاريخي في سوريا. 

ووفقاّ لذلك يتحول خطاب الكراهية في كل مكان إلى حلبة للعنف، بل إنه يحوّل البشر وحيواتهم وعلاقاتهم إلى حلبات عنف، حتى ولو لم يرغبوا به. فالخطاب المبني على نبذ وكراهية الآخر المختلف لغوياَ أو قومياً أو دينياً، أصبح جزءاً من العنف المخترق لأدق تفاصيل الناس ويومياتهم، وتخلق معها قناعات وأفكاراً جاهزة، وهي سلبية في معظمها، فتكوّن من نتائجه مجتمعاً مشحوناً بالعنف. ويعود ذلك في صلبه وبنيته إلى دور المعلومات المؤرشفة في عقول وذهنية القواعد الاجتماعية، عبر الخطب الإعلامية والسياسية والتربوية من السلطة، و"فضيحة" نقل تلك المعلومات غير الدقيقة عن الآخر والجهل بحقيقته إلى الوسط الاجتماعي، ودور شبكات التواصل الاجتماعي في تغذية تلك النزاعات وصحيح أن " ولا يجب التقليل من قيمة السلطة المريعة المدمرة والتي تجد تحت تصرّفها العلم والتقنية. إنها للمرة الأولى في التاريخ الإنساني حيث تقوم إمكانية القضاء نهائياً على الإنسانية ".  فأصبح بفضل الإعلام الرقمي حرية تداول المعلومات والبيانات، والخطورة أن تكون تلك المعلومات مضللة واتهامات وتشويه للآخر المختلف.

لذلك "ما عاد كافياً القول إن ثمة خطابٌ يقودنا للكراهية، أو أن مضامين إعلامية تحمل أفكاراً أو خُطبَ كراهية؛ فهذا الأمر أصبح "كتحصيل حاصل"؛ نتيجة تفكك المجتمعات وتفسخ القيم الأخلاقية بسبب الحرب والإرهاب، والمشاهدات الإعلامية لسفك الدماء والقتل على الهويّة وغيرها".  وتحوّل المجتمع السوري خلال سنين الحرب لساحة مفتوحة لاستخدام العنف والقوة في فرض الآراء والأفكار المسبقة عن الآخرين المختلفين، بل أن التقابُل بين أضلاع المربع: خطاب الكراهية-القوة-العنف-الجهل، يقودنا للقول إن "العنف إيذاء ناشئ عن جهل وظلم". ويشكل استمرار خطاب الكراهية تجاه الجماعات الخاصة، بمثابة هزات عنيفة في المسالة الوطنية السورية، وتتحول المجتمعات الى هجينة تدمج الكراهية مع الممارسة الناتجة عن ذلك الخطاب.

رابعاً: ممهدات لانتشار خطاب الكراهية ضد الكُرد كقومية وديانة خاصة

دأبت السلطة في سوريا ومنذ نصف قرنٍ مضى، على إصدار العشرات من المراسيم والقرارات والإجراءات التعسفية ضد الكُرد ووجودهم التاريخي، والتي من شأنها زيادة الضغط والتعريب والتنكيل بهم، رافقه خطاب تأجيجي موجّه بعناية فائقة حول "خيانة الكُرد والانفصال والعمالة لإسرائيل"، وخاصة تهمة "اقتطاع أجزاء من الأراضي السورية وإلحاقها بدولة أجنبية" والتي طالما حُكمت النُخب السياسية والثقافية الكردية بموجبها دون وجه حق أو دليل. وكانت كفيلة بخلق كتّلة شعبية ضخمة تؤمن بإن الشعب الكردي انفصالي-تآمري على قضايا الأمة العربية. والمؤسف أن قلة قليلة جداً من السوريين تحملوا عناء البحث في حقيقة المطلب والوجود الكردي وبطلان تلك التهم، بل إن الغالبية راحت تُصدق ذلك الطرح الرسمي، ولم تشهد سورية سابقاً صوتاً جدياً معارضاَ لتلك القرارات مثل التجريد من الجنسية السورية، منع اللغة الكردية، منع الكرد من تبوؤ المناصب العليا في الدولة والجيش. ولعب منع الإعلام الكردي أو وجود مؤسسة أو جريدة كردية سواء باللغة العربية أو الكردية دوراً فعالاً في ترسيخ المواقف من الكرد، بمقابل وسائل إعلام رسمية نشرت خطاب الكراهية ضد الكرد خاصة أثناء الانتفاضة الكردية في 2004 في قامشلو، وحالياً عبر إلصاق تهم التآمر والعمالة مع التحالف الدولي، وارتفاع منسوب الحقد والكراهية في  وسائل إعلام معارضة أو عبر مختلف المعرفات التابعة لفصائل المعارضة السورية ضد الكرد.

إضافة للشحن العنصري ضد الكرد الإيزيديين، وتصويرهم كمشركين بالله. حيث يرتبط ذلك الخطاب بلغة مهينة وغير إنسانية، وألفاظ سيئة عن الكرد ولغتهم وعن الإيزيديين وديانتهم.

 والإيزيديون جزءٌ من الشعب الكردي، ويتحدثون اللغة الكردية، لكنهم مختلفون دينياً عن الأغلبية الكردية السنية، ونتيجة عدم الاعتراف الدستوري بهم كديانة وكجزء من الشعب الكردي عانت من التمييز على أساس الهويّة، يسعون لنيل الاعتراف بهم كمجموعة قومية كُردية أثنية ذات ديانة خاصة. ولعبت المجتمعات المحيطة دوراً ضاغطاً سلباً عليهم، وأشيعت عنهم الكثير من المغالطات حول الديانة وأفرادها، إضافة لوصف الطلاب الإيزيديين في المدارس بالكفرة، والطلب منهم عدم التواجد بين الطلاب المسلمين. وعدم الاعتراف الرسمي بهم شجّع خطاب الكراهية ضدهم، ووسع دائرة الجهل ونشر مغالطات حول الديانة وتشويهها، وغالباً ما عانى الشباب الإيزيديون من التنمر والاضطهاد أثناء أداء الخدمة الإلزامية. والأكثر تمهيداً لترويج الكراهية والعنف ضدهم، كان عبر منع " الإيزيديين من التعبير عن هويتهم وديانتهم وحتى بوضع رموز دينية على مقابرهم، ثم تصنيفهم كمسلمين وطلب منهم المشاركة في فصول الدراسات الإسلامية في المدارس، والقسم على القرآن للشهادة في المحاكم، كما أصبحوا ملزمين بالاحتكام إلى الشريعة الإسلامية في أحوالهم الشخصية من حيث الزواج والطلاق وقوانين الميراث" وهو ما كان بمثابة إقامة "الحد" عليهم، فتم إلغاء شعائرهم وطقوسهم وأحكامهم الشرعية في القضايا الأسرية والمجتمعية. 

كُلُّ ذلك تم وفق سياسة ممنهجة قائمة على محورين الأول: الاستمرار في سياسة النفي والإقصاء والمحق ضد الكرد في سوريا، والثاني: الحمولة الفكرية الضخمة المسبقة عن الكرد، كقومية وديانة إيزيدية. ما ساهم في سرعة انتشاره وخلق خلفية فكرية عنفية عن الكرد وكراهيتهم، وأسست لجيل تأقلم مع تلك الممارسات وصدقها، واتّخذت المواقف بناءً على ذلك حتى دون الاطلاع على مضمون تلك الخطابات، وبقيت حتّى أيامنا هذه. 

خامساً: نماذج عن ممارسات عنفية وكراهية ضد القومية واللغة الكردية والديانة الإيزيدية

بعد عقود على خطاب الكراهية والحقد والعنف ضد الآخر المختلف لغوياً ودينياً وقومياً، كان من المتوقّع تحويلها لممارسات أشد ضراوة وإيذاءً ما أن تحين الفرصة؛ فالذهنيات المتشرّبة لثقافة السحق والنفي، ستُبلور تلك الثقافة لسلوك عملي وممارساتي. وهو ما حصل ولا يزال ضد الكرد. كارتكاب جرائم بشعة في عفرين وسري كانييه من سرقة الأملاك والسيطرة عليها، إلى قطع الأشجار والإتجار بها، إلى تجريف الآثار وعمليات القتل والخطف، وما يرافقه من تهم وكراهية والاحتجاز التعسفي لنساء أيزيديات في عفرين ودعوتهن إلى “اعتناق الإسلام” من قبل المجموعات العسكرية هناك. رافقته حملات دعائية مكثفة لتعبئة الوافدين لتلك المناطق للسيطرة على أملاك السكان الأصليين، والاستيلاء على منازل وممتلكات المدنيين، أو تدميرها أو احتلالها بصورة غير قانونية، ومنع عودة عائلاتٍ كرديةٍ نازحة أو ابتزازها وتهديدها، مع قيام قوات “الجيش الوطني السوري” بنهب ممتلكات المدنيين أو الاستيلاء عليها بشكلٍ منهجيٍّ. ورغم تقديم مدنيين شكاوى إلى المجالس العسكرية التابعة لتلك القوات، أو المجالس المحلية التابعة لـ “الحكومة السورية المؤقتة” – التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمُعارضة السورية – في مناطق عفرين ورأس العين/سري كانييه وتل أبيض، لكنهم لم يتمكنوا من استعادة ممتلكاتهم، وعلى الرغم من ذلك، قام عناصر “الجيش الوطني” بتهديد الكثيرين منهم أو ابتزازهم أو احتجازهم، لتتعدد صور وأنماط الاستيلاء على ممتلكات المدنيين في عفرين ورأس العين/سري كانييه وتل أبيض، مثل كتابة أسماء فصائل “الجيش الوطني السوري” أو قادتها على جدران المنازل، كدلالة على مصادرتها لتلك العقارات، أو وضع علامات الحجز عليها، في إشارة واضحة لمنع العودة، ومن ثم شغل تلك الممتلكات أما بعائلات عناصر “الجيش الوطني” أو عبر استخدامها كمقرات عسكرية أو مؤسّسات إدارية تتبع للمجالس المحلية، لكن دون إخطار أصحابها أو عرض تعويضات عليهم. وتشير التقديرات إلى أن آلاف الناس في عفرين تعرّضوا للمضايقات والمظالم والانتهاكات على يد تلك الفصائل. وتعرض معظم المحتجزين/ات للاعتقال بشكل تعسفي، وتنوعت أسباب احتجازهم/ن والتهم الموجّهة لهم/ن، اعتقل غالبيتهم فقط لكونهم كُرداً، أو بهدف ابتزاز عائلاتهم/ن وتحصيل فدية مالية. وأكدت المقابلات أن خلفية الاعتقالات كانت بسبب الآراء والأفكار المسبقة عن الكرد وأتباع الديانة الايزيدية من الكرد، من تهم الشرك بالله وإنهم مجوس وعبدة النار والعمالة للخارج. والواضح أن خطاب الكراهية الموجّه بشكل مركّز ضد الكرد تطوّر لدرجة تدمير اللوحة التعريفية "شاهد قبر" لشاعر كردي متوفٍ، حيث دمر فصيل "فيلق الشام" المسيطر على قرية كوسكا مسقط رأس الراحل، والتابعة لمنطقة راجو، قبر الشاعر الكردي "عارف خليل شيخو" المتوفي منذ عام2012 الذي دونت عليه أبياتُ شعر باللغة الكردية من نتاجات صاحب القبر؛ بحجة احتوائها على كتابات باللغة الكردية وأنها مخالفة للدين الإسلامي. وفي نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر من عام 2012 تعرضت قرية قسطل جندو، والتي يدين سكانها بالإيزيدية، لهجوم عسكري بعد سيطرة تشكيلات من الجيش الحر على مدينة أعزاز المجاورة لها. ويروي سكان القرية القريبة من مدينة عفرين أن عناصر الجيش الحر استهدفوها بحجة اعتناقهم ديناً غير الدين الإسلامي. وهذا الفعل التدميري ما هي إلا نقلة صوب تعميم تجربة محاربة الآخر المدني العلماني تحت ستار الدين، خصوصاً أنها ليست المرة الأولى التي تشهد فيه عفرين هذا الفعل، حيث سبق أن دُمّرت شواهد القبور فيها، كحال قبر العلامة الكردي نوري ديرسمي وزوجته في مقبرة حنان، وتدمير شواخص قبور الإيزيديين ونبشها، وتدمير مراكزهم الدينية المقدسة، كما حصل لضريح الشيخ حميد في أيار (مايو) 2020 في قرية القسطل جندو في منطقة شيروا، والذي يعتبر مزاراً دينياً مقدساً.

 يقول الكُرد ومن التقينا معهم أن تلك الفصائل أفرغت أحقادها وخطابها الممزوج بالعنصرية والكراهية والتشفّي، عبر فعل القتل العمد لأربع مدنيين كُرد من عائلة واحدة، وإصابة ثلاثة أخرون بجروح، نتيجة إطلاق مسلحي الجيش الوطني السوري -“جيش الشرقية/حركة التحرير والبناء”، النار بشكل مباشر عليهم في بلدة جنديرس بريف عفرين في 20/3/2023 على خلفية احتفالهم عشية النوروز رأس السنة الكردية والعيد القومي لهم، أمام منزلهم في جنديرس، وإيقاد شعلة نوروز، وهو أحد أهم الطقوس التي يتبعها الكُرد سنوياً بمشاركة شعوب أخرى في سوريا وعموم المنطقة.، وأكد شهود العيان وأفراد من عائلة الشهداء، إن المسلحين أطلقوا النار مع ترديد شعارات "الله أكبر" إنهم "مجوس وعبدة الشيطان". وهو ما يُعيدنا لمشاهد الملاحقات الأمنية السورية للشباب المحتفلين بعشية العيد، ومنعهم من إشعال النار وترديد الأغاني القومية والعاطفية بتلك المناسبة.


سادساً: الخاتمة والنتائج

ما عاد كافٍ القول إن ثمة خطابٌ يقودنا للكراهية، أو أن مضامين إعلامية تحمل أفكاراً أو خُطبَ كراهية؛ فهذا الأمر أصبح "كتحصيل حاصل" الكُل يدركه ويفهمه ويعيه؛ نتيجة تفكك المجتمعات وتفسخ القيم الأخلاقية بسبب الحرب والإرهاب والمشاهدات الإعلامية لسفك الدماء والقتل على الهويّة وغيرها. لكن المشكلة إن ليس الكل يجد في نفسه القدرة أو الرغبة، والأكثر سوءً المبادرة واللزومية لمواجهة هذا الخطاب الذي هو في متنه وصُلبه دمارٌ شامل، لا يقل خطراً عن التنظيمات العنفية والتدميرية. لذلك لابد من استراتيجية واضحة المعالم لمواجهة هذه الظاهرة انطلاقاً من الجذور وصولاً إلى إبعاد المجتمع عنها، عبر خطاب موازٍ ومضاد لخطاب الكراهية، وتطبيقات عملية، تُحسن من فهم خطاب الكراهية وآليات الاستقطاب الحاد الهادفة لتحريك السلوكيات صوب قضايا تؤثر على المجتمعات، وتفيد أصحاب ذلك الخطاب من أحزاب، صحافة، دول، مؤسسات ومنظمات مختلفة. وربما تكون المناهج والتلفاز والجرائد والمجتمع المدني وشركات التكنولوجيا وأجهزة مكافحة الإرهاب في الحكومات الرسمية أبرز تلك الاستراتيجيات التي تلعب دوراً في تحديد وإعداد برامج تشخص وتعالج حوافز خطاب الكراهية وأسبابه الحركية.

بالرغم من كل ما سبق فإن خطاب الكراهية والممارسات العنفية يتسع نطاقها فمثلاً:

  1. ثمة انتقام من التعددية القومية، وهو في المتن خطاب كراهية تسعى للمحو والانتقام عبر إعادة تفكيك الشعوب ذات القوميات والأديان الخاصة، مثل الكرد والآشوريين كقوميات والإيزديين كديانة وغيرهم. لجعل تلك الجماعات ملحقة بنوع قومي وديني واحد فقط لا غير، وهي كفيلة بوضع حواجز بين أبناء البلد الواحد.

  2. لا غرابة أن نجد أن الكُرد كقومية والإيزيديين كديانة، يتجهون صوب المزيد من التقوقع والخوف من الآخر، والاعتقاد أن أي خطاب نحو الهوية القومية هو خطاب كراهية بالضرورة؛ فالصفات العنفية المترافقة مع ذلك الخطاب ضد الجماعات يزرع في نفسية وخيال الأجيال اللاحقة بذور الانتقام أو الانعزال.

  3. ثقافة الدعايات والتهم والتشويه الذي لحق بالإيزيديين شكل عاملاَ إضافياً بمنع وصول رياح التغيير إلى سوية، وذهنية فصائل المعارضة السورية في عفرين والتي دمرت مزاراتهم الدينية. وهو يؤدي  إلى "عالم يسوده التنازع بإطلاق" لذلك عانت الديانة الايزيدية معاناة عميقة بسبب ديانته وقوميته، خاصة اتهامهم "ظلماً أنهم عبدة الشيطان، علماً أن المنظومة اللاهوتية لهم تتناقض مع هذه التهمة، التي تعتقد أن كل الخير والشر لا يكون إلا بإرادة الله وحده، وأن إلصاق تهمة عبدة الشيطان كان لغايات مثل اتّهام الكرد أنه من أبناء الجن أو من إماء/جواري النبي سليمان وبالتالي هي أناس غير شرعي" 

  4. الدستور يمنح الهويّة العربية أولوية في كل شيء، وكل الدساتير السورية لم تأت على ذكر الكرد والإيزيديين كقومية وديانة، وبل إن دباجة الدساتير طالما تغنت بالمحيط والإطار والحضارة العربية فقط لا غير دون سواها، واعتبرت كل من في سوريا عرباً. المناهج المدرسية السورية كلها باللغة العربية، ولا تهتم سوى بتاريخ وجغرافية العرب دون غيرهم من الحضارات والديانات والأقوام. وعلى مُعدّي وواضعي المناهج التعليمية أن يضعوا في اعتبارهم أنهم يصنعون مسوخاً من الأجيال المتلاحقة بهذه الطريقة. 

  5. لعب تبادل تهم الخيانة والعمالة للخارج والعنصرية على تأجيج أعمال التعصُّب وخلق موجة من الكراهية بين أبناء البلد الواحد، حيث كانت مواقع التواصل الاجتماعي والفيس بوك على وجه الخصوص مسرحاً للسّب والشتم والتشهير والترويج لمصطلحات مشينة مثل الكرد الخنازير والقردة و..إلخ.

وتالياً يعيش الكُرد بقوميتهم وديانتهم تحت وطأة العنصرية كعامل رئيسي في نشأة خطاب الكراهية، وهي نوع من الاستعلاء التابع من شعور فئة أنها عنصر سديد، ثم ترجمة هذا الشعور إلى واقع سياسي واجتماعي واقتصادي.

 

 

المصادر والمراجع

 

فهرس المحتويات

الجهل والمعلومات المضللة عن الجماعات يقوي خطاب الكراهية ويؤدي للعنف

 

الموضوع

رقم الصفحة

أولاً:  مقدمة

74

ثانياً: خطاب الكراهية والعنف المتكأ على علم النفس والثقافة

74

ثالثا: خطاب الكراهية والعنف

75

رابعاً: ممهدات لانتشار خطاب الكراهية ضد الكُرد كقومية وديانة خاصة

76

خامساً: نماذج عن ممارسات عنفية وكراهية ضد القومية واللغة الكردية والديانة الايزيدية

78

سادساً: الخاتمة والنتائج

80

المصادر والمراجع

82

فهرس المحتويات

84