جامعة أكاديميون العالمية AIU :: التعايش السلمي بين الأديان في السودان ونبذ خطاب الكراهية
تقاطعنا مع

التعايش السلمي بين الأديان في السودان ونبذ خطاب الكراهية " دراسة مقارنة"


تفاصيل البحث

 




التعايش السلمي بين الأديان في السودان ونبذ خطاب الكراهية " دراسة مقارنة"

أ.د أبكر عبد البنات آدم


 

مستخلص

تناولت الدراسة التعايش السلمي بين الأديان في السودان لما للسودان من موقع استراتيجي فائق في بناء الحضارة الإنسانية منذ قرون بعيدة. وقد هدفت الدراسة إلى تسليط الضوء حول مفهوم التعايش بين مكونات المجتمع السوادني الذي يتسم بالتعددية الدينية والثقافية والفكرية. فالتعايش هو قانون إلهي يهدف إلى صون حياة البشرية وفق ضوابط يقوم على حق الاحترام والاعتراف بأحقية الآخرين في العيش الكريم.

 فهذه القاعدة العقائدية ذات جذور إيمانية الغرض منها توجيه الشعوب والقبائل بأن الغاية من خلقهم هو التعارف والتعايش، وليست الحروب والصراعات والنزاعات.

 فالإنسان هو جوهر عملية التعايش والسلم الاجتماعي لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن الجماعة، لذلك خصه الله تعالى بالاستخلاف في الأرض لإظهار قيمته الآدمية. وخلصت الدراسة إلى أن التعايش مع الذات ومع الآخرين تشكل قيمة راسخة في النفس الإنسانية عندما يدرك أن في الأديان السماوية قيم من القواسم المشتركة. لذلك فإن تفشي خطاب الكراهية قد سبب شرخاً كبيراً في الأوساط الفكرية والثقافية والاجتماعية مما ساهم في فقدان الثقة بين فرقاء الأمس واليوم الأمر الذي أثر على المحيط الشخصي الأسري والمجتمعي. استخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي وأحيانا المقارنة المعرفة أسس بناء ثقافة التعايش السلمي بين الشعوب، والكشف عن الآثار السلبية لخطاب الكراهية.

الكلمات المفتاحية: التعايش، السلم، الأمن، السلم الاجتماعي، قبول الآخر، التعارف، الكراهية.


 

Abstract


The study dealt with peaceful coexistence between religions in Sudan because Sudan has a superior strategic location in building human civilization for centuries. The study aimed to shed light on the concept of coexistence between the components of Sudanese society, which is characterized by religious, cultural and intellectual pluralism. Coexistence is a divine law that aims to preserve human life according to controls based on the right to respect and recognition of the right of others to live in dignity. This ideological rule has faith roots, and its purpose is to guide peoples and tribes that the purpose of their creation is acquaintance and coexistence, not wars, conflicts and conflicts.

 Man is the essence of the process of coexistence and social peace. He cannot live in isolation from the group, so God Almighty designated him as a successor on earth to demonstrate his human value.

 The study concluded that coexistence with oneself and with others constitutes a value firmly established in the human soul when one realizes that the heavenly religions have values of commonalities. Therefore, the spread of hate speech has caused a major rift in intellectual, cultural and social circles, which has contributed to the loss of trust between the parties of yesterday and today. This affected the personal, family and societal environment. The researcher used the descriptive, analytical and sometimes comparative method to find out the foundations of building a culture of peaceful coexistence among peoples, and to reveal the negative effects of hate speech.


Keywords: coexistence - peace - security - social peace - acceptance of others - acquaintance - hatred.


 

مقدمة

إن التعايش السلمي بين بني الإنسان يقوم على أسس راسخة وقيم عظيمة تبنى لمصلحة العامة دون الخاصة، ولا يوجد قانون ينظم علاقة البشر بعضهما البعض على الإطلاق مثل قانون السماء الذي أرسل به الله عز وجل الأنبياء والرسل عليهم السلام، فهو قانون يهدف إلى صون البشرية جمعاء على البر والتقوى والرحمة والإحساس بالسلم تجاه الذات. ولقد خلق الله تعالى الناس وجعلهم شعوبا وقبائل للتعارف والتعايش وفق قيم تحترم ومبادئ تحتذى، وبموجب تلك الضوابط جاءت الآيات القرآنية لتكفل لكل فرد حقه في العيش الكريم حتى يستطيع كل إنسان أداء رسالته التي خلق من أجلها. فالتعايش السلمي يشكل أحد أهم أهداف الأمن والأمان بين الشعوب والأمم والشعور بمبدأ آلام الآخرين. فالإنسان بطبيعته يميل إلى أبناء جنسه ويأنس بهم، ولديه من النزعة الفطرية الطبيعية ما يجعله يتواصل مع الآخرين لتحقيق حاجاته الذاتية. وبالتالي فإن طبيعة الحياة تجعل المصالح مشتركة، والحاجات متداخلة وهذا يفرض على الإنسان حالة من التعايش في محيطه الاجتماعي، ويختلف من مجتمع إلى آخر. فالسودان من أكبر دول القارة في إفريقيا، ومن أكثر الدول تبايناً في الخصائص الطبيعية والبشرية، مما جعل له بعدا استراتيجيا وثقافياً ودينياً على المستوى المحلي والقاري والإقليمي والدولي، فتعددت المعادلات الحضارية والثقافية والسياسية. فأصبح التلاقح الديني حلقة من حلقات التواصل والتفاهم بين أهل الأديان، فقد كانت روح الإخاء والتعايش هي التي تحكم علاقات المسلمين والمسيحيين على مر التاريخ.

فالسودان كغيرها من الدول الأفريقية ذات الأهمية الكبرى في مكافحة ثقافة الخلاف والاختلاف بين مكونات القارة المختلفة، ففي الوقت الذي لا يعرف الشعب السوداني كيف يدار خطابات الكراهية، فقد أثبتت التجارب أن ظهور الجفاف و التصحر، والنزاعات والصراعات والهجرات غير المنتظمة دفعت بعض المجموعات انحيازها التام لفئة دون الأخرى، الأمر الذي ساعد في دخول لاعب جديد في هذا المضمار، ألا وهي الأنظمة الغربية الاستعمارية التي تتخذ من الدول النامية مركزا لها، وقد سعت بعض المنظمات الدولية التدخل في الشئون الداخلية والا تصال بالحركات التحررية لتغيير النظام. ومما زاد الأمر تعقيداً التدخل في الشئون الاجتماعية مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي والآلة الإعلامية اللامحدودة في تنفيذ مآربهم التي غالباً ما تدعو إلى التمييز والعنصرية، بل شرعت بعضهم في عقد بعض الندوات والورش الدورية والقيام ببعض الأعمال التي تخالف تقاليد وأعراف أهل السودان. وقد أثرت كل تلك العوامل إلى ظهور بعض المصطلحات التي يعتبرها الغرب أنها خاصة بالمسلمين والإسلام كالعصبية والقبلية والجهوية وغيرها.

وبالرغم إن من حق الإنسان أن يعيش في مجتمع ينعم بالحرية والأمن والأمان ونبذ عوامل السيطرة والهيمنة والشعور بالدونية من خلال ممارسة الحريات ضمن حدود واضحة المعالم، وخطة مرسومة للحقوق والواجبات، للوصول لمجتمع مدني ديموقراطي يستطيع كل فرد في المجتمع أن ينال حقه بصورة موضوعية ومنطقية، حتى يشعر كل الجماعات والأفراد بمختلف أطيافهم بأحقية المساواة في ممارسة حرية الرأي وحفظ الكرامة الآدمية، إلا أن تفشي خطاب الكراهية أصبح مصدر قلق متزايد في السنوات الأخيرة خاصة عندما بدأ استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بصورة مفرطة لا تليق بالشخصية السودانية التي تحترم حرية التعبير والتي تعتبر عنصرا أساسيا في بناء مجتمعات مستقرة وآمنة وديمقراطية. لذا فإن خطاب الكراهية على عكس ذلك يسيء للأفراد والجماعات وينتقص من إنسانيتهم بالاستناد إلى الصورة النمطية وشيطنة الآخر وتعريضه للخطر، وتفشي المفاهيم الخاطئة المتعلقة في أغلب الأحيان بالأصل العرقي أو الديني أو الانتماء السياسي.

أهمية الدراسة: تسعى الدراسة إلى التأكيد بإن الله سبحانه وتعالى عندما ميز الإنسان بالعقل، أراد أن يجعل من مبادئ حياته وألا يعيش بمعزل عن الجماعة. في التعايش السلمي هو إيجاد قواسم مشتركة للعيش الكريم بين أصحاب الملل المختلفة، ودعم التنمية البشرية ببناء صرح من القيم الأخلاقية الفاضلة على المستويين الفردي والجماعي، وهذا ما نقرأه في قصص الأمم الغابرة والحاضرة.

أهداف الدراسة: تهدف الدراسة إلى بلورة أهمية التعايش السلمي الذي جاء به الأديان الإلهية لإصلاح حال الشعوب والأمم، والبحث عن بواعث السعادة لتحقيق متطلبات الأمن والسلامة، ولاسيما حين يعيش الإنسان في مجتمع متعدد الأديان والأعراق. والكشف عن مدى تمسك الشخصية السودانية مع ودانية من معطيات الأحكام الدالة بضرورة الاهتمام بالقواسم المشتركة التي تجعل أصحاب الأديان السماوية يعيشون تحت مظلة التعايش السلمي كحق مكفول للجميع. 

مشكلة الدراسة: تكمن مشكلة الدراسة في الإجابة عن التساؤلات التالية:

.1. هل التعايش السلمي فطرة طبيعية عند الإنسان؟

2. إلى أي مدى يمكن تفسير التعايش السلمي بأنه شكل من أشكال التواصل والاتصال بين مكونات المجتمع السوداني؟

3 هل العالم اليوم يحتاج إلى قواسم مشتركة لبناء ثقافة التعايش السلمي؟.

4 كيف يمكن قراءة مفهوم التعايش في ظل التعقيدات التي تواجه السودان اليوم؟

منهج الدراسة:  استخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي وأحيانا الاستنباطي. 

 

المبحث الأول
مفهوم التعايش لغة واصطلاحا

التعايش لغة: مصدر تعايش تعايشاً، فهو متعايش، ويأتي التعايش في اللغة بمعنى: العيش على الألفة والمودة، وتعايش الناس إذا وجدوا في المكان والزمان نفسيهما، والتعايش أيضا مُجتمع تتعدد طوائفه، ويعيشون فيما بينهم بانسجام وثقة ووئام، على الرغم من أنهم مختلفون من حيث المذاهب أو الأديان أو الفئات والتعايش السلمي يعني وجود بيئة يسودها التقاهم بين فئات المجتمع الواحد بَعِيدًا عن الحروب أو العنف.

 أما اصطلاحاً هو اجتماع مجموعة من الناس في مكان معين تربطهم وسائل العيش من المطعم والمشرب وأساسيات الحياة بغض النظر عن الدين والانتماءات الأخرى، يُعرف كل منهما بحق الآخر دون اندماج وانصهار. يُراد بالتعايش، أن تلتقي إرادة أهل الأديان السماوية والحضارات المختلفة في العمل من أجل أن يسود الأمن والسلام العالم أجمع، أو أن تعيش الإنسانية في جو من السلم على ما فيه الخير الذي يعم بني البشر جميعاً دون الاستثناء، ويستند مفهوم التعايش إلى أربعة أسس:

  1. أن تتوفر الإرادة اليقينية، بحيث أن تكون الرغبة في التعايش نابعة من الذات، وليست مفروضة تحت ضغوط، أيا كان  مصدرها، بشرط ألا تكون مرهونة بمصالح الآخرين، مهما تكن مسبباتها.

  2. أن يكون المقصد من التعايش هو خدمة الأهداف والغايات الإنسانية السامية التي تحقق مصالح البشرية العليا، وفي مقدمتها استتباب الأمن والسلم المجتمعي.

  3. التعاون من أجل تحقيق الأهداف المتفق عليها، وفقاً لخطط التنفيذ التي يضعها الطرفان في العيش الكريم (كالمعاهدات والمواثيق والاتفاقيات).

  4. أن يتم الاحتكام دائماً إلى القواسم المشتركة، كالقيم والمبادئ التي لا خلاف عليها ولا نزاع حولها، وهذا ما يعزز جانب الإرادة والالتزام.

فالتعايش بين الأديان في الإسلام هو منظومة من القواعد الواضحة لحفظ المجتمعات البشرية وإبعاد الفتن عنها، كما أعلن الإسلام في مكنون آياته أن الناس جميعاً قد خلقوا من نفس واحدة، مما يعني أنهم مشتركون في وحدة الأصل الإنساني، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، فجميع البشر على وجه هذه الأرض يشتركون في الإنسانية، وبالتالي كفل لهم الإسلام الحق بالحياة والعيش بكرامة دون تمييز بينهم، وذلك من مبدأ أن الإنسان مكرّم لذاته، دون الالتفات إلى ديانته أو عرقه أو لونه أو منشئه، فجميع أفراد المجتمع أسرة واحدة، ولهم حقوق معينة، وعليهم واجبات، لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء:70]، أما الاختلاف الظاهر في أشكال الناس وألوانهم وأجناسهم ولغاتهم فليس إلا دليلا " على عظمة الله الخالق وقدرته وإبداعه في خلقه، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ [الروم: 22]، فإذا وجد الاختلاف في المجتمعات البشرية فينبغي أن يكون ذلك من الظواهر الطبيعية، ولا ينبغي لفئة التغول على فئة أخرى لأن ذلك يوجد العداوة والبغضاء في المجتمع ويثير النعرات الطائفية بين أفرادها، بل ينبغي أن يكون ذلك الاختلاف سبيلا للتعارف والتواد والتراحم بين أطياف المجتمع الواحد، والسعي لإيجاد المصالح المشتركة بينهم قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13]، فقد أشار الله سبحانه وتعالى في الآية السابقة إلى أنه لا مجال للتفاضل بين الناس إلا على أساس التقوى والقرب من الله -عز وجل- ومدى تطبيق شرائعه والالتزام بما جاء به الرسل عليهم السلام. أما من لم ينتسب إلى الإسلام من الأديان الأخرى التي جاءت من عند الله قبل مجيء الإسلام ولم يؤمن بالله، فإن القرآن الكريم لم ينظر إليهم بانتقاص، أو على أنهم ليسوا بشرا وأنه لا يحق لهم ما يحق للمسلمين؛ بل نظر إليهم نظرة تسامح ولين، وعلى المسلم دعوة غير المسلمين إلى الله على سبيل النصح، فإن أطاعوا فذاك نعمة من الله وإن رفضوا إلا البقاء على دينهم؛ فلا إكراه في الدين ما داموا لم يعادوا دين الله ولم يحاربوه، لقوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]

كما راعي الإسلام عدم المساس بمعاهد أو ذمّي، إن كان بينه وبين المسلمين عقد ذمة، لقوله صلى الله عليه وسلم: " من قتل معاهدًا لم يَرَح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا". وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم التعايش بين الإسلام والنصرانية في الحديث النبوي الشريف عن أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:" الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وأنا أولى الناس بعيسى بن مريم لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، فالتعايش المشترك والاحترام بين العقائد سمة أهل الأديان. وبذلك يمكن القول إن تجربة التعايش السلمي في السودان على المستوى الأسري والفردي، تفوق تجارب الكثير من الدول التي تدعي المسيحية كانت أم الإسلامية، لأنه يمثل أحد قيم المجتمع السوداني، بل هي نتاج طبيعي وتلقائي للحفاظ على الهوية الثقافية السودانية.

 

المبحث الثاني

مفهوم السلم لغة واصطلاحا

لغة:  السلم في اللغة من السلم أي البراءة والعافية، وقيل: السلم هو السلام. وقوم سِلْمٌ وسَلْمٌ: أي مسالمون، وكذلك امرأة سِلم وسَلم، وتسالموا: أي تصالحوا. وقد قرئ على ثلاثة أوجه، السَّلْم والسِّلْم والسَّلَم، والسلم: ضد الحرب، ومنه اشتقاق السلامة، وسُمّي بذلك تفاؤلا - بالسلامة، فالسلم هو الصلح، لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: 208].

اصطلاحا: السلم هو سلوك فطري يحتاج إليه كل فرد أو جماعة كي يعيشوا بتآلف وانسجام ومودة وهدوء، وهو جزء من ديناميكية حركة الأمة لقيام مجتمعات قوية ومتماسكة وقابلة للنمو والتطور، وقادرة على الإبداع والإنجاز والإنتاج.

 فالنفس البشرية تنبذ الكراهية والعداوة والحقد والبغضاء، لأنها أمور تناقض الفطرة الطبيعية التي فطر الله تعالى عباده عليها. فالسلم يرمز إلى الحوار والتسامح بين الأفراد، ويناقض فرض الآراء بالإكراه والإجبار. وأيضاً يأتي السلم بمفهومه الإيجابي معاكساً لمفهوم الحرب التي لا ترقى بالأمم بل تجعلها تتخلف وتظل في أسفل سلم الحضارات. فالسلم ضد الحرب، وهو وضع يسود فيه الأمن والسلام ويشعر فيه الفرد بالأمان والسكينة والاستقرار، بل هو عامل أساسي لتقدم الأمم وازدهارها. ويرى البعض أنه يعني الوفاق الذي يتم بين أعضاء مجموعة بشرية متقاربة ومتصلة الروابط. وقد دعا الإسلام إلى تحقيق التعايش السلمي بين الشعوب والأمم لأنه يقوم على الحق والعدل، وهو الأصل في السياسة الشرعية، مع الاحتفاظ باستقلالية وكرامة الإنسان. وهنالك ما يسمى بالسلم العالمي وهو المحور الذي تدور عليه شرائع الإسلام وأحكامه. لذا، كان اهتمام الإسلام بالعدل وترسيخ دعائمه، مساوياً لمدى اهتمامه بالسلم، فكلما انتشر سلطان العدل، انتشرت ثقافة السلم والعكس. وللتعايش أنماط مختلفة منها:

  1. التعايش الديني: هو أن يعيش الأشخاص أو الأفراد ذوي المعتقدات المختلفة مع بعضهم البعض دون خلاف أو اختلاف أو صراعات أو نزاعات، وذلك من خلال تحقيق ثقافة السلم الاجتماعي والاعتراف بالآخر وقبوله، والمعاملة  التي هي أحسن.

  2. التعايش المذهبي: وهو أن يعيش الجميع وفق القواسم المشتركة دون الاعتراض على مذهب الآخر، وذلك من خلال مراعاة القواعد الشرعية، مع توفير قاعدة الاحترام والمجادلة والحوار لبناء المعروف وتقويته والنهي عن المنكر والاجتناب منه.

  3. التعايش العرقي واللغوي: قد يعيش في الدولة الواحدة عدد من الأثنيات يختلفون في الثقافة والعادات والتقاليد لذا من باب أولى على ولاة الأمر توفير أدنى خواص التعايش للعيش الكريم بين مكونات المجتمع.

وعليه، لقد وضع الإسلام عدة ضوابط للتعايش بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى منها:

  • الاعتزاز بالانتماء للإسلام، والالتزام به واتخاذه كمنهج حياة.

  • محافظة المسلم على شخصيته الإسلامية وابتعاده عن التقليد الأعمى.

  • الحفاظ على ما يميزه من أخلاق وسمات خاصة به.

  • الحرص على ألا يمس المسلم شيء من الذل أو الظلم أو التهميش أثناء تعاملاته مع من هم من الأديان الأخرى بداعي التعايش.

  • الحرص على أن يكون طابع العلاقة سلميا متبادلا  بين الفئتين، فلا يخضع المسلم أو يتعرض للاعتداء أثناءها.

وعلى هذا المنوال، يطلق التعايش على الذين يعيشون على المودة والألفة، ومنه التعايش السلمي في الحياة من المطعم والمشرب والمدخل. فإذا وقفنا مع مدلول التعايش Coexistence الذي شاع مع ظهور الصراع بين الكتلتين الشرقية والغربية، وقبل سقوط سور برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي، فهناك ثلاثة مستويات لهذا المفهوم:

  • سياسي أيديولوجي Political - Ideology، يحمل معنى الحد من الصراع أو العمل على احتوائه أو التحكم في إدارة هذا الصراع بفتح قنوات الاتصال التي تقتضيها ضرورة الحياة. 

  • اقتصادي Economical ويرمز إلى علاقات التعاون بين الحكومات.

  • ديني ثقافي وحضاري Religious Cultural Civilized، وهو الأشمل تحديداً والمراد به أن تلتقي إرادة أهل الأديان السماوية والحضارات المختلفة في العمل من أجل سيادة الأمن والسلام حتى تعيش الإنسانية في جو من الإخاء، لقوله تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ [آل عمران: 64]، تبين الآية أن مبدأ التعايش بين المسلمين وأهل الكتاب سنة كونية لا ينكرها إلا مكابر، فالتعايش في الأديان ينطلق من قاعدة عقائدية ذات جذور إيمانية، تسود بين الأمم والشعوب علي أساس العدل في المعاملة والمساواة، لقوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25]، وقد طبق المسلمون هذا القسط على المستوى الفردي والجماعي.

 لذلك فإن اختلاف الناس في أديانهم سنة الله في خلقه، لقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ [هود: 118]، فالاختلاف بين البشر في ألوانهم ومعتقداتهم وفي أوطانهم سنة الحياة، فواجب الدعوة إلى الله هو التعارف والتآلف، فإن أكرم الناس عند الله اتقاهم، و التقوى اسم جامع لخصال الخير من اتقاء كل الأعمال التي تغضب الله عز وجل لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13]. فقد أمر الله عز وجل المتقين بإقامة أسس الدين القائمة على العدل والمحبة والسلام، وعدم اتخاذ الدين أداة للتفرقة بين أهل الملل ويذكر القرآن الكريم أن النصارى هم أقرب الناس مودة للمسلمين قال تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [المائدة: 82]، وفي ذلك إيحاء للمسلمين والنصارى بأن يتألفوا ويتواددوا ويتعاونوا في القضاء على الشر والفساد، ورفع راية الحق في المحافظة على السلم الاجتماعي، الذي هو جوهر الدين، وما استخلف الإنسان في هذه الأرض إلا لتحقيق تلك الغايات، لأن انتشار الإسلام في السودان كان بمثابة الحلقة الأولى في تشكيل مجموعة بشرية متحدة في والهدف والغاية، فهي مجموعة متجانسة في النظرة القومية، حيث انصهر خلالها العنصر العربي بالأفريقي في بوتقة الحضارية مترامي الأطراف، لذلك ترسخت في نفوس الناس وعقولهم كل الفضائل والخصال الحميدة التي تدعو إلى تفعيل القواسم المشتركة بين الأديان الإلهية، وتأسيس مؤسسات اجتماعية تقوم على فلسفة لتعميق قيم التراث الحضاري؛ فالتعايش السلمي بين الأديان والأعراف داخل الوحدة السياسية الواحدة يعني قدرة الكيانات المختلفة من تأكيد وجودها والتعامل مع الآخر والانفتاح مع بعضها البعض للعيش الكريم، وفي هذا السياق، تعتبر النصرانية والإسلام ديانتين متفقتين تماماً على أن التعددية سنة من سنن الحياة الكونية، تندرج وفق مقاصد الله في خلقه، وبالتالي تمثل حقيقة وجودية.



دور الحكومات الوطنية في صناعة التعايش السلمي:

 سعت الكثير من الحكومات الوطنية في مسيرتها التاريخية إلى بلورة فكرة التعايش لتحقيق الأهداف التالية:

  1. الوحدة في جلب المصالح ودرء المفاسد.

  2. الوحدة من أجل حرية المعتقد والعبادة والتمسك بالعادات والتقاليد التي لا تخالف قيم المجتمع السوداني.

  3. تحقيق العدالة والمساواة في توزيع فرص التعليم والصحة بين جميع مكونات المجتمع السوداني.

فالعودة إلى تلك العلاقة التاريخية بين الدولة والدين، تعيد علينا القدرة على رؤية واضحة، وعميقة عن حقيقة العلاقة بين الأديان التي تضمن بقاء العقد الاجتماعي والثقافي في السودان، ولعل الإسلام في السودان دين وحضارة، ولعل قول مكرم عبيد الزعيم السياسي المصري القبطي يوضح هذا الأمر حين قال:" أنا مسيحي. في ديني ومسلم في وطني"

ولا شك في أن المسيحيين الوطنيين هم اليوم ينتمون إلى حضارة الإسلام لأن المسيحي الوطني يحمل في وجدانه هذا الرصيد الحضاري. وقد ساعدت الحركة الوطنية في السودان على بناء النسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي، بتفاعل المسلمين والمسيحيين تحت مظلة الوحدة الوطنية، والدليل على ذلك، أن معظم الذين عمقوا روح الاختلافات، لم يقتصر خلافهم على الصعيد الديني، بل ابتكروا مسألة اللغة العربية والحرف اللاتيني، ليفصلوا النصارى الوطنيين عن حضارة العروبة في الصعيد اللغوي، فأخذوا يشككون في مظاهر التراث السوداني ويصفونه بالتخلف. 

ورغم تلك المحاولات التي يبذلها الغرب لإزالة عنصر الوحدة ضمن العقد الاجتماعي القومي، إلا أن المجتمع السوداني عمل على إزالة كل العوائق والاختلافات التي لا تساعد في ربط النسيج الاجتماعي المتعدد الأطراف والأعراق، الذي لا يعرف الاختلاف الديني، فظل طوال تاريخه البعيد والقريب يهتم بعلاقة التعايش بين النصارى الذين عاشوا في كنف الدولة السودانية لهم الحقوق وعليهم الواجبات، كما تم مشاركتهم في وجدانهم الاجتماعي، لذا فإن هذه المشاركة الفاعلة وفرت الضمانات الاجتماعية والثقافية عند السودانيين؛ كما يقول برنارد لويس: "نجح الإسلام ولم تنجح المسيحية يوما في جمع التسامح الديني مع الإيمان".

هكذا تعتبر الحكومات الوطنية في السودان البوتقة التي تضم المسلمين والنصارى على السواء وقد استطاعت بدورها القضاء على تقوّل المتعصبين من أهل الغرب الذي يتمثل في الهدم والبناء وكسر شوكة الوحدة الوطنية، فتحول الهدم إلى مزيد من الاستقرار وسط الأمة السودانية فأصبح الواقع السوداني يمثل أنموذجاً حقيقياً لمجتمع يعترف بالتعددية الدينية والسياسية والقومية، وتعايش هذه القوميات في نسيج اجتماعي واحد.

 وعلى الرغم من النمو الذي تشهده الكنائس في السودان، إلا أن النسيج الاجتماعي ما زال محافظاً ومتحرراً من عقدة العرق واللون والجنس كما أن سودنة المدارس التنصيرية صححت كثيراً من مسار حركة التعليم، بتوحيد برامجها وأهدافها، والتي عملت على تغيير مسار العمل الاجتماعي السوداني بشقيه الإسلامي والنصراني.

 ومن المسلمات المعروفة في علم الاجتماع، أن المجتمع البشري لابد أن يستند في تنظيمه وتسييره على نظرية حضارية، أو قاعدة مستخلصة من تاريخ الأمة وتطورها ونابعة من حاجاتها متفقة مع وجدانها وأعرافها وخصائصها، مستفيدة من تجارب الإنسانية كي تؤكد توحد أبنائها، والتي تدفعهم إلى التفاهم المشترك والتعاون في بناء الحضارة ويقوم المجتمع السوداني على أساس التنوع الثقافي والاجتماعي الذي يجمع المسلمين والنصارى دون الالتفات إلى الفوارق البشرية والبيئية. ولعل الإطار الذي رسمه الشيخ محمد الغزالي للتعايش يمثل رأيا سويا، فقد وضع ثلاثة مبادئ أساسية هي:

  1. الاتفاق على استبعاد كل كلمة تخدش عظمة الله عز وجل.

  2. الاتفاق على أن الله يختار رسله من أهل الصدق والأمانة.

  3. العمل بما وجدناه متوافقاً مع تراثنا، وبذلك يمكن وضع قاعدة مشتركة بين أهل الملل.

من تلك القواعد يمكن أن يتبلور مفهوم التعايش بين الأديان وتدعيم آفاقه، والمحافظة على سلامته، وهو مقصد مشترك يجمع كل طرف من أطراف المجتمع لمحاربة بعض الأمراض التي تفتك بالإنسانية كالظلم والإلحاد، والانحلال الخلقي وتفكك الأسر وعدم الاستقرار والإرهاب، وذلك باحترام أحكام القانون، والانصياع إلى تعاليم الأديان السماوية التي لا تعرف الظلم والقهر والاضطهاد، كما يعتبر القبول والتسامح الركيزة الأساسية للتعايش بين الأديان، وهي غاية من غايات العقيدة الصحيحة.

ورغم التطورات السياسية في تاريخ السودان، إلا أن عنصر التعايش السلمي في السودان يمثل أهم أعمدة البناء الاجتماعي ذات الجذور العميقة في سلوكيات وقيم الإنسان السوداني، بمختلف انتماءاته الدينية والسياسية والعرقية والثقافية فالتعايش ليس عملية سياسية بقدر ما هو نظام اجتماعي يستوعب عدد من أفراد المجتمع يختلفون في معتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم.

لذلك فإن التعايش بين الأديان والثقافات والأعراف المتعددة داخل الوحدة السياسية الواحدة يعني قدرة الكيانات المختلفة على التعاون والتعايش، والقبول بالآخر أو الانفتاح عليه بالحوار، لتعزز الثقة المتبادلة المؤدية إلى التلقائية في الوحدة والهدف.

فالتعددية التي يمتاز بها المجتمع السوداني لا تعني بالضرورة الاختلاف بقدر ما هي ليست ضد الوحدة، إذ إن التعايش في ظل التعددية تشكل علامة من علامات النضج الاجتماعي والحضاري الديني وآية من آيات الله في هذا الكون، وفي هذا السياق نجد أن الإسلام والمسيحية يتفقان على التعددية، لأنها تندرج ضمن مقاصد الله في خلقه، وبالتالي تمثل حقيقة وجودية لا يمكن إلغاؤها أو تجاهلها، فواجب الطرفين التعامل معا بإيجابية تحقيقا للمبادئ الإيمانية السامية

ولم يكن الدين عنصرا من عناصر الصراع السياسي في السودان بدليل أنه يرمي بظلاله الإيجابية على ربط النسيج الاجتماعي وإقرار التعايش السلمي، كما أنه دفع بالشأن السوداني إلى مرحلة العالمية والإقليمية بأن السودان يحترم حرية الأديان، وأن هذا التطور جعل السودانيين يسيطرون على شؤونهم لارتباطهم بعنصر الدين، فالتعايش الديني حقيقة اجتماعية لا تستطيع كل العوامل الخارجية أو الممارسات الداخلية، سواء بين المسلمين أو المسيحيين النيل منها، لأنها قيمة متأصلة وبصورة عميقة في وجدان وسلوك المجتمع السوداني بمختلف انتماءاته الدينية و الثقافية. فالواقع التاريخي يؤكد تلك العلاقة، وترجم ذلك في حضارات السودان التي جمعت النصارى والمسلمين على السواء رغم أنهم كانوا يعيشون في أسفل حاجز السلطة، يخضعون معا لقهر الحكام المستعمرين محرومين جميعاً من حقوقهم، وما أن استمر الحال حتى قاموا بحركتهم الوطنية والدستورية، مطالبين بنيل الاستقلال من المستعمر الذي أذاقهم ويلات التشرد والتعذيب لمن لا ينصاع لأوامره، فكان كفاحهم في هذا المجال شاقا وطويلا.

وخلاصة القول، عاشت النصرانية تحت ظلال الإسلام فترة من الهدوء والأمن والاستقرار في عهد الحكومات الوطنية الأمر الذي أدى إلى توالي نشأة الكنائس الوطنية التي لم تخرج عن سمات الشخصية السودانية.





المبحث الثالث

مظاهر التعايش السلمي في السودان

 تتعدد مظاهر التعايش السلمي بين الأديان في السودان على النحو التالي:

  1. التعايش الفردي والجماعي والأسري: إن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها في المجتمع السوداني هي وجود التعايش السلمي والديني بين المسلمين والمسيحيين بصورة يومية بدءاً بالأسرة السودانية، على مستوى الأحياء والقرى والمدن مرورا بمؤسسات المجتمع المدني والرسمي ونتيجة لتلك العلاقات التلقائية نشأت الروابط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، حيث انصهرت من خلالها جميع فئات الشعب السوداني دون تمييز للعرف أو الجنس أو الدين.

  2. كفالة حرية المعتقد وممارسة الشعائر وصون أماكن العبادة: سعت الحكومات الوطنية علي كفالة حرية التدين لأهل الكتاب، وأول هذه الحريات، حرية الاعتقاد والتعبد، فلكل فرد دينه ومذهبه، ولا يجوز إكراه أحد أو ضغطه للتحول إلى الإسلام، لقوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة:256]، قال أبن كثير: أي لا تكرهوا أحدا إلى الدخول في دين الإسلام، لأن الإكراه يجلب النفور، بل من هداه الله، وشرح صدره، ونور بصيرته دخل فيه على بينة، ومن أعمى الله قلبه، وختم على سمعه وبصره، فإنه لا يفيد الدخول في الدين مغصوبا.

  3. حفظ الحقوق والواجبات: أي معاملة غير المسلمين وما يدينون به، وهو معنى من معاني التفكير الإسلامي من حيث الاعتراف بالآخر، وقبولهم كإخوة في الدولة.

  4. المشاركة في الأعياد والمناسبات: من الأمور المألوفة لدى المجتمع السوداني احتفال المسلمين والمسيحيين بأعيادهم ومناسباتهم، التي تتم في جو من الحرية والتسامح، ولم تكن تلك المناسبات بمعزل عن الديانتين، لأنها تجري في الساحات  العامة، يشارك فيه المسلم والمسيحي سواء من قبل الجهات الرسمية أو الشعبية. فالترابط العضوي والأخوي له أثره الطيب في نفوس أهل السودان، حيث يتم التواصل والزيارات المتبادلة للجيران والزملاء وهذا عامل من عوامل التعايش السلمي الذي يجعل أمر وحدة أهل السودان خيارا قومياً. ويرى الباحث أن الشعور بالتعايش بين الأديان حقيقة واضحة في السودان، ولم يشعر النصارى والمسلمون بالخوف تجاه بعضهم البعض، ولو وجدت لما أمكن لتلك الظاهرة أن تأخذ مداها الذي بلغته من الألفة والمودة والمحبة.

  5. الاندماج في الحياة الاجتماعية: لقد بلغ الاندماج الاجتماعي بين المسلمين والنصارى في السودان من خلال التزاوج، كحق زواج المسلم من أهل الكتاب، والسكن والأطعمة والمشاركة في الحياة اليومية، كالوظائف وعمارة البيوت وغيرها. وقد شاع التزاوج منذ عصور مبكرة من التاريخ الإسلامي، بل أن الخليفة عثمان بن عفان تزوج نائلة بنت الغرافصة؛ وهي نصرانية. كما تزوج معاوية بن أبي سفيان ميسون بنت بحدل - لذلك لم يخلو المجتمع السوداني من تلك العلائق الزوجية التي تؤكد معاني المودة والمحبة لقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21]

وقوله تعالى: ﴿أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13]، ولم يكن مستغرباً أن يقبل المتدينون من النصارى بهذا الشعار الذي يسمح لهم أن يؤسسوا رغبتهم في التعايش مع المسلمين، من دون أن يضطروا لصياغة موقف مضاد، وتعبر هذه العلاقة في حيوية الديانتين في إطفاء نار السجالات، وطي صفحات الخلاف التي بثها الاستعمار، فالعادات والتقاليد هي موروثات أقام عليها الناس ردحا من الزمن، حتى صار سلوكاً مادياً يتعامل به المجتمع كمعيار لقياس سلوك الأفراد والجماعات. في المجتمع الذي تتشابه فيه المصالح وتتزاحم فيه الدوافع تتولد فيه العلاقة بين الراعي والرعية، تتوفر فيه الآتي:

  • وجدان الحب والرحمة.

  • الأدب النفسي والاجتماعي.

  • الابتعاد عن مبدأ الإكراه في الدين.

  • اتباع أسلوب الحوار بالتي هي أحسن؛ فالحوار هو سبيل للانفتاح الصحي والسليم.

  • الشعور بالتعاون والتضامن يمتاز المجتمع السوداني عن غيره من المجتمعات الأخرى بالتعاون والتضامن بين أفرد الأمة الواحدة، وبرباط المصلحة المشتركة التي تقوي شعور القيام بالواجب المفروض، والتي تقام في حدود الحرية الفردية والدينية. فإذا كان الغرب قد فشل في حماية النصارى الوطنين، وفق ما بينته التجارب الثلاث الكبرى التي عاناها المسيحيون في منطقتنا العربية والأفريقية كهدف استعماري فإن من حق النصارى الوطنيين أن يستعيذوا برب الفلق كلما امتدت إليهم يد الغرب عارضاً الحماية؛ لأن الحماية انقلبت وبالا عليهم، بل أثبتت التجارب المذكورة أن المسيحيين الوطنيين هم المستهدفون، وبالتالي يحتاجون إلى من يحميهم تحت مظلة علاقة الدين بالدولة. لذلك فإن الدين هو مصدر الضمان الاجتماعي بعيداً عن المادية الجدلية، فإذا انعدم الدين فإن ثمة شك سوف يظهر في صراع المصالح الخالي من ظاهرة التدين فالصراع الذي شهده السودان ليس صراعاً دينياً كما يتوهم البعض. وهذا ما أكدته الدراسات المختلفة، ولعل الأهم في هذا الإطار أن الدين يمثل مؤسسة اجتماعية، وسياسية، ترمي إلى إحكام بناء الضمان الاجتماعي في سبيل وحدة الشعب ضمن المنظور العقدي القومي. فالوحدة القائمة على أسس حضارية عميقة الجذور كفيلة بحفظ النسيج الاجتماعي، وإلغاء الأسس التي تفرط هذا العقد. فالروابط والعلائق الحضارية والسياسية في السودان، خير ضمان لسيادة الشخصية السودانية، وتأمين مصير أصحاب الأديان الأخرى.

  1. التعايش الثقافي والفكري: اهتمت الحكومات الوطنية في السودان منذ الاستقلال بالثقافة التي تتكون من مجموعة من الأنماط العربية والإفريقية، التي تشكل حلقة من حلقات التعامل والتفاهم المشترك بين معظم قبائل السودان، والتي ساعدت على ظهور شخصيات قومية ووطنية تضم المسلمين والنصارى الذين ساهموا في إبراز الوحدة الوطنية. ويتمتع غير المسلمين بحقهم الوطني في تعليم أبنائهم وإلحاقهم بالمدارس والمعاهد والجامعات السودانية، ولهم في ذلك حق التعبير عن آرائهم والتحدث بلغاتهم ولهجاتهم، كما يتولون حق تعليم وتنشئة أطفالهم وتقديم الخدمات الاجتماعية وفق مستوياتهم الثقافية. وتتكون الثقافة السودانية من التفسيرات والدلائل التالية:

  • التسلسل التاريخي: ويعني دراسة الكتابات والمخطوطات التي تكشف المساهمات التاريخية التي ساعدت في بناء السلم الحضاري.

  • علم الاجتماع: ويعني بدراسة أصول الأجناس البشرية وتداخلها مع بعضها البعض، ومعرفة الأثر الحضاري في تشابه العادات والتقاليد.

  • البيئة الجغرافية: أي معرفة مدى تأثير الثقافة السودانية بالعنصر العربي المسلم والإفريقي المسيحي، وتفاعلها مع المجتمع السوداني.. 

  1. التعايش الديني على مستوى الدولة: لقد أكدت دساتير السودان في فترة الحكومات الوطنية المختلفة على حرية التدين والاعتقاد، وفي هذا الإطار تنص المادة 24 من الباب الثاني لدستور السودان لعام 1998م، و2015م على أن لكل إنسان حق ممارسة عقائده الدينية ونشرها عن طريق التعبد أو التعليم أو أداء الشعائر أو الطقوس دون إضرار، أو إيذاء مشاعر الآخرين. وينتج عن هذا المبدأ الدستوري العام حرية التدين لكافة أفراد المجتمع السوداني، وبالتالي لم يكن هناك أي إخلال في ميزان العدالة فيما يتعلق بالحقوق الدينية، وهذا من شأنه أن يقوي جانب التماسك الاجتماعي. هكذا سعت الحكومات الوطنية إلى ممارسة الدور الإيجابي فيما يتعلق بحقوق المواطنة بالنسبة للنصارى باعتبارها حق مشروع لأصحاب الملل الأخرى، والتي منها:

  • سمحت الدولة للنصارى العاملين في مؤسسات الدولة وغيرها بممارسة الشعائر الدينية التي تقام خاصة في الأعياد.

  • منحت الدولة إعفاءات لبعض المسيحيين كفواتير مياه الكهرباء خاصة في دور العبادة، وهذا عمل مقدر لرعاية الدولة لمواطنيها على أسس العدالة والمساواة.

  • يتمتع المسيحيون بحرية التعليم على كافة المستويات في جميع المدارس الحكومية والأهلية، وبدعم مباشر من الدولة من خلال الاعتماد والإشراف على منهج التربية المسيحية بواسطة وزارة التربية والتعليم.

  • يتمتع النصارى بحرية إقامة المعارض التبشيرية في كافة أنحاء السودان خاصة معرض الكتاب المقدس.

  • منحت الدولة للنصارى حق التمتع بخدمة إعلامية عالية، تحت إشراف مجلس الكنائس الدولي.

  1. قانون الأحوال الشخصية: تهتم الأحوال الشخصية بحكم مدلول تسميتها بالأمور الشخصية والجماعية المرتبطة بالخطوبة والزواج والطلاق والميراث والهبة والوصية وغيرها. ولما كان السودان دولة شريعة لزم أن تراعي الأحوال الشخصية فقد تركت هذه القواعد إلى أصحاب الأديان، فأصبح كل دين يمارس قانونه الشخصي حسب المعتقد والعرف إذ نصت المادة 9 من الدستور الدائم لجمهورية السودان لعام 2011م على أن الشريعة الإسلامية والعرف مصدران رئيسان للتشريع في السودان.

  2. التعايش في المجال الاقتصادي: لقد كفل الإسلام لغير المسلمين حق العمل والتجارة وامتلاك الأراضي، وقد بلورت هذا الحق بالسماح لكثير من الكنائس بالعمل التجاري وإعفاءها من بعض الخدمات الاجتماعية، وتقديم بعض المساعدات ومنحهم حق امتلاك الأراضي الاستثمارية.

  3. التعايش والتعاون في المجال السياسي: إن التطورات السياسية التي برزت على الساحة السياسية السودانية، بعد الحرب العالمية الثانية 1945م أسهم كثيراً في تحويل الإدارة من المستعمرين إلى الوطنيين، وأفتتح أول برلمان سوداني في يناير 1954م، ثم إعلان الاستقلال في يناير 1956م، الذي لعب دوراً هاماً في تغير مسار النشاط الكنسي في السودان، فحاولت الإرساليات التنصيرية تجسيد فكرة الكنائس المحلية لتحقيق أكبر قدر من التعاون السياسي التنصيري، فظهرت عدد من الكنائس التي شكلت جزء كبير من الحضور النصراني في السودان، وبدأت الكنائس العالمية تتحدث عن صحوة الكنيسة في السودان مع خواتيم الألفية الثالثة للميلاد، حيث وجه كلف كالفير Clive Calver رئيس منظمة إغاثة العالم نداء - ذكر فيه: "الكنيسة في السودان أكثر الكنائس نموا في العالم... الخ". وبالرغم من القوة التي فرضها الاستعمار لبث روح التفرقة بين المواطنين السودانيين، إلا أن الرابطة الوطنية لا زالت ممتدة الجسور، فالسودان قطر متعدد الأديان والثقافات والأعراف، وقد أعطت هذه الخصوصية للمسلمين وغير المسلمين حق المواطنة الطبيعية في ممارسة نشاطها السياسي بعيدا عن طاولة الحرب كوسيلة مدمرة لمظاهر التعايش الديني، كما أعطتهم حق المساواة في الحقوق و الواجبات وعدم التمييز بين العناصر التي تشكل الهوية السودانية، وقد كفل لهم دستور السودان حق تقليد الوظائف العامة والدستورية في الدولة بالإضافة إلى حق الانتخاب والترشيح. فالإسلام في السودان فطرة الأمة وأيديولوجيتها ومنهجه الموجه لفكرها، وعملها في كل ميادين الإنسانية، لخلق رابطة الانتماء والولاء لله والذي لا يعلو عليه سواه.

 فالثقافة السودانية ثقافة إثنية قومية لا تعرف الفرد أو الأسرة أو القبيلة بقدر ما تعرف الكليات التي تعني توظيف تلك الوحدات في إطار القناع الوطني، لذلك يتداخل مفهوم الثقافة والتراث والدين مع قضية الوحدة والهوية في السودان.

 

المبحث الرابع

مفهوم الكراهية لغة واصطلاحا

الكراهية أو الكره أو البغض أو البغضاء أو المقت، هي مشاعر يصاحبها العنف الشديد أو نفور وعداوة، أو عدم تعاطف مع الأشخاص، ويمكن للمكره أن يبنى أفكاره ومشاعره على الخوف وعدم الشعور بالأمن والطمأنينة، وأحيانا يستخدم لفظ "الكراهية" عرضا للمبالغة في وصف شيء لا يطيقه الشخص الآخر. وقال ابن عاشور:" الكره: الكراهية ونفرة الطبع من الشيء، ومثله الكره على الأصح". أما البغض، بمعنى الكره، وهو ضد الحب من بغض الشيء بغضا، أي مقته وكرهه والبغضة والبغضاء: شدة البغض، وتباغض القوم: أبعض بعضهم بعضا. وقيل تستخدم لفظة "كراهية" لوصف إجحاف أو حكم مسبق، تعصب أو إدانة تجاه فئة أو طبقة أو مجموعة من الناس، وهذا ما يطلق إليها العنصرية. وجاء تعريف اليونسكو بأنه عبارات تؤيد التحريض على الضرر خاصة التمييز أو العدوانية أو العنف حسب الهدف الذي يتم استهدافه.

ویری رینیه دیكارت إن الكراهية هي إدراك أن هناك شيء سيئ في مجتمع مع الرغبة في الانسحاب عنه وذهب أرسطو الكراهية على أنها الرغبة في إبادة الكائن المكروه. وقال آخرون أن الحقد والكره هو فكرة سيئة مصاحبة لسبب خارجي وغالبا ما يؤدي إلى تدمير الكاره والمكروه معا.

 غير أن بعض علماء الاجتماع يرون أن الكراهية هو شعور عميق وعاطفي قد تكون مؤقتة أو غير مؤقتة وغالبا ما يوجه ضد مجموعة معينة من الأشخاص أو فئة معينة مثل قبيلة أو أسرة أو غيرها. وكثيراً ما ترتبط الكراهية بالعديد من المشاعر مثل الغضب والعنف والتصرف بطريقة عدائية، وغالباً ما يدفع المكروه إلى التشبع بالتطرف والغلو. وتتفق جميع التعريفات على أن خطاب الكراهية مشاعر قوية وغير عقلانية من الازدراء والعداوة أو البغض، ولغة انفعالية من السب والقذف والإهانة والهجاء والتحامل لا تعتمد على الحجج والبراهين الموضوعية بل تقوم على تأجيج المشاعر والعواطف تجاه المستهدفين بالخطاب.

 هكذا ساهمت بعض وسائل الإعلام بشكل كبير، خلال السنوات الأخيرة في زرع خطاب الكراهية والعنف، مثلما طغت الأحكام المسبقة على المضامين الإعلامية فكل شيء في الحياة له إيجابيات وسلبيات، ولكي نستفيد من قنوات التواصل المختلفة علينا تحصيل الإيجابيات مثل: خلق التقارب النفسي الروحي، والتعاون في تيسير شؤون الحياة، وخدمه الأهداف المشتركة، والتواصل من أجل تبادل الآراء والأفكار، ومعرفة ثقافات الشعوب وتقريب المسافات بين المفاهيم وممارسة الأنشطة التي تساعد على التواصل مع الآخرين، وابتكار مشاريع إبداعية تساعد في تحقيق نمو المجتمع.

 هذا بالإضافة إلى تلافي السلبيات والتي تتمثل في عدم شعور المستخدمين بالمسؤولية الاجتماعية، وعدم توفر الرقابة الكافية، وكثرة الإشاعات والمبالغة في نقل الأحداث والأخبار وفقدان الاحترام أثناء تبادل المناقشات، وعدم تقبل الرأي الآخر، ونقل الأفكار الكاذبة والسالبة. 

لذا يرى الباحث أن لفظة الكراهية من الاستخدامات السيئة التي قد ساهمت في تدمير المجتمع السوداني إذ أصبحت ثقافة في قلوب الكارهين بين جميع الأطياف في غياب الرؤية الموضوعية لحل الخلافات التي تنجم نتيجة لارتكاب بعض المخالفات الاجتماعية والتمسك بثقافة الأفضلية.

وكثيراً ما يعتقد البعض أن خطاب الكراهية هو شكلا من أشكال حرية التعبير عن الرأي العام لكنه يتخذ منحى آخر يهدف لمهاجمة شخص ما أو مجموعة ما عبر التحريض على العنف أو التحيز على أساس سمات معينة، كالعرق، والانتماء الديني، والجنس والإعاقة، والميول الجنسي، وما إلى ذلك. كما يعتبره البعض جزءاً من حرية الرأي في القبول أو الرفض، بل أنهم يختلفون بين تشريعه وحظره، وذلك اعتمادا على المزاج الشخصي أو  الجماعي. وانطلاقا من هذا الزعم يمكن صياغة أنماط خطاب الكراهية بناءً على الاعتبارات التالية:

  • الدعوة إلى العدوانية: مثل شخصنة الأمور، وقابلية التحريض على العدائية والانتقام الفوري. 

  • الدعوة إلى التحريض والعنف: مثل توجيه كلام من شأنه أن يؤدي لتأجيج المشاعر، وتنفيذ هجوم في المستقبل القريب أو البعيد كالإبادة الجماعية، والتعذيب الجسدي، والتنمر وغيرها من أشكال الكراهية. 

  • إطلاق الاتهامات دون سند أو تبرير: مثل توجيه تصريحات بهدف التهديد والوعيد المراد تنفيذه مستقبلا أو السب والاستهجان والتحقير، أو الوصم والإنقاص من قيمة الآخر. 

  • التشهير والقذف: قد يحدث كلاهما بأي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي خاصة الفيس والتوتير وبعض التطبيقات الأخرى.

وقد أدى كل ذلك إلى ظهور قيم ثقافية جديدة غير مألوفة في المجتمع السوداني، فالرفض في متابعة العمل الفوري والمباشر بهدف منع المزيد من أعمال الإرهاب الداخلي وفي مواجهة الحوادث المتكرّرة، أدى إلى تفاقم تورّط بعض السياسيين والزعماء في أعمال العنف عليه، يمكننا التمييز بين حرية التعبير عن الرأي وخطاب الكراهية من خلال عدة نقاط أبرزها:

  • الغرض من الكراهية مقابل حرية التعبير:  تسمح حرية التعبير للناس بمناقشة معتقداتهم وأفكارهم بصراحة، مع بعض القيود، بينما يحرض خطاب الكراهية على إيذاء الآخرين أو ممارسة أعمال العنف ضدهم، دون احترام القيود والقوانين والنظم.

  • التشجيع على خوض النقاشات: تشجع حرية التعبير على الحوار من خلال عرض القضية بشكل موضوعي للوصول إلى كفايات منطقية في ضوء الالتزام بالقيم الأخلاقية والمهنية، في حين يشجع خطاب الكراهية على العنف من خلال توجيه الإساءة عمداً للآخرين، ودعم الأعمال التمييزية العنصرية أو الطائفية.

  • التأثير على المجتمع: حرية التعبير يساعد في تنمية المجتمع. أما خطاب الكراهية يخلق انقسامات ومعارضات وحركات غير ضرورية داخل المجتمع بسبب المحتوى العدواني، الذي قد يؤدي للمزيد من تدهور المجتمع. 

  • التأثير على الذات: إن التصريح علنا بالعنصرية أو كراهية الأخرين تحت خطاب الكراهية، قد يؤذي جميع مكونات المجتمع. بينما الذين ينخرطون في حرية التعبير لا يُعاقبون اجتماعياً بشكل عام، لأنهم يحرصون على عدم تجاوز الحدود.

 

المبحث الخامس

آثار خطاب الكراهية على المجتمع السوداني.

إن ما يجري اليوم في مجتمعنا السوداني يثير الكثير من القلق، حيث نجد البعض لا يولون الاهتمام بالالتزامات الدينية التي تدعو إلى التعارف والتألف، بل يعتقدون بأن لهم الحرية المطلقة في ممارسة متطلبات حياتهم المختلفة بطرق مزاجية.

 فإذا أردنا الخروج من مأزق هذه القنوات يجب أن يستحضر كلنا نيته، حتى لا نضيع الوقت أو التحدث بلغة الأفضلية؛ فالذين يثيرون خطاب الكراهية نسوا أن المؤمنين أولياء بعض، لقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ [سورة الحشر: 2].. ومع أن لكل فرد الحق في أن يستخدم قنوات التواصل الاجتماعي حسب ما يهويه نفسه، خاصة عندما يتفاعل مع الأحداث لكن ما نلاحظه اليوم الأمر يدعو إلى الدهشة والغرابة خاصة في ظل الاحتجاجات الأخيرة التي عمت الدولة السودانية. فالشخص الذي يعيش الأحداث يستطيع أن يصورها أو يكتب عنها، بل في مقدوره. أن يكيف نفسه بها، وهذا ما يسمى بالتواصل الاجتماعي. وفي حقيقة الأمر، فإن إرسال الصور والتعليقات التي تدعو إلى الكراهية تمثل الخطر المحتوم، لذلك فإن غياب الضابط القانوني والتشريعي تجاه الممارسات الفردية والجماعية ساهمت في ظهور الآثار سالبة التي نحن بصدد ذكرها، الأمر الذي أدى إلى تصدع العلاقات بين مكونات المجتمع السوداني الذي اتسم طوال تاريخه بالسلم الاجتماعي، ومن أهم تلك الآثار ما يلي:

  1. تفشي ثقافة الافتراء والتمييز بين مكونات المجتمع السوداني. 

  2. إتقان ثقافة الحقد والحسد بين الأثنيات القبلية في السودان.

  3. انتشار الأمراض الاجتماعية كالعنف والتنمر والإشاعات المغرضة، التي فتكت بالمجتمع وهددت تماسكه.

  4. فقدان الأمن والأمان في المجتمع كما ساعدت في نشر ثقافة أخذ الثأر مما دفع بعض الأفراد إلى الإحساس بأنهم ليس لهم حق المواطنة، وبدأ البعض يتحين الفرصة لأذية الآخرين طمعاً لإكساب الأرض أو المال. أما الآخرون عاشوا في حالة قلق دائم لا ينتهي. 

  5. فقدان رابطة الألفة والتعاون والتعايش في المجتمع الواحد. 

  6. فقدان الثقة بين أفراد المجتمع، فلا تكاد تجد أحدا يثق في الآخر.

  7. غياب العدالة في أخذ الحقوق.

المبحث السادس

كيفية مواجهة خطر خطاب الكراهية

تقع على وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولية كبيرة في توجيه أو إخماد نيران خطاب الكراهية من خلال ترسيخ وتعزيز قيم التسامح والتلاحم ونشر ثقافة المحبة والسلام بين مكونات المجتمع المختلفة، ومن باب الضرورة أن تكون الرسائل المرسلة للمتلقين ملتزمة بميثاق الشرف الأخلاقي والمهني في نبذ الخطابات التي تبعث البغضاء والإقصاء والكراهية، والتحريض للفتن، وحظر نشر الأخبار الدعائية التي القصد منها تأجيج النيران العداوة، هذا بالإضافة إلى مراقبة المواد الإعلامية التي من شأنها تساعد على نماء الفكر الإقصائي، ودحر ثقافة الإخوة الإنسانية، وضرورة العمل على ترشيد الخطاب الإعلامي نحو إرساء دعائم الأمن والسلم الاجتماعيين كل ذلك لن يتم دونما محاولة جادة لإيجاد إستراتيجية شاملة وموحدة وفاعلة للتصدي للأفكار التي تدعو إلى تغذية نعرات العنصرية من خلال المنابر الإعلامية. كذلك توفير مساحات للحوار والنقاشات بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وتقديم أفضل سبل الوقار والاحترام والاعتراف بالآخر أيضا دعم قطاع الإعلام بالبرامج التي تتسم بالموضوعية والمنطقية، ويخاطب وجدان التنوع والتعددية، ليمثل جميع أطياف المجتمع السوداني، لا سيما المجتمعات المهمشة الذين عادة ما يتعرضون إلى خطابات إقصائية ظالمة. لذلك لابد من إيجاد الدور الوقائي لحماية المجتمع السوداني من خلال القانون الذي يكافح التمييز والكراهية وتطبيقه بما يضمن التعايش السلمي واحترام الآخر، ويمنع العنصرية بأشكالها المختلفة ومظاهرها المتنوعة. لذا فإن التنوع في المجتمع هو أمر محمود وطبيعي، وأن بناء مجتمعات متناغمة تعيش بسلام هو ليس مجرد طموحات أو رغبات الشعوب بل هو حق من حقوق المواطنة والعيش الكريم. 

ومن أهم مداخل مواجهة خطاب الكراهية ما يلي:

  • المدخل السياسي: تعتبر الممارسة السياسية من أخطر الأبواب التي تظهر فيها العداء السافر بين فرقاء الأمس واليوم، وهذا يتطلب فيها ضوابط فاعلة للحد من خطورة خطاب الكراهية، ومن أهمها ما يلي:

  1. تعزيز الآليات الوطنية لمحاربة خطاب الكراهية بالتنسيق مع مختلف المؤسسات الإعلامية، وتقديم تقارير دورية عن التي البرامج التقدم.

  2. ضبط الخطاب الإعلامي من خلال المحتوى والمضمون.

  3. إزالة المحتوى المتعلق بخطاب الكراهية والتحريض وفقا للتشريعات الوطنية والدولية مع مراعاة الشفافية.

  4. على الحكومات والوزارات الإعلامية أن تكون يقظة في تلقى إشارات الإنذار المتعلقة بالكراهية والعنف.

  5. منح مختلف مكونات المجتمع حقها في ممارسة شعائرها الدينية بحرية ومن حقها أن تستخدم لغتها الخاصة في المنابر الإعلامية المختلفة مع المحافظة على قومية الدولة السودانية.

  6. على جميع أطياف المجتمع أن يكون لهم صوت مسموع في الحياة السياسية، وحق في صنع القرارات (الدستور).

  7. على السياسيين الكف عن استخدام العرق والدين والانتماءات الطائفية من خلال إرسال الرسائل التي تدعو للكراهية، ونبذ الآخرين في التعيينات والانتخابات.

  • المدخل القانوني: ويقصد به تعزيز الآليات القضائية والتشريعية في القضايا التي تدعو إلى التحريض وكراهية الآخرين، وتشجيع الضحايا من الجماعات المحرومة أو المستضعفة في تقديم مظلمتهم، لذا يجب وضع ضوابط قانونية في الدولة للالتزام بالمهنية، وتجريم بث خطاب الكراهية، وسن التشريعات في جميع المؤسسات لزيادة الوعي بخطورة خطاب الكراهية على المجتمعات، وتفعيل أخلاقيات المهنة في المنظمات والمؤسسات لنبذ خطاب الكراهية، كذلك توجيه أهمية احترام الثقافات والعادات والتقاليد والمعتقدات المختلفة، هذا بالإضافة إلى التخلص من كل ما يعزز فكرة الكراهية.

  • المدخل التعليمي: ويتضمن تفعيل دور التعليم في معالجة وبناء القدرات على مواجهة خطاب الكراهية من خلال الآتي:

  1. التنشئة على القيم المدنية وإدماجها في المناهج التعليمية.

  2. تصميم برامج يتوافق مع مفهوم الوحدة الوطنية.

  3. رفع الوعي بأهمية السلم الاجتماعين ونشر ثقافة التعايش السلمي، وقبول الآخر.

  • المدخل الاجتماعي: تعتبر نشر قيم المواطنة والمساواة ودعم الحوار والتعايش السلمى والتنوع وقبول الاختلاف بين الجماعات المتنوعة ضرورة واقعية للحفاظ على تماسك المجتمع، كذلك التخطيط لسياسات اجتماعية واقتصادية تهدف لخلق مجتمعات محافظة، وبيئة غير منتجة لخطاب الكراهية تعالج الأسباب الجذرية والعوامل المحركة لزرع بذور الفتنة، وذلك من خلال مراعاة العدالة الاجتماعية والاقتصادية، والمحافظة على الأمن المجتمعي والأسري، والحد من الفقر، وتوفير فرص التوظيف، وجودة الخدمات الصحية والتعليمية، مع المحافظة على البيئة الاجتماعية والقضاء على الهيمنة والدعوة إلى الهجرة والاغتراب... إلخ. كذلك  التأكيد أن حرية التعبير من الحقوق الأساسية للإنسان ولكن ليست مطلقة، كما تعتبر عنصراً أساسياً لبناء مجتمعات مستقرة وآمنة وديمقراطية.

 

الخاتمة

أكدت الدراسة أن الإسلام كدين سماوي تقوم مبادئه على أسس ثابتة وواضحة تدعو إلى التعايش السلمي والتآلف لخدمة الأهداف الإنسانية، والتي من أهمها نشر ثقافة السلم الاجتماعي، ودعا إلى ردع العدوان والظلم والاضطهاد بين الأفراد والجماعات. ورغم الصراعات والنزاعات والحروب التي شغلت الشخصية السودانية طوال تاريخها الطويل إلا أن السمة الغالبة من هذه الصراعات ليست لها علاقة بالصراع الديني بقدر ما هي صراعات حول السلطة.

أيضا خلصت الدراسة إلى تأكيد أن الكراهية تمثل إحدى المشاعر الإنسانية التي قد تظهر أثارها نتيجة المرور ببعض التجارب التي تخالف ضوابط الأمن والأمان في المجتمع، كفقدان الثقة بين الأفراد أو الجماعات، أو التعدي على حقوق الآخرين، أو غيرها من الأسباب بصرف النظر عن الأسباب الموضوعية والمنطقية التي تدعو إلى الكراهية.

 الأمر الذي أدى إلى حدوث فقدان الطمأنينة والاستقرار والشعور بـ العدائية، وأحيانا الإصابة بالاكتئاب والقلق النفسي في كيفية مواجهة التحديات.

أهم التوصيات:

1. ضرورة استثمار علاقات التعايش السلمي في بناء الوحدة الوطنية.

2. إعادة تقييم علاقات التعايش بين المسلمين وغير المسلمين لخير البشرية.

3. ضرورة صياغة المنهج لبناء قاعدة التعايش بين مكونات الشعب السوداني وفق منهجية علمية متكاملة.

4. توجيه الخطاب الديني والإعلامي نحو بناء القواسم المشتركة بين الأديان في السودان.

5. إبراز مفهوم التعايش السلمي وقابليته المتجددة لرسم آفاق أفضل من خلال نبذ خطاب الكراهية والتطرف والأنانية.

6. الاستفادة من مظاهر التعددية والتنوع في بناء جسور التعاون المشترك بين القوميات المختلفة.


 

المصادر والمراجع

  • الإسلام والتعاون بين الأديان في أفق القرن الحادي والعشرين، عبد العزيز عثمان،ط1، مكتبة وهبة، القاهرة.

  • الإسلام، محمد أبو زهرة، ط1، دار الملايين للنشر، القاهرة،1987.

  • تاريخ الحضارات في القرن التاسع عشر، روبر شنیدب،ط3، ترجمة يوسف أسعد وفريدم، بيروت.

  • التبشير في العاصمة المثلثة، حسن مكي، ط1، بدون تاريخ.

  • جمهرة اللغة، ابن درید بدون تاریخ، دار الأمل، القاهرة، ط1. 

  • حول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية، محمد قطب، دار الشروق،ط1، 1998.

  • الخطايا في نظر الإسلام، عفيف عبد الفتاح طبارة،ط1، دار الفكر، بيروت، 1976م

  • دراسات في المجتمع السوداني، كمال الدسوقي، ط1، دار الفكر العربي، بيروت،1973.

  • صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني (1968م)، حديث شريف رقم 1434، ج2 القاهرة، ط3..

  • العلاقات الإسلامية والمسيحية، طارق متري،ط1، دار الأندلس، الكويت، 2005

  • قضايا إسلامية، محمد الغزالي،ط2، دار الصحوة للنشر، القاهرة، 1997.

  • لسان العرب، ابن منظور، ط2 ج12، دار العلم، القاهرة، ط2ج12، 1985.

  • مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر الرازي/ تحقيق محمود خاطر،ط1، مكتبة لبنان للنشر، بيروت، 1995.

  • مختصر تفسير بن كثير، إسماعيل بن كثير (بدون تاریخ) تحقيق محمد على الصابوني، دار القلم، بيروت، ط5.

  • المسيحية في السودان، فکتور سحاب،ط1، الخرطوم.

  • المصباح المنير، المقري، ط1، المكتبة العصرية، القاهرة.

  • ملامح عن المجتمع السوداني، حسن نجيلة، ط1، الدار السودانية للكتب، الخرطوم، 1950. 

  • "Coexistence", beyond intractability, Retrieved 4/6/2021. Edited.

  • Bronx Partners for Healthy Communities, Cultural Sensitivity: Respect for People Strength, Cultur and Knowledge, Page 4.  Edited.

  • World service, Friday July 24 /1998, world relive is international assistance arm of the national association of Evangelicals




فهرس المحتويات

التعايش السلمي بين الأديان في السودان ونبذ خطاب الكراهية " دراسة مقارنة"


الموضوع

رقم الصفحة

مستخلص

105

Abstract

106

مقدمة

107

المبحث الأول: مفهوم التعايش لغة واصطلاحا

109

المبحث الثاني: مفهوم السلم لغة واصطلاحا

112

دور الحكومات الوطنية في صناعة التعايش السلمي:

115

المبحث الثالث: مظاهر التعايش السلمي في السودان

118

المبحث الرابع: مفهوم الكراهية لغة واصطلاحا

123

المبحث الخامس: آثار خطاب الكراهية على المجتمع السوداني.

126

المبحث السادس: كيفية مواجهة خطر خطاب الكراهية

127

الخاتمة

129

المصادر والمراجع

130

فهرس المحتويات

131










الخاتمة والتوصيات

 

الخاتمة والتوصيات

"إن الكراهية خطر محدق بالجميع، ولذلك لابد أن تكون محاربتها فرضًا على الجميع.."

  • الأمين العام للأمم المتحدة: أنطونيو غوتيريش.

لأن خطاب الكراهية آخذ في الازدياد، ولأنه لا يؤثر على الأفراد والجماعات المستهدفة فحسب بل يؤثر على المجتمعات ككل، وجدَ هذا المؤتمر.

وفي إطار سعينا وإيماننا بضرورة مواجهة الكراهية وتعزيز حقوق الإنسان مثل احترام كرامته والمساواة والسلام، وتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، وصولاً إلى مجتمعات خالية من العنف والتمييز والصراع والتوتر.

فإننا نوصي بعددٍ من التوصيات تساهم في الحد من خطاب الكراهية ومواجهته، وهي:

  • الاستفادة من لقاءات وخبرات سابقة في هذا المجال (مكافحة خطاب الكراهية).

  • التركيز على التوصيات العملية والمباشرة حول مكافحة خطاب الكراهية.

  • فهم العوامل التي تدفع الأفراد إلى تبني خطاب الكراهية للتعبير عن أنفسهم.

  • الاهتمام بالمسؤولية الجماعية المشتركة لمواجهة خطاب الكراهية والحد منه، وعدم الاقتصار على المسؤولية الفردية.

  • إيجاد استراتيجية مشتركة تجمع ما بين القطاع الخاص والقطاع العام والمجتمع المدني في الدولة، تضع خارطة طريق يشارك فيها المعلمين والقادة الدينيين ومؤسسات الإعلام ومن تعرضوا لخطاب الكراهية.

  • استنباط استراتيجيات وأمثلة من نهج القرآن الكريم والسنة النبوية، تساهم في نشر الوعي حول القيم الإسلامية وتصحح المفاهيم المغلوطة حول الدين الإسلامي وتبين مدى سماحة هذا الدين وتشجع على الحوار بين الأديان.

  • تدعيم المناهج التعليمية والدراسية بموضوعات وشخصيات تاريخية تدعو إلى محاربة خطاب الكراهية وتدعو إلى حرية التعبير وعدم التمييز وتقبل الآخر. 

  • تشجيع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية على حوار الأديان والثقافات من خلال عمليات التبادل الاكاديمي، والبرامج التلفزيونية وغيرها.

  • تبادل الخبرات الإقليمية العربية في محاربة الكراهية من خلال توثيق ونشر تجارب شخصية ومبادرات مجتمعية إيجابية وناجحة.

  • تكريس جهود ومصادر بحثية حول فهم وأشكال مكافحة ظاهرة خطاب الكراهية ضد المسلمين في أوروبا وارتباطها بالمهاجرين واللاجئين المسلمين، ورصد النماذج الناجحة ونشرها.

  • إنشاء برامج توعوية وإرشادية تساعد الشباب المسلم في مكافحة خطاب الكراهية وتمكنه من إظهار هويته الدينية دون التعرض للتمييز والعنف.

  • ترسيخ مفهوم الدبلوماسية الدينية ورفع الوعي حولها لدى المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، لتلعب دورًا محوريًا أكثر يُساهم في تعميق الفهم للقيم المشتركة بين الأديان والتي تساعد في مكافحة خطاب الكراهية.

  • إصلاح الخطاب الديني في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية ليصبح قائمًا على الشراكة وليس على الإقصاء والتفرد.

  • حث الجهات الرسمية وغير الرسمية على رصد موازنات خاصة في الدول لإنشاء برامج لإدماج جميع شرائح المجتمع والتعريف بهم كجزء لا يتجزأ من الدولة، متساويين في الحقوق والواجبات.

  • الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي واعتماد لوائح لمنع خطاب الكراهية والتحريض على العنف وحماية ممارسة الحريات والتعبير.

  • إطلاق حملات بشكل مستمر على أرض الواقع أو عبر منصات التواصل الاجتماعي تساهم في الحد من خطاب الكراهية ضد النساء أو ذوي الإعاقة أو غيرهم من الفئات في المجتمع.

ختامًا، إن كل هذه التوصيات يمكن تطبيقها عن طريق استغلال وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام وتحسين المناهج التعليمية وقيام كل فردٍ بدوره، فهذا واجبٌ أخلاقي لا يقتصر على السياسي أو القائد الديني أو الإعلامي، وإنما ينطلق من لبنة المجتمع وهي الأسرة، وصولاً إلى رأس الدولة.