جامعة أكاديميون العالمية AIU :: الله منور السموات والأرض والمؤمنون المهتدون بنوره ( سورة النور من الآية 35 إلى الآية 38 ) دراسة تفسيرية تحليلية دلالية
تقاطعنا مع

الله منور السموات والأرض والمؤمنون المهتدون بنوره ( سورة النور من الآية 35 إلى الآية 38 ) دراسة تفسيرية تحليلية دلالية


تفاصيل البحث

 


الله منور السموات والأرض، المؤمنون المهتدون بنوره

(سورة النور: من الآية 35 إلى الآية 38)

دراسة  تفسيرية تحليلية/ دلالية

 

أ.د. هناء عبدالله أبوداود              أ . خلود عبدالله المالكي

 

 

الملخص

تهدف هذه الدراسة إلى الوصول للهدايات وتدبرات الآيات وربطها بالمقاصد الشرعية والواقع العملي من خلال التحليل النصي للآيات القرآنية، وقد اتبعت المنهج التحليلي الاستنباطي، وذلك بتفسير الآيات الكريمة، ثم تحليلها من كافة الجوانب المعجمية ، والنحوية ، والصرفية ، والبلاغية ، والصوتية ، والنفسية ، والإيحائية . وقسمت الدراسة إلى تمهيد وسبعة مباحث ، ثم ختمت  الدراسة بخاتمة ذكرت فيها أبرز النتائج ، ومن أهمها: 

  1. الدمج بين الدراسة التفسيرية التحليلية والدلالية يثور المعاني والتدبرات ، ويجعل المعنى المراد مؤكدًا وأقوى .

  2. من هدايات الدلالة المعجمية: اتساع المعنى في  لفظ (بُيُوتٍ ) لا يقصرها على المساجد فقط ؛ بل يشمل جميع البيوت المشعة والمشرقة بنور الإيمان والعلم ، وفي هذا إشارة لعدم اختصاص الرجال في المساجد بهذه الفضيلة فقط وحرمان النساء منها.

  3. من هدايات الدلالة النحوية : العطف في قوله تعالى : ﴿تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾  يفيد رفع المساجد وتعظيمها ، وهو يشمل الرفع الحسي بصيانتها والاهتمام بنظافتها ، والرفع المعنوي بالحرص على الصلاة جماعة ، وفي هذا مسؤولية مجتمعية وتكليف رباني بالعناية ببيوت الله . 

  4. من هدايات الدلالة النفسية : المقابلة الدائمة بين السموات والأرض تلقي على النفس مهابة السماء ورحابتها ، وتجذب النفس للأعلى ،  ثم تأتي الأرض في مقابلها ليعود الإنسان إلى مادة خلقه وسكنه ، وكدحه وعمله، فتخلق نوعًا من التوازن النفسي بين الحياة الدنيا والآخرة .

الكلمات المفتاحية: التحليل  النصي، علم الدلالة ، الدلالة النفسية، الدلالة اللغوية، التفسير، التدبر.






Abstract

This study aims to reflect on the Quranic verses and link them to the objectives of Sharia, and the practical reality through textual analysis of the Quranic verses. 

I followed the analytical, deductive approach, by interpreting the noble verses and then analyzing them from all lexical, grammatical, morphological, rhetorical, phonological, psychological, and suggestive aspects. The study was divided into an introduction and seven topics, then the study concluded with a conclusion in which the most prominent results were mentioned, the most important of which are: 

1-The combination of the interpretive, analytical, and semantic study revolutionizes the meanings and reflections and makes the meaning stronger. 

 2- One of the results of the lexical significance: the broad meaning of the word “houses” does not limit it to mosques only, but rather includes all houses that are radiant and shining with the light of faith and knowledge, and this is an indication that men are not specialized in mosques with this virtue only and women are deprived of it.

3- One of the results of the grammatical significance: the conjunction in the Almighty’s saying (raised and his name mentioned in it) indicates the elevation and veneration of mosques, and it includes the sensory elevation of its maintenance and attention to its cleanliness, and the moral elevation by being keen on praying in congregation, and in this is a societal responsibility and a divine command to take care of the houses of God. 

 4- One of the results of the psychological indication: the permanent confrontation between the heavens and the earth casts upon the soul the awe and spaciousness of the sky and attracts the soul to the highest, then the earth comes in return for it, so that man returns to the material of his creation, his residence, his toil, and his work, and it creates a kind of psychological balance between this life and the hereafter. 

Keywords: textual analysis, Semantics, psychological connotation, Linguistic semantics, Interpretation, and contemplation.


المقدمة

الحمد لله نور السموات والأرض، حمداً يليق به ويرضيه، والشكر له شكراً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على السراج المنير، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وسلم.

إن من أشرف ما ألف العلماء على مر الأزمان وتعاقب العصور هو التفسير، والتصدي لفهم كلام الله عز وجل ومحاولة بيانه بكل أنواع البيان، من جمعٍ لروايات تفسيره، وبيان مفرداته وغريبه، وتوجيه قراءاته، ومناسباته، وتحليل مقاصده وأغراضه، وغيرها من العلوم المتصلة بكتاب الله عز وجل، والتي لم يترك العلماء فيها باباً إلا طرقوه، كلٌ تدفعه همته؛ لنيل شرف فهم مراد الله سبحانه وتعالى من كلامه .

فكان هذا العمل تشريف، وتكليف .. تكليفٌ ناءت بحمله السموات والأرض؛ فالكلام في آيات الله ليس كالكلام في غيره، قال تعالى: ﴿‌قُل ‌إِنَّمَا ‌حَرَّمَ ‌رَبِّيَ ٱلفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثمَ وَٱلبَغيَ بِغَيرِ ٱلحَقِّ وَأَن تُشركُواْ بِٱللَّهِ مَا لَم يُنَزِّل بِهِۦ سُلطَٰنا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعلَمُونَ﴾ [سورة الأعراف: 33] .

     ثم هو تشريف؛ لاتصاله بأشرف الكلام وأقدسه ، تتابع العلماء قرناً بعد قرن على العكوف عليه كلٌ يضع لبنة  في بناء فهمه وتدبره بما فتحه الله عليه، فمنهم من فُتح عليه في معاني القرآن وغريبه، ومنهم من فتح عليه في أحكامه ومسائله ، ومنهم من غاص في بلاغته ووجوه بيانه، ومنهم من حلَّل موضوعاته وسياقاته وصوتياته،  وغيرها من أسرار التفسير والبيان، حتى تكونت مكتبة ضخمة منوعة في بيان القرآن الكريم، فكانت كاللؤلؤ المنثور الذي يتطلب جمعًا ونظمًا وتوثيقًا؛ للخروج بدراسة تحليلية دقيقة للنص القرآني، لجمع شتات دلالات الألفاظ القرآنية في مكان واحد والوصول لتدبُّر وحسن فهم القرآن الكريم  وقد وقع الاختيار في هذا البحث على آيات فريدة ذات نسيج متفرد، وهي آية النور والثلاث الآيات التي تليها، هي قلب هذه السورة ومحورها، بعنوان : الله منور السموات والأرض والمؤمنون المهتدون بنوره (سورة النور: من الآية 35 إلى الآية 38) - دراسة  تفسيرية تحليلية/ دلالية .

مشكلة البحث:

في هذا الزمان حيث تحولت المجتمعات من مجتمعات بسيطة وهادئة، إلى مجتمعات معقدة ومتسارعة، وراضخة تحت وطأة المادية، كان لا بد أن يتحرر الإنسان منها بالعودة إلى نور الله وكتابه، والنظر في دلالات آياته بعين المتدبر لا بعين اللغوي فقط، لتعميق أثرها في الحس الإنساني، والواقع المجتمعي.

 

 أهداف البحث :

  1. خدمة كتاب الله سبحانه وتعالى .

  2.  الربط بين الدراسات التفسيرية التحليلية وتحليل النص القرآني من دلالات معجمية، وصرفية، ونحوية وبلاغية، ونفسية، وإيحائية.

  3. بيان تميز المفردات القرآنية التي انفردت بها هذه الآيات ودلالاتها المختلفة .

  4.  إبراز التماسك السياقي والتناغم الصوتي في الآيات .

  5. الوصول للهدايات التدبرات من الآيات وربطها بالمقاصد الشرعية والواقع العملي . 

 أهمية البحث وأسباب اختياره :

  1.  إثراء المكتبة القرآنية بالدراسات التفسيرية التحليلية الدلالية للنص القرآني .

  2.  الجمع بين الأصالة والمعاصرة من خلال الجمع بين جهود علماء القرآن والتفسير ونظريات تحليل النصوص الحديثة.

  3.  استقصاء كل الدلالات المتعلقة بالآية مما كتب قديمًا وحديثًا يجعل الوصول للمعنى المراد والكشف عن هدايات الآيات أقوى ومؤكد . 

  4.  ثراء آية النور والآيات التي تليها بدلالات متنوعة ما بين لغوية وبلاغية وصوتية ورمزية وغيرها . 

 آيات البحث: 

    قوله تعالى : ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ، فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ، رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ،﴾ [النور: 35-38].

 

خطة البحث:

  • التمهيد : ويتضمن : التعريف بالسورة ، والمعنى الإجمالي لآيات الدراسة .

  •  المبحث الأول الدلالة المعجمية ، وفيه ثلاثة مطالب :

  • المطلب الأول: المشترك .

  •  المطلب الثاني: المتواطئ .

  • المطلب الثالث: الهدايات القرآنية المستنبطة من الدلالة المعجمية.

  • المبحث الثاني : الدلالة النحوية ، وفيه ثلاثة مطالب :

  • المطلب الأول: دلالة الجمل الأسمية ودلالة الجمل الفعلية .

  •  المطلب الثاني : الإضافة . 

  • المطلب الثالث: الهدايات القرآنية المستنبطة من الدلالة النحوية .

  • المبحث الثالث : الدلالة الصرفية ، وفيه أربعة مطالب :

  •  المطلب الأول :  دلالة صيغة الفعل المضارع .

  • المطلب الثاني:  دلالة الإفراد والجمع .

  • المطلب الثالث: دلالة التعريف والتنكير .

  • المطلب الرابع: الهدايات القرآنية المستنبطة من الدلالة الصرفية .

  • المبحث الرابع: الدلالة البلاغية  ، وفيه أربعة مطالب :

  •  المطلب الأول :  علوم البيان.

  • المطلب الثاني:  علوم البديع .

  • المطلب الثالث :  علوم المعاني .

  • المطلب الرابع : الهدايات القرآنية المستنبطة من الدلالة البلاغية .

  • المبحث الخامس : الدلالة الصوتية ، وفيه ثلاثة مطالب :

  • المطلب الأول: إيقاع الأحرف .

  •  المطلب الثاني :  إيقاع الكلمات .

  • المطلب الثالث : الهدايات القرآنية المستنبطة من الدلالة الصوتية . 

  • المبحث السادس : الدلالة النفسية والإيحائية ، وفيه ثلاثة مطالب :

  •  المطلب الأول : أثر الدلالة اللغوية النفسي.

  • المطلب الثاني : الصورة الفنية والأبعاد الجمالية .

  •  المطلب الثالث : الدلالات الإيحائية .

  • المبحث السابع: الدلالة المقاصدية، وفيه مطلبان :

  • المطلب الأول : المقاصد الشرعية .

  • المطلب الثاني : المقاصد القرآنية .

  • الخاتمة : وفيها أهم النتائج والتوصيات .

منهج البحث :

المنهج التحليلي والاستنباطي: لتحليل آيات الدراسة، وبيان دلالاتها، وذلك من خلال تفسير آيات الدراسة، وبيان معانيها، وإظهار علومها، واستنباط ما فيها من معانٍ ودلالات معجمية، ونحوية، وصرفية، وصوتية، وبلاغية، وما تعود من معانٍ ودلالات إيحائية، ونفسية، ودراسة مقاصدية.

  • وسيكون منهج تحليل النص القرآني كالآتي:

  • دراسة عامة للسورة من حيث مضمونها ، ومقاصدها ، ومناسباتها ، لمعرفة السياق الذي وردت فيه آيات الدراسة.

  • تفسير الآيات في ضوء التفسير بالمأثور من تفسير القرآن بالقرآن ، والتفسير بالسنة النبوية ، وأقوال السلف -رحمهم الله- - إن   وجدت - .

  • دراسة ألفاظ آيات الدراسة معجميًا ، وبيان دلالاتها .

  • بيان الوزن الصرفي للكلمات التي تؤلف الآية وما فيها من زيادة ، وما يؤديه من دلالات -إن وجدت-.

  • تحليل آيات الدراسة تحليلًا نحويًا ببيان ما فيها من الهدايات المستنبطة .

  • الكشف عن الظواهر الصوتية والبلاغي في الآيات وبيان أثرها على المعاني .

  • إيضاح الدلالات النفسية ، والإيحائية ، والدراسة المقاصدية .

 

التمهيد

تنتظم هذه الآيات في سورة النور المدنية، والتي تهتم بالآداب الاجتماعية التي تصون حرمة المسلم والمجتمع فلم سميت سورة النور، وما مضامين السورة ؟

اسمها ، ونزولها ،  وعدد آياتها :

تسمى هذه السورة : سورة النُّور، وهو اسمها إجماعاً،  ولا يُعرف لذلك مخالف. وهي مدنية كلها، آياتها 74 آية، وسميت النوُّر لأسباب منها :

  1. لأن فيها آية النور : ﴿‌ٱللَّهُ ‌نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِۚ﴾  وتكرَّر ذكر (النُّور ) في هذه الآيات (8)  مرات.

  2.  ما تضمنته السورة من شرائع وحدود وآداب، هي كالنور للمجتمعات المسلمة، وبهذه الحدود والشرائع تبقى طاهرة، ومتماسكة، وتنتظم العلاقة بين أفراد المجتمع .

 مضامين سورة النور : 

تضمنت هذه السورة عدة موضوعات، يمكن تقسيمها إلى فئات، كالآتي : 

  1.  إعلان حاسم لمحاربة كل مظاهر الفساد الأخلاقي في المجتمع المسلم، وذلك بتشريع حد الزنا، واللعان، والقذف، ثم نقلت الآيات جانب من معاناة أم المؤمنين الطاهرة عائشة رضي الله عنها في حادثة الأفك؛ لأغراض كثيرة منها : أن الفاسد أخلاقياً لا تضبطه قيود ، وقد يلحق ضرره أي فرد من أفراد المجتمع المسلم ، ولا يردعه إلا الحدود الشرعية الصارمة.

  2.  انتقلت الآيات لقطع كل بواعث الفساد والانحلال الأخلاقي في المجتمع المسلم، وذلك بتشريع آداب الاستئذان، وغض البصر، والنهي عن إبداء النساء لزينتهن لغير محارمهن والحث على العفة .

  3.  نصل بعد ذلك  محور السورة وقلبها المتوهج، تنتظم حوله جميع الآيات قبلها وبعدها، حيث  تعرِض مثَلُ نور الله، وهداياته وشرائعه التي تشع على القلوب، ثم يفيض هذا النور على الدور، والبيوت، فيصبح المجتمع نور على نور، مضيءٌ باتباع شرائع الله، وتطبيق حدوده،  والسير على نهجه، وهداياته.

ثم في صورة مقابلة نقلت الآيات مثالًا للظلمات المتراكبة التي يعيش فيها الكافر ومجتمعه، فهو مجتمع كالبحر المتلاطم الأمواج المظلم،  أحاطت به الظلمات من كل مكان؛ حتى أصبح من شدة الظلمة في تيه وضلال، يتخبط  من سرابٍ إلى سرابٍ يظنه ماءَ.

  1. عادت الآيات إلى المجتمع المسلم لبيان بعض الثغرات، وكشف حال بعض الفئات، التي تشكل خطرًا عليه، وعلى طهره ونوره، فعرضت حال المنافقين في مقابلة، مع عرض حال المؤمنين، وتبشيرهم بالنصر والتمكين.

  2.  ثم تحدثت الآيات عن آداب فئات خاصة في المجتمع المسلم، فبدأت بالتأكيد على آداب التربية للأطفال، والنشأة الصالحة، فهي التي يمتد أثرها إلى بقية العمر فإذا زرع المؤمن الطهر، والحياء، وآداب الاستئذان في أطفاله سيضع لبنة صالحة مضيئة في المجتمع المسلم، وعرّجت على ذكر أحكام القواعد من النساء وذوي الاحتياجات الخاصة، كالأعمى، والأعرج، ثم تعليم المؤمنين آداب التعامل مع النبي ، ثم ختمت السورة المضيئة ببيان عظمة الله  خالق السموات والأرض ونورهما.

 محور السورة ومقاصدها :

من خلال عرض مضامين السورة نستطيع أن نستنتج  محور السورة ، وهو : 

فالتربية وقوانين تطهير المجتمع في السورة اشتدت إلى أوْجِها، ورقَّت في لمساتها الوجدانية، وفي تعميق الإحساس بنور الله، وبآياته المبثوثة في تضاعيف الكون، وثنايا الحياة. والهدف واحد في الشدة والرقة، هو: [تنقية المجتمع حتى يرقَّ ويُشرق ويتصل بنور الله  ٍ] .

وتنتظم حول هذا المحور العظيم جميع مقاصد السورة ، ومنها :

  1. تشريع الحدود الصارمة على الجرائم الأخلاقية كالزنا واللعان والقذف .

  2. تشريع الضمانات لحماية المجتمع المسلم ، وقطع بواعث الفساد الأخلاقي بالحث على : آداب الاستئذان ، غض البصر ، والحجاب ، والاستعفاف وغيرها .

  3. التأكيد على دور التربية وغرس القيم الصالحة من الطفولة 

  4.  بيان آداب التعامل مع الفئات الخاصة في المجتمع .

  5. بيان خطر المنافقين على المجتمع المسلم ، بعرض مشهد من نفاقهم وتذبذبهم .

  •  المعنى الإجمالي لآيات الدراسة : 

قوله تعالى:  ﴿‌ٱللَّهُ ‌نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشكَوٰة فِيهَا مِصبَاحٌۖ ٱلمِصبَاحُ فِي زُجَاجَةٍۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوكَب دُرِّيّ يُوقَدُ مِن شَجَرَة مُّبَٰرَكَة زَيتُونَة لَّا شَرقِيَّة وَلَا غَربِيَّة يَكَادُ زَيتُهَا يُضِيءُ وَلَو لَم تَمسَسهُ نَار نُّورٌ عَلَىٰ نُور يَهدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَاءُۚ وَيَضرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمثٰلَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيم﴾ .

الله نور السماوات والأرض، وهادي من فيهما، وآثار نوره ظاهرة حسيا ومعنويا، " وذلك أنه تعالى بذاته نور، وحجابه - الذي لولا لطفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، نور وبه استنار العرش، والكرسي، والشمس، والقمر، والنور، وبه استنارت الجنة. وكذلك النور المعنوي يرجع إلى الله، فكتابه نور، وشرعه نور، والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور؛ فلولا نوره تعالى لتراكمت الظلمات"

مثل نُوره وهداه سبحانه في قلب المؤمن كَكُوَّة في حائط غير نافذة موضوع بها مصباح، أو حديدة معلق فيها المصباح، هذا المصباح في زجاجة متوهجة كأنها كوكب مضيء كاللؤلؤ لشدة صفائه، يوقد من زيت شجرة مباركة، هي شجرة الزيتون، الشجرة لا يسترها عن الشمس شيء؛ لا في الصباح ولا في المساء، فأصبح زيتها أجود الزيت وأنقاه، يكاد يضيء لشدة صفائه، ولو لم تمسسه نار، فكيف إذا مسّته ؟! .. فنور المصباح على نور الزجاجة، بجودة ونقاء الزيت، كمثل قلب المؤمن إذا أشرق فيه نور الهداية، والله يوفق لاتباع هديه من يشاء من عباده، ويبين الله الأشياء بأشباهها بضربه للأمثال، والله بكل شيء عليم، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء .

قوله تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيهَا ٱسمُهُۥ يُسَبِّحُ لَهُۥ فِيهَا بِٱلغُدُوِّ وَٱلأصَالِ * رِجَال لَّا تُلهِيهِم تِجَٰرَة وَلَا بَيعٌ عَن ذِكرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَاءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوما تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلقُلُوبُ وَٱلأَبصَٰرُ﴾

بعد أن ذكر الله  أطهر القلوب  عقب بذكر أطهر البيوت ، فالقلوب المضيئة بالقرآن والمعمورة بالإيمان يناسب أصحابها بيوتٌ  مضيئة بالعبادة والذكر .

يوقد هذا المصباح في المساجد وبيوت الطاعة والذكر التي أمر الله أن يعلو قدرها وبناؤها ، ويذكر فيها اسمه بالأذان والذكر والصلاة ،  فهي معمورة بذكر الله في كل وقت ، بالغداة أول النهار،  وبالآصال آخره. رجالٌ لا تشغلهم الدنيا عن طاعة الله ، أو يلهيهم شراء وبيع عن ذكر الله سبحانه والإتيان بالصلاة على أكمل وجه ، وإعطاء الزكاة لمصارفها ، يخافون يوم القيامة ، ذلك اليوم الَّذي تتقلب فيه القلوب بين الطمع في النجاة من العذاب والخوف منه ، وتتقلّب فيه الأبصار إلى أي ناحية تصير .

يقدمون أعمالهم الصالحة ؛ ليثيبهم الله أحسن ما عملوا ، ويزيدهم من فضله جزاء عليها ، والله  يرزق من يشاء بغير حساب على قدر أعمالهم ، بل ويعطيهم أضعاف ما عملوا .

لطائف واستنباطات من الآيات :

  1. "يستحب أن ينور البيت الذي يقرأ فيه القرآن بتعليق القناديل ونصب الشموع فيه، ويزاد في شهر رمضان في أنوار المساجد".

  2. شبه الزجاجة حين توهجها بالنور كالكوكب الدري ولم يشبهها بالشمس والقمر ، لأنهما يعتريهما الخسوف، ولأن الكواكب هي التي تدفع الشياطين من السماء.

 

المبحث الأول

الدلالة المعجمية

يتبين لأدنى مستقرئ لجهود المفسرين على مر العصور، وعلى اختلاف مذاهبهم، ومشاربهم عنايتهم

الفائقة بالمفردة القرآنية، ودراسة كل ما يحفها من علوم، خاصةً دلالتها المعجمية وأصل معناها بالوضع  والاستخدام، وذلك باعتبارها اللبنة الأولى لفهم المعنى المراد.

ومن هذا الاهتمام انبثقت عدة مباحث كالمشترك، والمتواطئ، والحقيقة والمجاز، كما أن القرآن الكريم 

أكسب بعض المصطلحات معاني  شرعية خاصة، فظهر لنا مبحث جديد في الدراسات المعجمية يدور حول المعنى الشرعي واللغوي، وفيما يلي سأناقش هذه الدلالات المعجمية التي احتوتها آيات الدراسة .

المطلب الأول : المشترك :

 المشترك هو: اللفظ الواحد يدل على معنى أو أكثر، ومن الألفاظ المشتركة في آيات الدراسة : 

  • المشكاة :  ذكرت المعاجم أن المشكاة تشترك فيها عدة معانٍ :  فقيل هي: "الكوة غير النافذة، وقيل: هي الحديدة التي يعلق عليها القنديل".  وقيل: "‌المشكاة: موضع الفتيلة من القنديل الذي هو كالأنبوب  ..  ‌المشكاة: الحديد الذي يُعلَّق به القنديل، وهي السلسلة".   

وعليه أيضا تنوعت آراء أهل التفسير في معنى المشكاة فقالوا : 

  • العمود الذي يعلق عليه المصباح : ورجحه الطبري فقال: « وإنما جعل ذلك العمود مشكاة، لأنه غير نافذ، وهو أجوف ، مفتوح الأعلى، فهو كالكوة التي في الحائط التي لا تنفذ».

  • الفتحة غير النافذة التي تكون في الجدار،ونسبه الواحدي والقرطبي إلى جمهور المفسرين

  • الفتيل الذي في المصباح : ورواه الطبري وابن أبي حاتم عن ابن عباس  فقال : المشكاة : «موضع الفتيلة».

    والظاهر والله أعلم: أن هذا من المشترك الذي يفيد اتساع المعنى حيث يمكن حمل الآية على المعاني الثلاثة كلها، اعتماداً على القاعدة التفسيرية : (إذا ‌احتمل ‌اللفظ معاني عدة، ولم يمتنع إرادة الجميع، حُمل عليها)، وعليه:  فلو كان المصباح في كوة الجدار الغير نافذة أطلقنا المشكاة على هذا الموضع،  وإن كان المصباح معلقاً في البيت أطلقنا المشكاة على الحديد أو السلسة التي يُعلق بها المصباح، وإن كان موضوعاً في الأرض أطلقنا المشكاة على الفتيل، ولا تعارض وهذا من فوائد الدلالة المعجمية ودقة القرآن في اختيار المفردة لتشمل جميع أوضاع وأماكن المصباح، ولتتسع الصورة الذهنية لهذا المثل البديع الذي ضربه القرآن.

المطلب الثاني :  المتواطئ :

المتواطئ هو: اللفظ الواحد الذي يدخل تحته عدة أفراد، ومن الكلمات المتواطئة في آيات الدراسة :

  • بيوت:  اختلف المفسرون  في المراد بالبيوت على أقوال، ولعل هذا الخلاف مبني على اتساع الدلالة المعجمية لكلمة بيوت حيث تعد من المتواطئ الذي جمع أفرادا  يصدق عليا جميعا أنها بيوت.

ومن هذا التنوع  والاتساع في المعنى ظهرت عدة أقوال في المراد بالبيوت في الآية، كالآتي: 

  • الأول:  المساجد، وخصصها بعضهم بكل مسجد بناه نبي، وخصصها البعض ببيت المقدس.) 

  • الثاني:  بيوت النبي  . 

  • الثالث: قيل هي كل بيوت المؤمنين .

    وقد رجح الإمام الطبري رحمه الله القول بأنها : المساجد عامة، بحيث تشمل بيت المقدس وغيره، فقال: " إنما اخترنا القول الذي اخترناه في ذلك؛ لدلالة قوله : ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ، رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّه ... ،﴾ على أنها بيوت بنيت للصلاة؛ فلذلك قلنا هي المساجد "   .

وأما الإمام أبو حيان رحمه الله فاتسع المعنى عنده أكثر ليجمع بين جميع الأقوال التي تندرج تحت دلالة البيوت المعجمية ،  فقال: " والظاهر أن (فِي بُيُوتٍ ) مطلق فيصدق على المساجد والبيوت التي تقع فيها الصلاة والعلم".

المطلب الثالث: الهدايات القرآنية من الدلالة المعجمية :

  1.   اتساع المعنى في  لفظ (بُيُوتٍ ) لا يقصرها على المساجد فقط بل يشمل جميع البيوت المشعة والمشرقة بنور الإيمان والعلم ، وفي هذا إشارة لعدم اختصاص الرجال في المساجد بهذه الفضيلة فقط وحرمان النساء منها، بل كما تشع المساجد بذكر الله وترفع وتعظم بتعظيم شعائره فكذلك بيوت المسلمين قد تستطيع المرأة الصالحة أن تجعل بيتها من هذه البيوت المباركة المضيئة بأنوار الذكر، والقرآن وتعظيم شعائر الله ففي هذه الدور نور وملائكة ولا تتسلّط عليها الشياطين .

  2. يتجلى في هذه الآيات من خلال الدلالة المعجمية لكلمة (رِجَالٌ ) حرص الشريعة على المرأة  وعدم تكليفها بما لا يتوافق مع طبيعتها النفسية والجسدية ؛ من الخروج المستمر والمتكرر خلال اليوم ،  وإشراكها في أعمال الرجال البدنية من الكدح في الأسواق وإقامة الشعائر وإعلاء الشرائع  حيث خص الله الرجال بالذكر في الآية ؛ لأنهم هم المكلفون بذلك ؛ لتناسبه مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها . 

 

المبحث الثاني

الدلالة النحوية

اللغة العربية بناء متين ، يُحمل فيه الكلام على بعضه ، فتركيب الجملة يتأثر باللفظ المفرد ، والمفرد يؤثر في التركيب، وكلاهما خاضع لسلطة السياق ، فالعملية تفاعليه بين المفردة والتركيب ، فيظهر بالنحو تماسك النص وانسجامه،  "ولو أنك عمدت إلى الألفاظ فجعلتها تتبع بعضها بعضا ، من غير أن تتوخى فيها معاني النحو، لم تكن صنعت شيئا تدعي به مؤلفا ".

المطلب الأول: دلالة الجمل الأسمية ودلالة الجمل الفعلية : 

يقسم النحاة الجملة العربية إلى جملة اسمية وجملة فعلية ، وذهب أهل التفسير والبيان إلى ما وراء التركيب النحوي، وغاصوا في أسرار الجملة وسياقها ؛ لبيان السبب الذي لأجله جاءت الجملة اسمية في موضع دون آخر وجاءت الفعلية كذلك ، ومن ذلك : 

  1. دلالة الجملة الاسمية على الثبات والدوام ، ودلالة الجملة الفعلية على التجدد والحركة.  

  2.  الجملة الاسمية فيها لفت انتباه إلى الفاعل وتركيز عليه ، بعكس الجملة الفعلية حيث يكون السياق منصب فيها على الاهتمام بالفعل

أولاً: دلالة الجمل الاسمية :

وردت الجملة الاسمية في آيات الدراسة في عدة أنماط يغلب عليه الابتداء بالمعرفة ، كقوله تعالى : ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ﴾، وقوله: ﴿الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾، وقد تركزت أغلب هذه الجمل الاسمية في آية النور، ولا عجب فالمقام إخبار عن أعظم نور ومُنوِّر للسموات والأرض عز وجل، وهو نور ثابت دائم، ناسب استخدام هذا التركيب النحوي للدلالة على دوام ثبوته، وهذا الثبات في المعنى لا تعطيه جملة فعلية كقولنا:  يُنوِّر الله السموات أو نَوَّر الله السموات والأرض؛ لأن الجمل الفعلية لها دلالات تناسب مقاماتها وسياقاتها والمعاني المراد إيصالها من خلالها .

 

ثانياً : دلالة الجمل الفعلية :

‌تحتوي هذه الآيات الكريمة على أنماط متنوعة  للجمل الفعلية ،  فمن حيث التعدي واللزوم نلاحظ بعض التراكيب اللازمة لفاعلها كقوله تعالى : ﴿تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ ، والتركيز هنا ليس على فاعل بعينه بل على القلوب والأبصار التي تتقلب ؛ فتركَّز المشهد على هذا المعنى دون الحاجة  لذكر عبارات أخرى تدعم هول الموقف؛ إنما هو فعل التقلب ، والقلوب والأبصار التي تتقلب كان كفيل بأن يوصل لنا هذا المشهد المهول .

ومما يلاحظ أن الآية في قوله تعالى : ﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ قد جمعت بين معنى التجدد  بالإضافة إلى الثبات، ولبيان هذا المعنى في أبلغ صورة جاء النظم القرآني البديع بالنمط التالي: جملة اسمية خبرها جملة فعلية؛ لتنسجم المتضادات في جملة واحدة دون أن تعارض إحداهما الأخرى؛ فجاء بالمبتدأ المعرفة لفظ الجلالة (َاللَّهُ ) وخبره جملة فعلية (يَرْزُقُ )، فرزق الله دائم وثابت لا ينقطع، وهو مع ذلك متجدد لا ينفذ فأهل كل زمان يرون من أرزاق الله ما لم يره من قبلهم .

 المطلب الثاني : الإضافة :

من مواضع الإضافة في الآيات قوله تعالى : ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ﴾ تدل إضافة (النور ) إلى    ﴿السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ على معانٍ منها  : 

  • الدلالة على سعة إشراقه وفشو إضاءته حتى تضيء له السماوات والأرض .

  •  أن كل أهل السموات والأرض يستضيئون به . 

  • "ويجوز أن يبالغ في العبارة على سبيل المدح كقولهم : فلان شمس البلاد وقمرها".

المطلب الثالث: العطف :

احتوت هذه الآيات على نوع فريد من أنواع العطف ؛ وهو عطف الخاص على العام ، وهو : "عطف بعض الشيء عليه" .

ورد هذا العطف في موضع واحد في الآيات الكريمة ، وهو في قوله تعالى : ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمه﴾.. وذهب السلف والمفسرون إلى قولين في معنى الرفع : 

 الأول: أن ترفع بناءً بتشييدها والاهتمام بها .

الثاني: المراد بالرفع تعظيمها بذكر الله فيها وتنزيهه سبحانه .  

ولا يمنع أن نجمع الأقوال فيشمل الرفع المادي ببناء المساجد وعمارتها والاهتمام بها، كما يشمل الرفع المعنوي بتعظيمها وتشريفها بذكر الله وتطهيرها من اللغو وسقط الحديث؛ وذلك لعدم وجود تعارض بين الأقوال، ثم أفرد الله الرفع المعنوي بالعطف؛ للاهتمام به والتنبيه عليه .

 المطلب الرابع :  الهدايات القرآنية من الدلالة النحوية :

  1. في العطف في قوله تعالى : ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمه ...﴾  ، لفت انتباه المسلمين إلى أن المساجد لا تُعمّر لأجل التباهي والتفاخر، وإنما عمارها الحق يكون بعبادة الله وذكره، وفي ذلك قال الله  : ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ﴾ [سورة التوبة : 18]

  2. أفرد الله تعالى ذكره في قوله : ﴿وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمه﴾ بالعطف لمكانة الذكر وفضله ، فهو عبادة ليست كالصلاة التي حددت بشروط ومواقيت معينة حتى يجتمع لها الناس بالمساجد ، وإنما تعمر مساجد الله بالذكر على كل حال، وفي كل حين .

  3. رفع المساجد وتعظيمها يشمل صيانتها وتنزيهها عن الأوساخ والروائح الكريهة وغير ذلك ، وفي هذا مسؤولية مجتمعية وتكليف رباني بالعناية ببيوت الله .

 

المبحث الثالث

الدلالة الصرفية

من أهم الظواهر التي تلفت الانتباه في النص القرآني الكريم الثراء القرآني في استخدام الصيغ والتصاريف المتنوعة للمفردة الواحدة ، فعلى سبيل المثال قد يأتي باللفظ بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في  موضع آخر، وقد يأتي بصيغة الماضي في موضع ثم بصيغة المضارع لنفس المفردة في موضع آخر، وفي هذا لأهل التخصص والدربة في علوم الصرف آراءٌ وأبحاث، حاولوا من خلالها سبر أغوار الصيغ القرآنية، وبيان دقته وإعجازه اللغوي، وكذلك أهل التفسير ، فلا تخلوا تفاسيرهم من لفت الانتباه  إلى أسرار التصاريف ودلالاتها . 

المطلب الأول : دلالة صيغة الفعل المضارع :

أبرز دلالة الفعل المضارع من خلال هذه الآيات الكريمة هي دلالة التجدد وعدم الانقطاع ؛ فالآية مشحونة بالحركة والتوقد والإضاءة والهداية والرزق، ولذلك جاء هذا الفعل لينقل لنا هذه الديمومة والتوهج   المتجددان . ومن ذلك قوله تعالى : ﴿يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾ فصيغة الفعل (يُوقَدُ ) يفيد تجدد هذا التوقد فلا يطفأ ولا يذوي . 

ومن الآيات الدالة على ذلك أيضًا : قوله تعالى : ﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾  حيث عبرت الآيات عن رزقه سبحانه لعباده بصيغة المضارع (يَرْزُقُ) و ‌التعبير ‌بالمضارع يفيد التجدد والاستمرار ، للدلالة على التجرد من الزمن ؛ أي أنّ مدلولـه مطلق لا تحده أزمنة : لا ماضي ولا حاضر ولا مستقبل . وهو ما يسمى بالزمن العام ، وذلك  لأن رزق الله مستمر لا ينقطع عن خلقه ، ولا يحده زمان ولا مكان .

المطلب الثاني :  دلالة صيغة الإفراد والجمع :      

1- قوله تعالى : ﴿السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ﴾ ذكر الله سبحانه وتعالى(السَّمَاوَاتِ) بصيغة الجمع في أكثر من مائة وخمسين موضعا في القرآن الكريم ، كما ذكرت بلفظ المفرد في نحو مئة وعشرين موضعا .

 ومما يلاحظ من مواضع ورود (السموات والأرض/ السماء والأرض) في القرآن الكريم ما يلي :  

  •  تُجمع السموات وتفرد الأرض  في كل مقام يراد فيه عرض جلال الله ، وعظمة قدرته ، وسعة ملكه .

  •  تفرد السماء في حال لا يراد بها جرمها وبناؤها الكوني ، وإنما يراد أنها جهة علوّ بالنسبة للأرض ، وما على الأرض من مخلوقات .

وقد تكلم أهل التفسير في هذه التصاريف ودلالتها ، ومن ذلك : 

  •  أن السموات أشرف وأعظم خلقاً من الأرض بدلالة الجمع ، قال الماوردي:  " لأن السموات أشرف من الأرض ، والجمع أبلغ في التفخيم من التوحيد ؛ كقوله تعالى : ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ . [سورة الحجر : 9]  .

  • لبديع صنع السماء ، قال الإمام أبو السعود رحمه الله : " في إبداعهما على ما هما عليه مع ما فيهما من التعاجيب العبر وبدائع صنائع يعجز عن فهمها عقول البشر ؛ وجمع السموات لما هو المشهور من أنها طبقات متخالفة الحقائق دون الأرض " .

  •  لأن جمع (الأَرْضِ) ثقيل ؛ وهو مخالف للقياس كأرضون ، ولذا لما أراد الله تعالى ذلك قال : ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾. [سورة الطلاق : 12] ، ولم يجمعها، ورُب مفرد لم يقع في القرآن جمعه لثقله وخفة المفرد وجمع لم يقع مفرده كالألباب .  

  1. قوله تعالى : ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ جاء ذكر ﴿الْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ في القرآن الكريم في موضعين عدا موضع آيات النور ، وجميعها جاءت بنفس الصيغة : ﴿بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ وذكر بعض العلماء أسباباً ودلالات لإفراد (الْغُدُوِّ ) وجمع (الْآصَالِ) ، منها :

  • جاء جمع (الْآصَالِ)  بناءً على المعنى المستفاد من تفسير الآية بأن التسبيح بمعنى الصلاة و (الْآصَالِ)  يشمل الظهر والعصر والعشاءين ، فشمل جميع الصلوات . 

  •  علَّل بعض المفسرين الجمع بالنظر إلى قواعد الصرف العربية ، قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله : "وإنما وحد (الْغُدُوِّ )  لأنه في الأصل مصدر لا يجمع ، والأصيل اسم جمع" .  

المطلب الثالث: دلالة صيغ  التعريف والتنكير   : 

1- في قوله تعالى  : ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ﴾ :

  • تعريف (نُورُ) بالإضافة إلى ﴿السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ﴾ تعريف الجنس الذي يشمل جميع أفراده ، وهو ‌الاستغراق ؛ فما يوجد مكان في السموات والأرض إلا وقد شمله نور الله .

  •  تعريف ﴿السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ﴾ بأل يفيد أيضاً التفخيم وعظم خلقهما.

2- في قوله تعالى : ﴿نُّورٌ عَلَىٰ نُور﴾ ،  جاءت (نُورُ) نكرة للفخامة،  ولبيان أنه ليس نورٌ واحد أو اثنين أو ثلاثة، وإنما هو نورٌ متضاعف .

  1. في قوله تعالى : ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرفَعَ﴾ جاءت (بُيُوتٍ) في هذه الآية الكريمة نكرة للتعظيم.

  2. في قوله تعالى : ﴿رِجَالٌ لَّا تُلهِيهِم تِجَٰرَةٌ وَلَا بَيعٌ﴾ جاءت (رِجَالٌ) نكرة للتفخيم والتعظيم . 

  3. قوله تعالى : ﴿يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾ جاءت (شَجَرَةٍ ) نكرة ؛ لكثرة نفعها وبركتها .

 المطلب الرابع :  الهدايات المستنبطة من الدلالة الصرفية : 

  1. دلالة عميقة بالغة الدقة في جمع السموات تحمل في طياتها معنى مختلف عن إفراد السماء ، هذا  الجمع يلقي بظلاله على المسلم ليقف متدبرا متفكرا في هذا الخلق العظيم والأفق الشاسع ؛ ليكون في ذلك العرض ما يدعو إلى التأمل والنظر، وتوجيه البصائر والأبصار إلى ما وراء هذا الأفق المحدود الذي يعيش فيه من لا يمدون أبصارهم إلى أكثر من مواقع أقدامهم.

  2. استحضار عظمة الله  أمام هذا الخلق الذي لا يساوي أمامه سبحانه شيء يذكر ، قال تعالى :  ﴿يَومَ نَطوِي ٱلسَّمَاءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلكُتُبِۚ﴾ . [سورة الأنبياء : 104]  ، قَالَ رَسُولُ اللهِ  : « يَطْوِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ، ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ ؟ ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ ؟ » . هذا الاستحضار لعظمة خالق السموات التي أنارها بنوره ودبرها بحكمته يجعل الإنسان على اتصال دائم بالسماء مستحضرا مراقبة الله في كل شؤونه ، ولذلك نجد دعاء الكرب يملأ القلب بالشعور بعظمة الله وتوحيده وذكر عظيم خلقه  ، "  كَانَ رَسُولَ اللَّهِ   يَقُولُ عِنْدَ الكَرْبِ : « لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ‌العَظِيمُ ‌الحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ » . 

  3. ربطت الآية التسبيح بالغدوِّ والآصال ، ولو تأملنا في هذين الوقتين هما طرفي النهار ، فأوَّله الغدوُّ وقت الخروج والانتشار ، والآصال بجمعها وقت ما بعد الظهر إلى العشاء ، وهو وقت العودة للمنزل  والسكون ، فيبدأ المسلم يومه ويختمه بذكر الله ، وتسبيحه وتنزيهه .

  4. من هدايات ذكر الغدوِّ الحرص على صلاة الضحى حيث أن الغدوَّ يشمل وقتها :  وهذا استنباط دقيق من ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما، حيث قال :« وإن ركعتي الضحى لفي كتاب الله وما يغوص عليها إلا غواص » . 

  5. جاءت صيغة الفعل المضارع (يَرزُقُ) بهدايات ربانية يركن إليها المؤمن وتطمئن بها نفسه، ومنها

  • " قدرة الله أنه يرزق جميع المخلوقات في الدنيا والآخرة ، ‌يرزق ‌من ‌يشاء ‌بغير ‌حساب يُطلب منه ، ولا رقيب عليه، وبغير تعب ولا مشقة، فله سبحانه خزائن السماوات والأرض، التي لا تنفد ولا تغيض ولا تفنى ولا تنقص " . 

  • إثبات أفعال الله سبحانه وتعالى المتعلقة بمشيئته ؛ لقوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ﴾ فتسمَّى هذه الأفعال في كتب العقائد : (الأفعال الاختيارية ) - يعني المتعلقة بمشيئة الله - ؛ وهي ثابتة لله عزّ وجلّ على وجه الحقيقة.

المبحث الرابع

الدلالة البلاغية

الكلام  العربي حين يكون مستقيم التراكيب والألفاظ ومؤدي للمعنى فهو متسق مع قواعده النحوية والصرفية، وحين يتجاوز صاحبه استقامة المعنى إلى محاولة إيصاله بشكل حسن وبديع فهنا يصبح كلاماً بليغاً يستهوي العقول والقلوب،  فكيف بالقرآن الكريم وهو الكلام المعجز الذي حاز أطراف البيان والبلاغة والبديع مع اتساق وانسجام، وقف أمامه أرباب العربية عاجزين معترفين ببلاغته،  " والله لقد سمعت منه كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وما يقول هذا بشر ".  

في هذا المبحث محاولة للغوص في بلاغة الآيات للخروج ببعض دررها البلاغية .

 المطلب الأول:  علوم البيان :

التشبيه : 

احتوت هذه الآيات على ضرب مثالٍ يعد من أعظم التشبيهات التي احتوى عليها القرآن الكريم أطال العلماء كثيرا في بيانه وتنوعت آراؤهم في تحديد أركانه ، وهداياته ، في قوله تعالى : ﴿مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشكَوٰة فِيهَا مِصبَاحٌ ٱلمِصبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوكَب دُرِّيٌ يُوقَدُ مِن شَجَرَة مُّبَٰرَكَة زَيتُونَة لَّا شَرقِيَّة وَلَا غَربِيَّة﴾ 

فقد جاء التشبيه بواسطة الأداة وهي  (الكاف) ، والمراد أن النور الذي شبّه به الحق  نورٌ متضاعف قد تضافر فيه عمل المشكاة ، والزجاجة ، والمصباح ، والزيت ، حتى لم تبق بقية مما يقوي النور ويزيده إشراقًا ويمده بإضاءة، ذلك أن المصباح إن كان في مكان محصور كالمشكاة كان أضوأ له وأجمع لنوره ، بخلاف المكان الواسع فإن الضوء فيه ينتشر .. " فضرب الله مثلًا للمؤمن الذي جعل صدره كالمشكاة ، وقلبه كالزجاجة في المشكاة ، ونور الإيمان الذي في قلبه - وهو نور الله - كالمصباح الذي في الزجاجة ".   وشبَّه الله هذا النور بنور المصباح لا نور الشمس مع أن نورهما أتم ؛ لأن المقصود تمثل النور في القلب ، والقلب في الصدر ، والصدر في البدن ؛ كنور المصباح ، والمصباح في زجاجة ، والزجاجة في القنديل .

المطلب الثاني:  علوم البديع :

 أولًا :   الطباق :

وهو ما كان طرفاه لفظين متضادين في الحقيقة .

 ومن الطباق في آيات الدراسة :

في قوله تعالى : ﴿شَجَرَة مُّبَٰرَكَة زَيتُونَة لَّا شَرقِيَّة وَلَا غَربِيَّة﴾ جاء الطباق في هذه الآية الكريمة في صورة بديعة بألفاظ منسجمة بليغة ؛ ليقرب لنا مكان الشجرة  المباركة فقال تعالى : ﴿لَّا شَرقِيَّة﴾  تقع للشرق  ﴿وَلَا غَربِيَّة﴾  تقع للغرب.   

وليس هذا من قبيل نفي وصفين لإثبات حالة وسط بين حالتيهما،  بل هو  نفي في ضمنه إثبات، أي: أنها يأتيها ضوء المشرق وضوء المغرب فلا يصدق عليها أنها شرقية خالصة أو غربية خالصة، فليست الآية نفي،  ولكنها شرقية غربية يصيبها ذا وذا من الشرق والغرب .

ثانياً :  تشابه الأطراف :

     قال الكفوي: " ‌تشابه ‌الأطراف : هو ختم الكلام بما يناسب صدره نحو : ﴿لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ . [سورة الأنعام : 103] " . وسمِّي هذا الباب ‌تشابه ‌الأطراف ، لأن الأبيات فيه تتشابه أطرافها ومنه قول الشاعرة : 

إذا نزل الحجاج أرضا مريضة … تتبع أقصى دائها فشفاها

شفاها من الداء العضال الذي بها … غلام إذا هز القناة سقاها

سقاها فرواها بشرب سجاله … دماء رجال يحلبون صراها

ومن تشابه الأطراف في آيات الدراسة : 

    قوله تعالى : ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾ 

يلاحظ في هذا النص ثلاث فقرات اشتملت على هذا النوع من أنواع البديع :

﴿كَمِشكَوٰة فِيهَا مِصبَاحٌ﴾ / ﴿الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ﴾  / ﴿ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوكَب﴾

وفي هذا -بالإضافة إلى جمال الأسلوب وانسجامه - " تنويه بذكر المصباح لأنه أعظم أركان هذا التمثيل، وكذلك إعادة لفظ الزجاجة في قوله: ﴿ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوكَب دُرِّيٌ﴾  لأنه من أعظم أركان التمثيل . ويسمَّى مثل هذه الإعادة (‌تشابه ‌الأطراف ) في فن البديع" .

 المطلب الثالث :  علوم المعاني :

  •  علم المعاني هو : " قواعد يعرف بها كيفية مطابقة الكلام مقتضى الحال حتى يكون وفق الغرض الذي سيق له، فبه نحترز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد ، فنعرف السبب الذي يدعو إلى التقديم والتأخير 

والحذف والذكر ، والإيجاز حينًا والإطناب آخر ، والفصل والوصل ، إلى غير ذلك " .

ومن مظاهر هذه المطابقة بين مقتضى المقال والمقام يظهر التقديم والتأخير ، حيث يلزم النص تركيبًا ثابتًا في تقديم أحد المفردات على غيرها ، أو  يقدم ما حقُّه التأخير  في مواضع ،  وكل هذا لدلالات بلاغية وهدايات ربانية ، وفيما يلي تفصيل لأسلوب التقديم والتأخير ..

 التقديم والتأخير:

التقديم والتأخير من الأساليب البلاغية التي تحمل في طيات ترتيبها أسرار ومعاني ينبغي التنبه لها في القرآن الكريم " يقول سيبويه في التقديم والتأخير : أن العرب يقدمون الذي هو أهمّ لهم وهم أعنى به " .

التقديم والتأخير في آيات الدراسة : 

  1. في قوله تعالى : ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ﴾  تقديم السموات على الأرض .

 قال الماوردي : "وفي تقديم السموات على الأرض وجهان : 

أحدهما : لتقدم خلقها على الأرض . والثاني : لشرفها فقدمها على ذكر الأرض " . 

  1. في قوله تعالى : ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ :

  • تقديم المفعول له (لَهُ ) على المفعول فيه (فِيهَا ) : " لأن الغايات سابقة في القصد ، لاحقة في الوجود، فقدم (لَهُ ) لإرادة مزيد الاختصاص، كأنه قيل : يسبح أوقاته لأجله ، وكرامة لوجهه الكريم، لا لشيء آخر. 

  • تقديم (فِيهَا ) على (بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ) : ويفيد تقديم ظرف المكان على الزمان- مع أن الفعل أشد اتصالًا بالزمان لكونه جزأه - شدة العناية بإيثار تلك الأمكنة التي رفعت لذكر الله تعالى وتسبيحه . 

المطلب الرابع : الهدايات  القرآنية من الدلالة البلاغية :

  1.  تشابه الأطراف أو ما يعرف بالتعانق : " هو فن يصلح في مجال التعليم والتفهيم ، وبناء الأفكار بعضها على بعض وفي مجال الإقناع وتثبيت الأفكار "

  2. التنكير لكلمة (رِجَالٌ )  فيه إشعار بهممهم السامية ، ونياتهم وعزائمهم العالية ، التي بها صاروا عمارًا للمساجد، التي هي بيوت الله في أرضه ، ومواطن عبادته وشكره ، وتوحيده وتنزيهه ، كما قال    تعالى : ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ﴾ . [سورة الأحزاب : 23] ،  فجاءت هذه الآية " مؤكدة لما أفاده التنكير من الفخامة، مفيدة لكمال تَبَتُّلِهِمْ إلى الله تعالى ، واستغراقهم فيما حكى عنهم من التسبيح من غير صارف يلويهم ولا عاطف يثنيهم " . 

  3.  (رِجَالٌ ) إشارة إلى أنهم أناس قد كملت رجولتهم ، وسلمت لهم إنسانيتهم .. فكانوا رجالا حقّا ، لم ينتقص من إنسانيتهم شيء،   فالكفر والشرك والنفاق وضعف الإيمان كلّها أمراض خبيثة ، تغتال إنسانيّة الإنسان ، وتفقده معنى الرجولة فيه ، فالرجل كلّ الرجل ، هو من تحرّر عقله من الضلال ، وصفت روحه من الكدر ، وسلم قلبه من الزيغ .. ثم لا عليه بعد هذا ألا يمسك بيده شيء من حظوظ الدنيا كوجاهة ومال وقوة.

  4. إخلاص النية وسلامة القصد هي من أهم مقومات الشخصية المؤمنة، وقبول العمل الصالح، ولذلك جاء تقديمها في قوله تعالى : ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا﴾ .

  5. التأكيد والتنبيه على العناية ببيوت الله ورفعها بالعمارة والطهارة والذكر والعمل الصالح كما مر في هدايات الدلالة النحوية،  وتجلى هذا التأكيد في تقديم ظرف المكان (فِيهَا) على الزمان ﴿بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ رغم ارتباط العبادات بالزمان إلا أن التنبيه هنا جاء منسجمًا مع سياق الآية ومقاصدها من مطلعها ؛ وهو طهارة المكان وتوهجه بنور الطاعة ؛ سواء القلب في صدر المؤمن أو المساجد وبيوت العلم في الأرض .

المبحث الخامس

الدلالة الصوتية

عرف أهل اللغة الصوت "جنس لكل ما وقر في أذن السامع " . فوسعوا المصطلح ليشمل كل صوت أياً كان مصدره  سواء الإنسان أو الطبيعة، لكن في اصطلاح العلماء ضاق هذا المعنى ليشمل دراسة الأصوات اللغوية فقط من ناحية " وصف مخارجها ، وكيفية حدوثها ، وصفاتها المختلفة ، التي يتميز بها صوت عن صوت ، كما يدرس القوانين التي تخضع لها هذه الأصوات في تأثرها بعضها ببعض ، عند تركبها في الكلمات أو الجمل " .

وعليه، فالجملة هي أول وحدة كبيرة في الكلام ، مثل قولنا : (محمد رسول الله )،  ثم تتركب الجملة من وحدات أصغر منها، هي : الكلمات ، مثل : "محمد" و "رسول" و"الله" ، وتتجزأ الكلمات لوحدات أصغر منها، هي ما يسمى : الأصوات ، فنسمع من كلمة " مُحَمَّد " :  صوت الميم ، ثم الضمة، ثم صوت الحاء، ثم الفتحة، ثم صوت الميم .. وهكذا، ولكل قسم إيقاع صوتي ينتظم مع الدلالات اللغوية الأخرى؛ ليساهم في إيصال المعنى؛ وعليه سأدرس التركيب الصوتي لهذه الآيات المباركة، حيث سأنتقل من إيقاع الحروف والأصوات إلى إيقاع الكلمات وأثر ذلك .

 المطلب الأول : إيقاع الحروف :

لكل حرف صوت له قيمة سمعية تختلف عن الحرف الآخر، والسبب يرجع لمخرج الحرف من جهاز النطق الذي أبدعه أحسن الخالقين ، وقد قام العلماء بفهم هذا الجهاز وتحليل مخارج الحروف لاكتشاف السبب في اختلاف كل حرف عن الآخر،  وهو ما كشف  لنا جانباً من  الإعجاز الصوتي في القرآن الكريم الذي كان المحرك الأول للنفس العربية المأخوذة بالشعر والسجع وأوزان الكلام . فلا شك ان يكون لوقع الحرف على النفس وإيقاعه على المسامع مهمة عظيمة جعلت من جبير ابن مطعم رضي الله عنه - وقد كان كافرًا وقتها - يقول حين سمع النبي يقرأ سورة الطور في صلاة المغرب عندما بَلَغَ هذِه الآيَةَ : ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ 35 أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ 36 أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ 37﴾ : « ‌كَادَ ‌قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ » . ولدراسة هذه الإيقاعات البديعة سأحلل أولا الأحرف الواردة في الآيات الكريمة ، في الرسم البياني التالي :



\"\"

نلاحظ من البيانات السابقة أن : 

أكثر الحروف تكرارًا في آيات الدراسة هي : الألف ، واللام ، والياء ، والواو ، والهاء ، والراء ، والتاء وعليه ؛ فأكثر الصفات تكرارًا هي : الجهر مع الاستفال ، فينحبس جريان النفس مع قوة الصوت ثم ينخفض إلى قاع الفم ،  فاجتمع  في الآية الكريمة قوة المثل مع قوة أثره النفسي .

فالجهر ؛ يوحي بأن في الآية مثل عظيم سيعلن ويظهر ينبغي التنبه له ، والاستفال ؛ بانخفاض الصوت لقاع الفم يرمز للعودة للنفس ومدى التأثر بهذا النور الإلهي. 

فنقف بذلك أما بُعدين متقابلين وهما : البعد الخارجي بقوة الإعلان والإظهار من خلال أصوات الجهر،  والبعد الداخلي وعودة الإنسان لأعماق نفسه ليتلمس أثر هذه الآيات الكريمة والأنوار الربانية ، وهذا بدلالة استفال الصوت بعد جهره .

ولم يأتِ في هذه المجموعة حروف مهموسة إلا الهاء والتاء ؛ بالإضافة إلى السين ، فتتبادر إلى الذهن مباشرة كلمة (تَمْسَسْهُ ) ليأتي هذا الهمس ناقلاً لنا النار في صورة متوهجة ودافئة ونافعة للإنسان ؛ حيث امتد الصوت الهادئ  في (تَمْسَسْهُ ) إلى النار ليزيح عنها الصورة المتبادرة للذهن التي توحي بها عادة من حرق ولهيب . 

المطلب الثاني : إيقاع الكلمات :\"\"

تكونت هذه الآيات الكريمة من 75 كلمة تقريبا ، انتظمت معاً لتشكل آيات النور في ترابط يظهر من  خلال اتساقها مع المعنى ، وجمال وقعها في السمع ، وتكرار بعض الكلمات ليضفي توسعاً في الدلالات .

تكرر ذكر اسم (الله )  :  8 مرات ، وتكررت كلمة (النور ) : 5 مرات   وهما بذلك يعدان الكلمتان المحوريتان في هذه الآيات ، تظهر قيمة هذا التكرار من خلال إضفاء دلالات صوتية ومعنوية في الوقت نفسه ، فإلى جانب كونه يشكل مظهرًا إيقاعيًا يؤدي فيه الترديد لبعض الكلمات دورًا هاما في الحضور الجمالي الصوتي ، إلا أن الجانب الدلالي وإضفاء معنى جديد في كل مرة تتكرر فيه الكلمة حاضر في النص القرآني أيضًا .

(الله )  : تكرر اسم الجلالة في عدة مواضع من هذه الآيات الكريمة ، وفي آية النور وحدها : 4 مرات،  موزعا بطريقة متناسقة مع أجواء الآية وجلالها ، وفيض أنوارها حيث :

ابتدأت : ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ وتوسطت : ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ﴾ وختمت :﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ﴾  ثم جاء بقية التكرار خلال الآية في سياقات مترابطة .

الكلمات بهذا الترتيب تمسك ببعضها البعض؛ ابتداءً ببراعة الاستهلال، والخبر المفاجئ الذي تقف أمامه النفس مشدوهة ومتأمله في ملكوت الله ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، فيتساءل الإنسان حينها كيف  يهتدي من يهتدي إلى نور الله ؟ ليجد الإجابة عند قوله تعالى : ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ﴾ ، ويختم بقوله: ﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيۡرِ حِسَاب﴾  ،  فكما أن الكسب المادي رزق ، فأنوار الله التي تشرق على القلوب رزق أيضاً ، بل وأعظم الرزق .

المطلب الثالث : الهدايات القرآنية المستنبطة من الدلالة الصوتية :

  1.  إن الاقتراب من الأصوات ومعرفة أثر مخارج الحروف، وتأثيرها على المعنى يُحملنا مسؤولية حفظ هذا الإرث اللغوي، وتعلم وتعليم هذه المخارج الصحيحة ، وتنشئة الأجيال القادمة عليها ليتمكنوا من استشعار الآيات القرآنية وتدبر هداياته ودلالاته .

  2.  القرآن الكريم معجزة خالدة ، له وقع وجرس واهتزازات صوتية تنتشر ،  وتنشر معها السكينة والطمأنينة في أعماق النفس وأرجاء المنازل ، بدءً من نغماته إلى كلماته وجمله ، فينبغي الحرص على سماعه وإسماعه ونشر مقاطعه. 

  3.  أهمية استماع القرآن وإسماعه ، فهو بتأثيره وقوته الكامنة في نظمه وسبكه ، وجمال نغماته ووقعه في النفس، إن وقع في قلبٍ حي  ولامس عقلًا متواضعًا للحق ،  أعان على  الاهتداء به ، واتباع الحق الذي جاء به . 

 

المبحث السادس

الدلالة النفسية والإيحائية

"في النفس الإنسانية قوتان : قوة تفكير، وقوة وجدان، وحاجة كل واحدة منهما غير حاجة أختها. فأما إحداهما؛ فتنقب عن الحق لمعرفته، وعن الخير للعمل به، وأما الأخرى؛ فتسجل إحساسها بما في الأشياء من لذة وألم، والبيان التام هو الذي يوفي لك هاتين الحاجتين ويطير إلى نفسك بهذين الجناحين، فيؤتيها حظها من الفائدة العقلية والمتعة الوجدانية معًا " .

وقد أشع القرآن على النفس البشرية بأنواره  وبيانه، وخاطبها بما يطرق مكامن التأثير فيها ويلامس تقلباتها وتنوعها من خلال الدلالات المختلفة .

ولذلك نجد أن الدلالة النفسية تداخلت مع جميع الدلالات الأخرى، فكثيرًا ما تكون الدلالة البلاغية طريق للتأثير في النفس من خلال التشبيهات والمحسنات البديعية، وأحيانا تتقاطع الدلالة النفسية مع الدلالة النحوية والصرفية من خلال استخدام أوزن وتراكيب منوعة للجمل، وكان من أكثر ما يؤثر على النفس الوقع الصوتي، والجرس المتناغم مع المعنى فلذلك أخذت الدلالة الصوتية الحيز الأكبر من التأثير على النفس.

بل وتذهب الدلالة النفسية إلى أبعد أعلى من ذلك عندما تكون هي فارق بين الدلالات وليست مكملة لها فقط: على سبيل المثال (النون ) من حروف الجهر إلا أن وقع الحرف في كلمة النار ليس كوقعه في كلمة النور ، وإن تشابهت الكلمتان في أغلب الحروف والصفات إلا أن الدلالة النفسية للصوت هي التي تحدث الفارق الأكبر عند التقارب الدلالي . 

فالنون الممدودة بالألف مع تكرير الراء  في كلمة (نَارٌ) يوحي بصوت يكتنفه الرعب والخوف متمثلا بحالة مد الصوت بالألف كالذي يصرخ، ثم يأتي تكرير الراء ليوحي بالارتعاد، أما في  كلمة (نُورُ ) فأتى الواو بعد النون ليستدير الفم ويخرج الهواء كمن يتنفس الصعداء وقد أشع النور من حوله. فالحاكم الأول للتفريق بين الدلالات المتشابهة أو المتقاربة يكون بالأثر الذي ألقت بظلاله الدلالات على النفس .

 

المطلب الأول : أثر الدلالات اللغوية النفسي :

  1.  في الدلالات البلاغية : الطباق والمقابلة،  هذا الفن الذي يجمع متضادين أو متقابلين ليست ترفًا لفظيًا أو محسنًا بديعيًا فحسب، بل هما تعبيرٌ في أكثر الأحيان عن حركة نفسية متوهجة، وصراع بين ما هو كائن وما يجب أن يكون، بين الراهن والمتوقع، بين الواقع والمستقبل .

على سبيل المثال : المقابلة الدائمة بين السموات والأرض تلقي على النفس مهابة السماء ورحابتها، وتجذب النفس للأعلى، ثم تأتي الأرض في مقابلها ليعود الإنسان إلى مادة خلقه وسكنه، وكدحه وعمله، ليتذكر أن هذه الأرض طريقه إلى السماء، ولن يصل للجنة إلا من خلال إصلاح دنياه وأرضه، ولذلك تلقي هذه الدلالة البلاغية نوعًا من التوازن النفسي في فهم الحياة الدنيا والآخرة . 

  1.  في الدلالات النحوية : ثمة معنىً كامن  يجب إدراكه، وهو التعبير عن الذكر بالرفع، ثم تكرار الذكر بعطف الخاص على العام؛ نلاحظ أن هذا التركيب انتظم في سورة النور بعد آية النور مباشرة، فشكَّلت الآية لدينا الصورة الذهنية التالية : نور ثم رفعة ثم ذكر ، حيث تطرق هذه الكلمات الثلاث النفس فتعيد تشكيلها من جديد : ذكر ثم رفعة ثم نور . فالآية عرضت النتيجة ثم السبب بدءً من الصورة الكلية إلى الجزئية ؛ لطرق النفس وتشويقها لإعادة ترتيب الصورة بما يناسبها انطلاقًا من السبب إلى النتيجة ، ومن الكل إلى الجزء؛ فالذكر سيرفع ويعلي من شأن المسلم، ولايزال يتقرب إلى الله ولسانه رطب بذكر الله حتى يشع ويتوهج ويفيض النور من نفسه وصولاً إلى  من حوله، "فهناك نورٌ حقيقي في قلب المؤمن ، وهناك مددٌ نوراني يصل إلى القلب كأثر عن العمل الصالح وكأثر عن هذا يتحدد سلوك الإنسان " : ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ . [سورة الزمر : 22] .

  2.  يسبب التشتت الذهني وعدم الفهم، الارتباك النفسي والضيق والسأم، وهذا أبعد ما يكون عن الخطاب الشرعي، والنص القرآني، فالخطاب الشرعي رغم أنه خطاب شرائع وحدود وأوامر ونواهي وعقائد إلا أنه يتميز بمخاطبته للنفس والعقل في آن واحد بالإقناع العقلي بالحجج والبراهين، والتأثير الوجداني بحسن البيان وتقريب المعاني وضرب الأمثال، وهذا ما لا تستطيعه فلسفة الإنسان مهما بلغ من الحكمة، ولذلك نجد الخطابات الفلسفية التي تخاطب الوجود الإنساني ثقيلة على النفس، ممجوجة لا يكاد يفهما أحد، ونجد العلوم البحتة علوم جامدة ترهق العقل ولا مجال للبعد الجمالي فيها، بعكس الخطاب القرآني العظيم ، المعجزة الخالدة التي خاطبت الإنسان واحتوت البشر في جميع حالاتهم وميولهم وهذا من أعظم معجزات القرآن؛ إن تجرد له إنسان بعقل صافٍ ونفسٍ متواضعة لقبول الحق سيجد فيه خطاباً مباشرا يمس أعماق نفسه مباشرة.

 المطلب الثاني:  أثر الدلالة التصويرية والأبعاد الجمالية النفسية :

احتشدت الصور في هذه الآية الكريمة لتبين وهج النور مع ثبات المشهد ، في تدرج من المشكاة إلى  الزجاجة إلى المصباح، ثم إطلاق الخيال أمام الزجاجة مرة أخرى بدخول مشهد ﴿الكوكب الدري﴾  في الصورة ، وهذا التعدد يهدف إلى التنويع في التصوير وبثّ الحياة في الصورة ، ويلامس النفس ويثير مكامن الجمال فيها حيث أبرز النور في صورة مؤثرة أخاذة .  

ومما يكسر رتابة المشهد الاختيار الدقيق للمفردات التي تصف الصورة حيث جاءت المفردة القرآنية (مشكاة) لترسم الإطار الخارجي للمشهد دون أن تحصره على مكان معين ، وبذلك يصح أن تكون  المشكاة الفتحة في الجدار الغير نافذة ، ويصح أن تكون الحديدة التي يعلق بها المصباح ، حتى أن المعنى يتسع لتشمل في معنى ثالث فتيلة المصباح ، وهي بذلك تحمل المشهد إلى آفاق أوسع وتخاطب كل إنسان بما يراه أمامه، سواء كان المصباح في فتحة الجدار أو معلقا بحديدة أو موضوعاً على الأرض دون أن يتجمد المشهد على بُعدٍ واحدٍ .

المطلب الثالث : الدلالات الإيحائية :

المراد بالإيحاء في اللغة : " يقال وحيت إلى فلان : أحي إليه وحيًا ، وأوحيت إليه ‌أوحي إيحاءً : إذا أشرت إليه وأومأت"  . "إيحائيَّة :  مصدر صناعيّ من ‌إيحاء : قابلية التأثُّر بإيحاء أو إيعاز معيَّن" . 

اصطلاحاً : " هي الدلالة التي يوحي بها اللفظ بالأصداء والمؤثرات في النفس فيكون له وقع خاص يسيطر على النفس، لا يوحيه لفظ يوازيه لغة ، فهو مجالات الانفعالات النفسية والتأثر الداخلي للإنسان" وفيما يلي بيان لبعض الإيحاءات التي دلت عليها  بعض مفردات الآيات الكريمة  :

أولاً : النور  والمصباح :

فيهما إيحاءات حسية ومعنوية :

  •  حسياً :   توحي بالوضوح والإشراق والطريق البين الذي لا تشوبه مخاطر .

  •  معنوياً : توحي بنقاء النفس وطهرها وصلاحها .

 

ومن إيحاءات تشبيه النور بالمصباح:  

  •  النفع : إن أضاء السراج في مكان، انتفع به كل من في ذلك المكان، فكذلك نور الله إن أضاء في القلب أشع بنور الإيمان والقرآن حتى يفيض نوره على وجهه وداره ومن يحيط به من الناس ، فيصبح نورًا يسير بين الناس .

  •  الأمان : البيت المضيء بالنور والسرج لا يدخله اللصوص، ولو دخلوه فضحوا، وكذلك القلب إن أضاء بنور الله وشرائعه لا يدخله شبهة ولا شهوة وإن دخلت كشفت وتبددت .

  • الطمأنينة والسكينة : لتقريب هذا المعنى في حياتنا، نلاحظ عندما ينطفئ النور فجأة كيف تسود الوحشة والهلع في المكان، وهكذا أنوار الله في القلب إن خفتت استوحش وأظلم .

ثانياً : لا شرقية ولا غربية : 

إيحاء بالوسطية والتزام الطريق المستقيم فلا إفراط ولا تفريط، فنور الله المتوقد من تطبيق شرائعه، لن يشع ويتوهج في القلب ككوكب دري إلا إذا سقي بالوسطية وترك التطرف، كالشجرة التي كاد زيتها يضيء.











المبحث السابع

الدلالة المقاصدية

المطلب الأول: المقاصد الشرعية  :

أولاً: حفظ الدين :

من أهم مقاصد هذه الآيات الكريمة مقصد الإيمان بالله، والاستهداء بهداه ونوره، وهذا ينتظم تحت أهم مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية العظيمة وهو حفظ الدين، قال تعالى : ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. [الذاريات : 56] ، ويتجلى في عدة مظاهر من الآية الكريمة وهي :

  1.  الإيمان يزيد وينقص ؛ كما قرر ذلك السلف الصالح ،  كلما زاد فاضت أنوار الله وهداه في قلب المؤمن وكلما نقص الإيمان نقص النور ، وعليه يجب على المسلم تعهد إيمانه بالله وتجديد نيته وإخلاصه  والمداومة على العمل الصالح ، والتقرب بالنوافل ، ليشع النور ويفيض على حياة المسلم بالسكينة والنقاء والسلام الداخلي والخارجي.

  2.  إظهار العبودية لله سبحانه وتعالى على المستوى المجتمعي : وذلك برفع المساجد مادياً : بالبناء والإعمار والتطهير، ومعنوياً : بالذكر والعبادة وإقامة الفروض والشعائر.

  3. إظهار العبودية لله على المستوى الفردي بترك الاستغراق في الدنيا ؛ خاصة وقت الصلوات ، والتوجه للمساجد وأداء الصلوات لإظهار هذه الشعيرة .

 المطلب الثاني : المقاصد القرآنية :

أولاً : صلاحية القرآن لكل زمان ومكان :

ذلك يقتضي فتح أبواب عباراته لمختلف المنهجيات التفسيرية، والتحليلات الدلالية، حتى تؤخذ منه الأحكام والتدبُّرات، على مر العصور، وفق مقاصد الشريعة الكلية وضوابطها . وفي ذلك" تعويد حملة هذه الشريعة، وعلماء هذه الأمة، بالتنقيب، والبحث، واستخراج المقاصد من عويصات الأدلة، حتى تكون طبقات علماء الأمة صالحة- في كل زمان- لفهم تشريع الشارع ومقصده من التشريع ، فيكونوا قادرين على استنباط الأحكام التشريعية " .

 

ثانياً : إعمار الأرض وتنمية الثروة :

ويتجلى هذا المقصد في إذن الله سبحانه وتعالى وأمره لخلقه برفع المساجد بالبناء والتعظيم ، والإشارة إلى أنهم قوم منهمكون بالعمل والبيع والتجارة ، وهذا إعمار للأرض وتنمية للثروات حتى يحين موعد الصلاة ، فيدعون ما بأيديهم، ويتجهون للصلوات.

ثالثاً: الموازنة بين الدنيا والآخرة :

قال تعالى : ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ :  [القصص: 77] ، يظهر ذلك جلياً في الإشارة إلى امتداح عباد الله بترك التجارة والتوجه للصلاة إذا وجبت ، وهذا يفيد بمفهوم النص إلى أنهم غير منقطعين للعبادة بل يعملون ويتجرون ، لكنهم في موازنة مستمرة بين الدنيا والآخرة دون أن تطغى إحداهما على الأخرى.

الخاتمة

الحمد لله نور الأكوان، ومنزل القرآن، وهادي الإنسان، والصلاة والسلام على السراج المنير والرحمة المهداة للعالمين، وعلى من اتبع هداه إلى يوم الدين وبعد، فهذه أهم النتائج التي توصلت لها من هذا البحث: 

  1. سميّت سورة النور بهذا الاسم لما فيها من إشعاعات النور الربًاني بتشريع الأحكام والآداب والفضائل الإنسانية، التي هي قبس من نور الله على عباده وفيض من فيوض رحمته . 

  2. الدمج بين الدراسة التفسيرية التحليلية والدلالية يثوِّر المعاني والتدبرات، ويجعل المعنى المراد مؤكد وأقوى.

  3. من هدايات الدلالة المعجمية : اتساع المعنى في  لفظ (بُيُوتٍ ) لا يقصرها على المساجد فقط؛ بل يشمل جميع البيوت المشعة والمشرقة بنور الإيمان والعلم ، وفي هذا إشارة لعدم اختصاص الرجال في المساجد بهذه الفضيلة فقط وحرمان النساء منها .

  4. من هدايات الدلالة النحوية : العطف في قوله تعالى : ﴿أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ يفيد رفع المساجد وتعظيمها، وهو يشمل الرفع الحسي بصيانتها والاهتمام بنظافتها، والرفع المعنوي بالحرص على الصلاة جماعة، وفي هذا مسؤولية مجتمعية وتكليف رباني بالعناية ببيوت الله .

  5. من هدايات الدلالة الصرفية : ربطت الآية التسبيح بالغدو والآصال، ولو تأملنا في هذين الوقتين هما طرفي النهار ، فأوله الغدو وقت الخروج والانتشار ، والآصال وقت يشمل ما بعد الظهر إلى العشاء، وهو وقت العودة للمنزل  والسكون، وبذلك يبدأ المسلم يومه ويختمه بذكر الله وتسبيحه وتنزيهه .

  6. من هدايات الدلالة البلاغية : إخلاص النية وسلامة القصد، هي من أهم مقومات الشخصية المؤمنة، وقبول العمل الصالح، ولذلك جاء تقديمها في قوله تعالى : ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا﴾ .

  7. من هدايات الدلالة الصوتية : الاقتراب من الأصوات، ومعرفة مخارج الحروف، وتأثيرها على المعنى وهذا يُحملنا مسؤولية حفظ هذا الإرث اللغوي، وتعلم وتعليم هذه المخارج الصحيحة، وتنشئة الأجيال القادمة عليها؛ ليتمكنوا من استشعار الآيات القرآنية وتدبر هداياتها ودلالاتها .

  8. من هدايات الدلالة النفسية : المقابلة الدائمة بين السموات والأرض تلقي على النفس مهابة السماء ورحابتها، وتجذب النفس للأعلى، ثم تأتي الأرض في مقابلها ليعود الإنسان إلى مادة خلقه وسكنه  وكدحه وعمله، ليتذكر أن هذه الأرض طريقه إلى السماء، ولن يصل للجنة إلا من خلال إصلاح دنياه وأرضه، ولذلك تلقي هذه الدلالة البلاغية نوعًا من التوازن النفسي في فهم الحياة الدنيا والآخرة.

  •  من أهم الفوائد التطبيقية على الواقع :

  1. إحياء البيوت بالذكر والقرآن، وذلك برفع صوت القرآن في البيوت، سواء بالقراءة أو باستخدام الوسائل الحديثة (كالمقاطع المسجلة)، مع الحرص على وضع برنامج ختم قرآن  للعائلة، كل فرد على حسب عمره وقدرته، كما يحسن تنظيم حلقات علمية أسبوعية. فتشع البيوت والقلوب بأنوار الله عز وجل، وتنتشر السكينة والطمأنينة في أنحاء المنزل.

  2. حث الأبناء على الخروج لأداء الفرائض الخمس في المساجد، وعدم الاكتفاء بالصلاة في المنازل، مع عمل برنامج للاهتمام بمسجد الحي وتنظيفه وتعطيره بين فترة وأخرى، والمساهمة في بناء المساجد خاصة في الدول المسلمة النائية التي تفتقد لوجود المساجد .

  3. الحرص على أذكار الصباح والمساء، وتذكير أفراد العائلة بها.

  4. تعاهد النية، وتجديد الإخلاص، وتفقد الإيمان، أعظم جهاد يجب ألا يُهمل، ومن ذلك القراءة المستمرة للقرآن الكريم والاطلاع على سير الصحابة الكرام وقراءة قصص إخلاصهم، أما على المستوى الشخصي: فإخلاص النية لتحويل المباحات إلى طاعات، كاحتساب أجر العمل في ترتيب المنزل، وإعداد الطعام، ومتابعة دراسة الأبناء.

  5. إحياء عبادة التفكر والتأمل في السماء خاصة ، يشحن الإنسان بمدد نفسي من السكينة  والطمأنينة.

 

ثبت بأهم المصادر

  • الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ، أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية ، ت: علي بن حسن ، وآخرون، ط:2، السعودية، دار العاصمة،1419ه.

  • اللباب في علوم الكتاب، عمر بن علي ابن عادل ، ت : عادل عبد الموجود، وعلي معوض، ط1، بيروت: دار الكتب العلمية، 1419ﻫ.

  • تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد، محمد بن محمد ابن عاشور ، د.ط، تونس: الدار التونسية للنشر، 1984ﻫ.

  • البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، أحمد بن محمد ابن عجيبة ، ت: أحمد رسلان،  د.ط، القاهرة، حسن زكي، 1419ه.

  • المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، عبد الحق بن أبي بكر ابن عطية ، ت: عبد السلام محمد، ط1، بيروت: دار الكتب العلمية، 1422ﻫ .

  • لسان العرب، محمد مكرم ابن منظور ، ط: 3، بيروت: دار صادر، 1414ﻫ.

  • إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، محمد بن محمد أبو السعود ، د.ط، بيروت: دار إحياء التراث العربي، د.ت.

  • البحر المحيط في التفسير، محمد بن يوسف أبو حيان ، ت: صدقي جميل، د.ط، بيروت: دار الفكر، 1420ﻫ

  • معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد عمر، ط1، عالم الكتب، 1429ﻫ.

  • تفسير مقاتل بن سليمان، مقاتل بن سليمان الأزدي ، ت : عبد الله شحاته، ط1، بيروت: دار إحياء التراث، 1423ﻫ.

  • تهذيب اللغة، محمد أحمد الأزهري ، ت: محمد عوض مرعب، ط:1 بيروت: دار إحياء التراث العربي، 2001م. 

  • الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله وسننه وأيامه،، محمد بن إسماعيل البخاري  ت: جماعة من العلماء، ط:1، مصر: دار طوق النجاة، 1311ﻫ. 

  • أسس النقد الأدبي عند العرب، أحمد بن أحمد بدوي ، ط:1، مصر: مكتبة نهضة مصر، 1964م.

  • نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، إبراهيم  بن عمر البِقاعِي ، د.ط، القاهرة: دار الكتاب الإسلامي، د.ت.  

  • سرور النفس بمدارك الحواس الخمس، أحمد بن يوسف التيفاشي ، هذبه : ابن منظور،  ت:  إحسان عباس، لبنان: المؤسسة العربية للنشر، 1980هـ.

  • دلائل الإعجاز ، عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني ، ت: عبد الحميد هنداوي،ط.1،  بيروت، دار الكتب العلمية، د.ت.

  • المختصر في تفسير القرآن الكريم،  جماعة من علماء التفسير، ط.3، مركز تفسير للدراسات القرآنية،1436ه. 

  • فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب، الحسين الطيبي، ت:إياد الغاج،  ط: 1، دبي: جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، 1434ﻫ .

  • الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، أحمد بن يوسف الحلبي ، ت : أحمد خراط، د.ط، دمشق: دار القلم، د.ت.

  • الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية، عبدالله بن خضر حمد ، ط:1،  بيروت: دار القلم، 1438ه .

  • الأساس في التفسير، سعيد حوى ، ط: 6، القاهرة: دار السلام، 1424ه.

  • الإيضاح في علوم البلاغة، محمد بن عبد الرحمن القزويني ، ت: محمد خفاجي، ط: 3،  بيروت: دار الجيل، د.ت.

  • التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس الخطيب ، د.ط،القاهرة: دار الفكر العربي، د. ت.

  • عناية القاضي وكفاية الراضي على تفسير البيضاوي ، أحمد بن محمد الخفاجي ، بيروت: دار صادر، د.ت.

  • النبأ العظيم نظرات جديدة في القرآن الكريم، محمد بن عبد الله دراز ، د.ط، بيروت، دار القلم، 1426ه.

  • مفاتيح الغيب، محمد بن عمر الرازي ، ط3، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1420ﻫ.

  • التفسير الوسيط ، وهبة مصطفى الزحيلي ، ط:1، دمشق: دار الفكر، 1422ه.

  • الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل ، محمود بن عمرو الزمخشري ، ، ط: 3، بيروت: دار الكتاب العربي، 1407هـ.

  • لمسات بيانية في نصوص من التنزيل، فاضل بن صالح السامرائي ، ط: 3، الأردن، دار عمان للنشر، 1423ه.

  • مختصر في قواعد التفسير، خالد بن عثمان السبت ، ط:1، دار ابن القيم- دار ابن عفان، 1426ه.

  • تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، عبد الرحمن بن ناصر السعدي ، ت: عبد الرحمن بن معلا، ط:1،مؤسسة الرسالة، 1420ﻫ.

  • مختصر تفسير ابن كثير ، حمد علي الصابوني ، ط7،  دار القرآن الكريم، بيروت، 1402ه.

  • جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، محمد جرير الطبري ، ت: عبد الله التركي،ط.1، دار هجر، 1422ﻫ .

  • المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي ، رمضان عبد التواب ، ، ط:3،القاهرة: مكتبة الخانجي،1417ه.  

  • علوم البلاغة البديع والبيان والمعاني، ، محمد قاسم ، ط:1،  لبنان: المؤسسة الحديثة،2003م.

  • الجامع لأحكام القرآن، محمد بن أحمد القرطبي ، ت: أحمد البردوني، إبراهيم أطفيش، ط2، القاهرة: دار الكتب المصرية، 1384ﻫ .

  • معجم مقاييس اللغة، ، أحمد فارس القَزْوِيني ، ت: عبد السلام محمد هارون، د.ط، بيروت: دار الفكر، 1399ﻫ

  • الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، أيوب بن موسى الكفوي ،  تحقيق: عدنان درويش، محمد المصري، د.ط، بيروت: مؤسسة الرسالة، لا يوجد تاريخ 

  • النكت والعيون، علي بن محمد الماوردي ، ت : السيد عبد الرحيم، د.ط،  بيروت: دار الكتب العلمية، د.ت. 

  • المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله، مسلم ، بيروت: دار إحياء التراث ، 1374ه.

  • البلاغة العربية، عبد الرحمن بن حسن الميداني ، ط: 1، دمشق، دار القلم،1416ه.

  • مدارك التنـزيل وحقائق التأويل، عبد الله بن أحمد النسفي ، ت: يوسف بديوي، ط1، بيروت: دار الكلم الطيب، 1419ﻫ.

  • الوسيط في تفسير القرآن المجيد،  علي بن أحمد الواحدي ، أحمد عبد الموجود، وآخرون، ط: 1،  بيروت: دار الكتب العلمية، 1415ه.

 

 

 

فهرس المحتويات

الله منور السموات والأرض، والمؤمنون المهتدون بنوره

(سورة النور: من الآية 35 إلى الآية 38 )-دراسة  تفسيرية تحليلية/ دلالية

الموضوع

رقم الصفحة

الملخص

32

Abstract

33

المقدمة

34

التمهيد

39

المبحث الأول : الدلالة المعجمية

43

المبحث الثاني : الدلالة النحوية

46

المبحث الثالث: الدلالة الصرفية

49

المبحث الرابع: الدلالة البلاغية

53

المبحث الخامس: الدلالة الصوتية

57

المبحث السادس : الدلالة النفسية والإيحائية

61

المبحث السابع : الدلالة المقاصدية

65

الخاتمة

67

ثبت بأهم المصادر

69