جامعة أكاديميون العالمية AIU :: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ) الإعلام في الإسلام عبر التاريخ
تقاطعنا مع

(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ) الإعلام في الإسلام عبر التاريخ


تفاصيل البحث

 




(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ)

الإعلام في الإسلام عبر التاريخ

د. مشعل بن ياسين المحلاوي

 









﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 30]

 

ملخص البحث

الحمد لله خلق الإنسان، واستخلفه في الأرض لعمارتها، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،،،

فبالتفكر في آيات الله تعالى ومطالعة كتب التفسير، يجد المرء أن الإعلام أساسُ وجود الخلق كلِّه، قبل أن يخلق الله تعالى آدم عليه السلام، حيث أعلم الله تعالى عباده من الملائكة، وأخبرهم، بعزمه على خلق آدم عليه السلام، وحاورهم سبحانه عن هذا الخلق وطبيعته، وأخبرهم بأنه جاعل في الأرض خليفة؛ أي قوما يخلف بعضهم بعضا قرنا بعد قرن وجيلًا بعد جيلًا.

والمتتبع لآيات القرآن، يجد أنه قد رسم معالم الإعلام الصالح المستمد من دستوره الجامع في الدعوة والبيان والبلاغ والإرشاد. 

والمتأمل في كتاب الله يجد آيات صريحة تأمر المسلم بإبلاغ كلام الله إلى غيره من الناس قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[يوسف: 108] وأثنى الله عز وجل على رجل الدعوة المسلم فقال عز وجل ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33] كل هذا يدل على أن الإسلام دين الإعلام والإخبار والنشر والدعوة والإرشاد والانتشار لهداية الناس أجمعين.

ولذا كان هذا البحث ليبين خطورة الإعلام وتأثيره في المجتمعات المسلمة، يبرز الصورة المشرقة للإعلام الإسلامي، ويؤكد أن مهنة الإعلام مهنة من بدء الخليقة منذ خلق آدم، وهو مهنة الأنبياء والإعلامي الحق هو المتمثل لهذه المهنة، في نقل المعلومة للفئة المستهدفة.

يأتي هذا البحث ليبين أهمية دقة المعلومة والتأكد في نقل الخبر وجئتك من سبأ بنبأ يقين، والمنهج الشرعي المستوحى للإعلام المعاصر والاستفادة منه بضوابط النقل وطبيعة المحتوى اتباعًا واقتداء وتأسيًا بالقرآن والسنة.

وأحسب أن هذا البحث أسهم في التأصيل الشرعي للإعلام، وحل مشكلات إعلامية معاصرة، وتعريف المسلمين بأهمية الإعلام في السنة النبوية، والنظرية الإعلامية النبوية بشكل عام، والاستفادة الواقعية العملية من الفعاليات الإعلامية النبوية سواء في وسائل الاتصال بالآخر، أو التعرف المباشر على اختيار الخطاب المناسب للفئات المختلفة، أو غير ذلك مما يندرج في إطاره، وأسأل الله التوفيق والسداد، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

الكلمات المفتاحية: الإعلام ، الاستخلاف،  التبليغ ، المعاصر ، الاتصال.

Abstract

Praise be to God for creating man and appointing him as his successor on the earth to build it, and may blessings and peace be upon our Prophet Muhammad and upon all his family and companions.

By contemplating the verses of God Almighty and reading the books of interpretation, one finds that information is the basis of the existence of all creation, before God Almighty created Adam, peace be upon him, as God Almighty informed His servants of the angels, and told them, of His intention to create Adam, peace be upon him, and He, Glory be to Him, dialogued with them about this creation and its nature. And he told them that he would place a caliph on earth. That is, a people succeeding each other, century after century, generation after generation.

Anyone who follows the verses of the Qur’an will find that it has drawn the features of good information derived from its comprehensive constitution of advocacy, clarification, communication, and guidance.

The one who contemplates the Book of God will find explicit verses commanding the Muslim to convey the word of God to other people. God Almighty said: “Say, ‘This is my way. I call to God with insight. I and those who follow me. And Glory be to God, and I am not of the polytheists.’” [Yus F 108] And God Almighty praised the Muslim preacher, saying: God Almighty: “And who is better in speech than he who invites to God and does righteousness and says, ‘Indeed, I am of those who submit.’” [Fussilat 33] All of this indicates that Islam is a religion of information, information, dissemination, advocacy, guidance, and spreading to guide all people.

Therefore, this research was to show the seriousness of the media and its impact on Muslim societies, highlight the bright image of Islamic media, and confirm that the media profession is a profession from the beginning of creation since the creation of Adam, and it is the profession of the prophets and the right media person is the representative of this profession, in conveying information to the target group.

This research comes to show the importance of accuracy of information and certainty in conveying the news, and I have come to you from Sheba with certain news. And the legal approach inspired by contemporary media and benefiting from it with the controls of transmission and the nature of the content, following, emulating, and based on the Qur’an and Sunnah.

I believe that this research contributed to the legal foundation of the media, and solving contemporary media problems, and introducing Muslims to the importance of media in the Prophetic Sunnah, and the Prophetic media theory in general, and benefiting realistically and practically from the Prophetic media activities, whether in means of communicating with others, or direct recognition of choosing the appropriate speech. For different categories, or anything else that falls within its framework. I ask God for success and guidance, and may God’s blessings and peace be upon our Prophet Muhammad, his family, and his companions.

key words: Media - Succession - Reporting - Contemporary – Communication.

 

المقدمة

الإعلام أساسُ وجود الخلق كلِّه، قبل أن يخلق الله تعالى آدم عليه السلام، حيث أعلم الله تعالى عباده من الملائكة، وأخبرهم، بعزمه على خلق آدم عليه السلام، وحاورهم سبحانه عن هذا الخلق وطبيعته وقدراته وإمكانياته البدنية والعقلية والعلمية، ومهمته في الوجود.

أخبر الله ملائكته بأنه جاعل في الأرض خليفة؛ أي قوما يخلف بعضهم بعضا قرنا بعد قرن وجيلًا بعد جيلًا، فتساءلوا كما في قوله عز وجل ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: 30]. 

هذا السؤال فيه من الدهشة والاستغراب، وهو سؤال استفساري وليس اعتراضيًا لأنهم – وحسب كثير من المفسرين – شهدوا خلائق أخرى قبل آدم عاثت في الأرض فسادًا وأراقت أنهارًا من الدماء، فاعتقدوا، بالقياس، أن المخلوق الجديد سيكون هو الآخر عنيفًا ودمويًا، كما في قوله سبحانه وتعالى ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُون﴾ [البقرة: 30]

والمتتبع لآيات القرآن، يجد أنه قد رسم معالم الإعلام الصالح المستمد من دستوره الجامع في الدعوة والبيان والبلاغ والإرشاد.

ووصف الله تعالى أمة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بأنها خير أمة أخرجت للناس لأنها تأمر بالمعروف وهذه مسألة إعلامية، وتنهى عن المنكر وهذه مهمة إعلامية أيضًا.

فالمتأمل في كتاب الله يجد آيات صريحة تأمر المسلم بإبلاغ كلام الله إلى غيره من الناس قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: 108] وأثنى الله عز وجل على رجل الدعوة المسلم فقال عز وجل ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33] كل هذا يدل على أن الإسلام دين الإعلام والإخبار والنشر والدعوة والإرشاد والانتشار لهداية الناس أجمعين.

لماذا هذا البحث؟

  • خطورة الإعلام وتأثيره في المجتمعات المسلمة.

  • يبرز الصورة المشرقة للإعلام الإسلامي.

  • يحفظ الأمة الإسلامية من هيمنة الإعلام المعادي.

  • مهنة الإعلام مهنة من بدء الخليقة منذ خلق آدم.

  • الإعلام منهج قرآني خطاب من الله للملائكة وإذ قال ربك للملائكة.

  • الإعلام مهنة الأنبياء ولا يظن أنها مهنة نقل الكلام، والإعلامي الحق هو المتمثل لهذه المهنة، في نقل المعلومة للفئة المستهدفة.

  • الاقتداء الأنبياء في نقل المعلومة كما هي، فالنبي سنقل المعلومة كما أوحيت إليه.

  • أهمية دقة المعلومة والتأكد في نقل الخبر وجئتك من سبأ بنبأ يقين.

  • المنهج الشرعي المستوحى للإعلام المعاصر والاستفادة منه بضوابط النقل وطبيعة المحتوى اتباعا واقتداء وتأسيا بالقرآن والسنة.

  • أصبح من الضرورة تحديث الدراسات الدينية والشرعية من خلال الانفتاح على العلوم العصرية الحديثة وتطعيم الدراسات الفقهية والعقدية بها خصوصًا في ظل الحوار مع الغرب أو حوار الحضارات وتلاقح الثقافات، فالدعاة والمثقفون والأكاديميون مطالبون بدور فعال يقومون به ومهمة تلقى على عاتقهم لإعادة إنتاج خطاب إسلامي حديث يستلهم مبادئ الإسلام السمحة المستمدة من كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فعلينا أن نحرص على الاستفادة من قطاع الإعلام وتوظيفه بالشكل الذي يعيده إلى التوازن المطلوب ويوصل رسالة إلى الآخر حول إنسانية وسماحة الإسلام.

  • الإسهام في التأصيل الشرعي للإعلام، وحل مشكلات إعلامية معاصرة.

  • تعريف المسلمين بأهمية الإعلام في السنة النبوية، والنظرية الإعلامية النبوية بشكل عام.

  • إيضاح مدى الإشكال الذي وقع استنادًا إلى تجريد الجانب الإعلامي من معانيه الدينية ورسالته الراقية مبعث التواصل مع الإنسانية.

  • الاستفادة الواقعية العملية من الفعاليات الإعلامية النبوية سواء في وسائل الاتصال بالآخر، أو التعرف المباشر على اختيار الخطاب المناسب للفئات المختلفة، أو غير ذلك مما يندرج في إطاره.

  • إعادة الواجهة الإسلامية الفعالة للعمل في مواجهة جميع ألوان الحرب النفسية وعلى رأسها الشائعات والدعاية الكاذبة وتشويه الحقائق.


وقد جعلت البحث في:

تمهيد: وفيه بيان معنى الإعلام لغة واصطلاحا.

الفصل الأول: الأعلام والوحي الإلهي.

الفصل الثاني: الإعلام والوحي النبوي.

الفصل الثالث: الإعلام في عهد الصحابة والتابعين والعصور الإسلامية.

الفصل الرابع: الإعلام المعاصر تحديات ومأمول.

الخاتمة وفيها النتائج والتوصيات.

تمهيد

مفهوم الإعلام

الإعلام لغة: مصدر الفعل الرباعي أعلمَ، يقال: أعلَمَ يُعلِمُ إعلامًا، وأعلمتُه بالأمر: أبلغته إياه، وأطلعته عليه، جاء في لغة العرب: "استعلم لي خبر فلان وأعلمنيه حتى أعلمه، واستعلَمَني الخبر فأعلمته إياه".

وجاء في اللغة بمعنى التبلیغ یقال بلغني القوم بلاغاً أي أوصلتهم الشيء المطلوب والبلاغ إيصال الشيء للمتلقي أو السامع لقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آیة وحدثوا عني بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدًا فلیتبوأ مقعده من النار).

وبلغ وأنبأ وبين وأوصل بمعنى أعلم وتعني إشاعة المعلومات وإفهامها لهم وبثها وتعميمها ونشرها وإذاعتها على الناس، والإعلام غیر التعلیم لأن الإعلام اختص بما كان أخبارًا سریعة وأما التعلیم فقد ینطوي على التكرار والتكثیر.

وخلاصة القول في تعريف الإعلام لغة: تحصيل العلم عند المتلقي أو المخاطب، فقد یكون جاهلًا به فیعلمه، وقد یكون عالما به فیثبت في ذهنه، فیحصل المقصود منه، والأصل هو تحقیق غایة العلم وهي حصول حقیقة للمتلقي.

الإعلام اصطلاحا: تعددت التعاریف فیه واختلفت في المضمون والشمول للإعلام حسب المفهوم المعاصر وذلك لاختلاف التصورات وتباین الأفكار وتضاد الأهداف التي أنیطت بهذا العلم وبوسائله المعاصرة والحدیثة وهي كثیرة جدًا.

   وسأقتصر على التعریف الذي أخذ به الكثیر من الكتاب المعاصرین وقالوا بأنه أوضح تعریف وهو تعریف العالم الألماني (توجروت) حیث عرفه بأنه: "التعبیر الموضوعي لعقلیة الجماهیر وروحها ومیولها واتجاهاتها في نفس الوقت".

أي أن الإعلام لابد أن یكون صادقًا مجردًا عن المیول والأهواء غیر متحیز قائما على أساس من التجربة الصادقة متماشیًا مع الجمهور الذي یوجه إلیه والإعلام أیضا هو تزوید الناس بالأخبار الصحیحة والمعلومات السلیمة، والحقائق الثابتة التي تساعدهم على تكوین رأي صائب في واقعة من الوقائع أو مشكلة من المشكلات، بحیث یصیر هذا الرأي معتبرا موضوعیًا عن عقلیة الجماهیر واتجاهاتهم ومیولهم.

إن انتشار أي فكرة وظهور أي حزب وشيوع أي معتقد لا يتم إلا بتوفير القاعدة القوية من الإعلام، ومن هنا لم يتوان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بتبليغ الدعوة، وإنما استخدم كل وسائل الإعلام وذللها لهذه المهمة، بل سارع في استخدام وسائل أو صور جديدة لتبليغ الدعوة ونشر الرسالة التي عهد الله بها إليه، وفي هذه الورقات نشير لنماذج من جهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في إعلامه وإبلاغه لرسالة الإسلام.

وقد كان الإعلام يتبع قوة الدولة وضعفها، فإذا قويت قوي إعلامها، وإذا ضعفت ضعف، فإن إعلام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم تميز بين عهدين مكي ومدني وذلك تبعًا لقوة الدولة وكمال سيادتها.
















الفصل الأول

الإعلام والوحي الإلهي

     أعرض في هذا الفصل لنماذج إعلامية يرشدنا إليها تفسير القرآن الكريم، ومنها:

قصة هدهد سليمان:

في القرآن الكريم يقول الله تعالى على لسان هدهد سليمان: ﴿أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ [النمل: 22]، والمتتبع لهذه الآية يرى أن فيها أبلغ المناحي الإعلامية التي ينبغي أن تكون دائمًا، ولتحليل ذلك نقول: إن الكلام الإعلامي في موضوع ما بحاجة إلى أن تكون المعلومات فيه شافية وكافية وهذا ما تؤكد معناه لفظة ﴿أَحَطْتُ﴾ [النمل: 22]، ثم حداثة المعلومة وجدَّتها تجعل لها القيمة الأكبر المهمة فيما يسعى بمصطلحات الصحافة "السبق الصحفي" وهذا ما تحكيه ﴿بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ [النمل: 22]، ولنقل الخبر في موعده المحدد وبالسرعة الكافية كان لا بد من ﴿وَجِئْتُكَ[النمل: 22]، ففيها استشعار تعب جالب الخبر وناقله، وليؤكد على أن بعد المكان لم يكن حاجزًا بينه وبين أن ينقل الحقيقة من مصدره الأصلي ومظانها قال ﴿مِنْ سَبَإٍ﴾ [النمل: 22] ولأن طبيعة الكلام إعلاميًا يجب أن يصدر للقراء بخبر محرر صحفيًا ليكون أداة التواصل معهم قال ﴿بِنَبَإٍ﴾ [النمل: 22]، ومعيار قبول الأخبار من نقلتها أن يكونوا صادقين لم يعهد عليهم الكذب، فلذا رأيناه قال ﴿يَقِينٍ﴾ [النمل: 22]، ليطمئن السامع أو القارئ، فيأخذ الأمر على محمل الراحة.

فهذه أمور جمعت مبادئ الإعلام من خلال القرآن العظيم، وكان من حق من قيلت على لسانه وهو هدهد سليمان عليه السلام أن يكون من أوائل العاملين في مصلحة البريد في التاريخ.

يقول الإمام الفخر الرازي في تفسيره: والنبأ: الخبر الذي له شأن، وقوله ﴿مِنْ سَبَإٍ﴾ [النمل: 22]، من محاسن الكلام الذي يتعلق باللفظ وشرط حسنه صحة المعنى، وقد جاء هاهنا زائدًا على الصحة فحسن لفظًا ومعنى، ألا ترى أنه لو وضع مكان (بنبإ) (بخبرٍ) لكان المعنى صحيحًا، ولكن لفظًا (النبأ) أولى لما فيه من الزيادة التي يطابقها وصف الحال.


قصة السامري:

قصة أخرى تشير إلى الإعلام في القرآن الكريم، وهي قصة السامري، والقارئ لها يلحظ معان كثيرة، والباحث عن الحقيقة سيكتشف أن التفاسير فيها كثير من الإسرائيليات والتحريف.

وردت قصة السامري في القرآن الكريم في سورة الأعراف وفي سورة طه فمن هو السامري؟

السامري مشتقة من الجذر "سمر "وهي التسلية والسامري يعني أيضا "الحاجب أو الحارس".

ويعتبر الكاهن السامري ومن في رتبته من العائلات النخبة والنبيلة في مصر القديمة، وكانت مسؤوليته عدة أمور أهمها أنه رئيس اتحاد العمال الحرفيين فهو معلمهم والمشرف عليهم، كما أن وظيفة الكهنة في مصر القديمة هو إيجاد بيئة ترفيهية ومثالية لخدمة فرعون وملء أوقات الفراغ لديه ببرامج مختلفة من خلال الفن والسحر والمشورة الفكرية.

كان السامري مصدرًا لجمع المعلومات والأموال والهبات من الناس من خلال شبكة من المعابد، وكان السامري يلقي على الفراعنة والعائلات الحاكمة قصص الشعب وخفاياه، لأن جزءًا من أجزاء عمل السامري وشبكته هو جمع المعلومات ونشرها من خلال الاستماع إلى الناس في المعابد الفرعية وتقديم المشورة للشعب بكيفية التصرف، وكانت المعلومات التي يوفرها السامري للنبلاء وللشعب مصدر لكشف الحقيقة والعدالة. 

ويمثل السامري "أعلى منصب كهنوتي "وهو ليس اسمًا لشخص وإنما هو لقب مهني.

 وقصة عبادة العجل لبني إسرائيل هي قصة عميقة ولها مغزى كبير، ويشير القرآن إلى سلطة وحاكمي لها دلالة ومساهمات في العصر الحديث، وهذه السلطة هي سلطة الإعلام والنقابات المهنية، حيث إن الفئة التي توازي النقابات المهنية حاليًا كانت تخضع لسلطة السامري، وسلطة الإعلام والترفيه مرتبطة بالنقابات المهنية التي تعمل على خدمة الإعلام وحماية الطبقة النبيلة. 

إن دور السامري هو دور الإعلام المضلل وقصة السامري تثبت أن بإمكان شخص متنفذ في مصادر المعلومات من خلال ارتباطه بأجهزة الاستخبارات والمتنفذين في الدولة مثل القضاء، والتصنيع والإعلام والسينما بالسيطرة على المشهد وتضليل العامة.

والقرآن الكريم نفسه كما يذكر المؤلف بسام جزار يساعدنا على معرفة المعنى فمثلاً وردة جذر كلمة "بصر" وكلمة "مس" معا في الإشارة إلى علاقة الشيطان أو الطائف مثل "برامج التلفاز" في المس الفكري ولقد أشرنا إلى ذلك بمقال المس الشيطاني معركة السيطرة على البشرية وهذا يعني أن البرمجة بالمس من خلال منطقة ما في الدماغ لديها تأثير كبير على القدرة في الأبصار والتخيل ورسم تصور للمستقبل لدى عامة الناس. 

إن الحوار في الآيات أعلاه يبين أن السامري استطاع من خلال جمع المعلومات الأبصار إلى حالة مستقبلية يرغب الجميع بها من خلال عمل ما يشابه حاليًا استطلاعات الراي ومعرفة توجهات العامة، وبالتالي قياس الاتجاهات والمعلومات من الشعب ومراكز القوى يساعد في رسم السياسات المستقبلية ويساعد أيضا في وضع السياسة الإعلامية المناسبة.

تتابع الآية ﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً﴾ [طه: 96]، ويعني بذلك أن لدى السامري مهارة في جمع المعلومات والتحكم بها وإقصاء المعلومات غير المرغوب بها بالنسبة لصاحب القرار، ولقد أشار الأستاذ بسام جرار إلى أن الرسول هو "النبي موسى عليه السلام" وليس "جبريل عليه السلام" كما تدعي الإسرائيليات وهذا قد يصح لأن القرآن الكريم عرف الرسول في أكثر من موضع بأنه هو من يحمل رسالة الله في الأرض لنشر دين الله من خلال "الرسل" من بني آدم. 

استطاع السامري من خلال الاتصال مع وجهاء القوم ومن خلال سياسته الإعلامية "بصنع عجل له صوت الخوار" أن يكون مشهدًا سينمائيًا وإعلاميًا يقوم بإكمال المشهد السياسي وبناء المنظومة القديمة من جديد تحت سيطرته، فهذه المرة الاله ليس كائنًا وإنما "جسد" وهو بالتالي ضلل الناس عن مركز اتخاذ القرار الحقيقي، والجسد هنا يشكل الإنتاج الإعلامي الغير حقيقي كالعمل المسرحي، ويظهر أن المشاهد المختلفة تعمل على التأثير "بإبصار الناس" وتعمل على برمجتهم من خلال البرمجة بالمس، ولقد أشار القرآن إلى طريقة التخلص من هذا التأثير من خلال تحييد العاطفة والاندفاع وتحميص الأفكار واستخدام المنطق وعدم التأثر بالشائعات والعادات والمعلومات المضللة.

لقد أراد السامري استغلال الدين واستطلاعات الراي ووجهاء القوم في استعادة نفوذه من جديد الذي يحن اليه ويبدوا أن للإعلام دورًا في نفاذ صبر المشاهدين وبالتالي رسم تصور خاطئ عن طريقة صنع المستقبل الذي وعدهم الله به في حال ثباتهم وصبرهم وطاعتهم له! واستطاع السامري بإقناع العامة بأن ما سرقوه من ذهب وحلي يجب أن يتخلصوا منه حتى يظهر لهم الرب ويرضى عنهم ويغفر لهم، واستطاع السامري إعادة منظومة العادات القديمة من خلال ترويج الأفكار السائدة على حساب الأفكار التشريعية التي جاء بها موسى عليه السلام، وبالتالي غلبت العادة على العبادة نتيجة التضليل الإعلامي وتضليل وجهاء القوم وجهل بني إسرائيل، وهذا يعني أن عمليات التضليل الإعلامي والإنتاج الإعلامي المشابه لإنتاج هوليود عن نهاية العالم هو مؤشر لعمليات نقل ثروة كبيرة من الأدنى نحو المركز في أعلى الهرم.

ويبدوا أن ما جمعه السامري أكبر بكثير مما يكفي لصناعة عجل، بحيث آمن السامري ووجهاء القوم نظامًا اقتصاديًا يؤمن لقوم بني إسرائيل المأكل والمشرب مقابل العمل في أعمال معينة ونقل حماية الشعب وقراراته إلى العجل الخوار! وقاموا بطرح نقد أقل بكثير مما هو متوفر وأن المنظومة التي طرحوها تشابه المنظومة البنكية الحالية الهرمية والتي تعمل على نقل الأصول والإنتاج والثروة من الأدنى للأعلى وتمركزها بالنخبة المعولمة من أولياء الشيطان. 

ويظهر بأن السامري تعلق بالجسد الخوار تعلقاً كبيرًا لأنه يمثل نفوذه وموهبته وثروته وأن هذا التعلق يشبه تعلق كثيرين ممن يخدمون نظام العولمة بموهبتهم وثروتهم ونفوذهم، فما كان من موسى عليه السلام إلا بتدمير العجل الخوار وهو يمثل تدمير الغاية الدنيوية وتدمير أساس نفوذ أولياء الشيطان، وبالتالي تعطيل دافعية الآلة المضللة المتمثلة بالسامري وينتج عن ذلك تدمير مركز تجمع الثروة وتدمير أي فكرة أو أي ترويج وأي إنتاج إعلامي يتعارض مع عقيدة التوحيد ويعمل على تفتيت الأمة.

ومن الدروس المهمة في هذه القصة: الحذر من شخصيات كشخصيات السامري عندها قدرة على البهرجة بالقول، وخداع الناس، وصنع الأشياء التي تذهب بالقلوب، وتحير الألباب، فهؤلاء الأشخاص لا بد من الحذر منهم، ومن عذوبة منطقهم وحلاوة ألسنتهم، أو دقة صنعتهم، فإن هناك كثير من يقوم بدور السامري بين المسلمين.










 

الفصل الثاني

الإعلام والوحي النبوي

إن ظهور الإسلام جعل للإعلام صورًا جديدة لم يعرفها العرب من قبل، بالإضافة إلى صور أخرى قديمة احتفظ بها وكانت معروفة في العصر الجاهلي.

أما الصور القديمة التي احتفظ بها الإسلام فهي القصيدة الشعرية وإن لم يصبح لها في الإسلام شأن كبير كما كان الحال في الجاهلية ومنها الخطابة والتي أصبح لها في الإسلام شأن أكبر من شأنها في الجاهلية، ذلك أن الخطابة فن الإقناع وأنها لا تزدهر في عصر من العصور كما تزدهر في عصر الثورات، ولذلك بلغت الخطابة أوجها على يد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأيدي الخلفاء الراشدين من بعده: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي الذي كان مضرب المثل في البلاغة العربية، رضي الله عنهم أجمعين.

وغير القصيدة الشعرية، والخطابة، احتفظ الإسلام بصورة إعلامية أخرى مثل: الأسواق والندوات نظرًا لاتصالهما اتصالًا قويًا بحياة الناس في كل زمان ومكان.

أما الصور الجديدة للإعلام والتي لم يعرفها العرب من قبل فهي القرآن الكريم، والحديث الشريف، والخطب النبوية، والآذان لإقامة الصلاة، والغزوات، والسرايا الحربية التي كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده يقومون بتنظيمها لاستطلاع حال العدو وإعلامه أن الدين الجديد له من القوة الحربية ما يستطيع بها المحافظة على نفسه في الداخل والخارج، ويضاف إلى ذلك مواسم الحج والتي كانت ميدانًا كبيرًا للإعلام والدعاية للعقيدة الإسلامية.

وكان العهد المكي عهد بداية وضعف وسرية ومسالمة، وقد تميز ذلك العهد عمومًا باضطهاد الدعوة وأتباعها، ولذلك كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يعتمد على تبليغ دعوته بالأساليب الفردية السرية، أو العاطفية والعصبية القبلية، ومن هذه الأساليب:

المبحث الأول

 أساليب الخطاب الإعلامي

  • في العهد المكي:

 أـ الخطاب الدعوي الإعلامي المعتمد على العاطفة والعصبية القبلية:

إن أي خطيب إعلامي أو سياسي يرتكز لنشر أي فكرة أو أي خبر على قوة البيان الإعلامي عنده، الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد تخير أفضل السبل وأقوى الأساليب لمرحلة إعلان الجهر بالدعوة، كما وشح إعلانه بالخطاب العاطفي والعصبية القبلية مع الحملة الدعائية الصادقة لشخصه الكريم صلى الله عليه وسلم .

فقد أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال لما نزلت ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ ]الشعراء: 214 [ صعد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على الصفا، فجعل ينادي: يا بني فهر! يا بني عدي! لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيَّ؟ قالوا: نعم ما جربنا عليك إلا صدقاً، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.

ب ـ الاجتماعات السرية في العرض على القبائل:

لما يئس الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من إيمان أهل مكة عمد لنشر الدعوة بطرق جديدة، فأختار لذلك عرض الدعوة على القبائل في موسم الحج، ولما أن هيأ الله تعالى له الأنصار من الأوس والخزرج فقبلوا الدعوة وآمنوا به بدأ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم تحركه الدعوي والسياسي والإعلامي معهم في موسوم الحج، وكانت الاجتماعات بينه وبينهم تعقد سرًا، وهذا ما تقوم به جميع حركات الإصلاح في العالم حيث تبدأ نشاطها سرًا للتوعية والتحذير من وضع راهن أو مستقبل مخيف، وخاصة إذا لم تكن في موضع القوة والغلبة كما كان حال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .

ج ـ الجهر بالقرآن الكريم على مسامع قريش : 

روى أنه لما نزلت سورة (الرحمن) قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: لأصحابه من يقرؤها منكم على رؤساء قريش، فتثاقلوا مخافة أذيتهم، فقام ابن مسعود وقال: أنا يا رسول الله، فأجلسه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال: من يقرؤها عليهم فلم يقم إلا ابن مسعود، ثم ثالثاً كذلك إلى أن أذن له، وكان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يبقى عليه لما كان يعلم من ضعفه وصغر جثته، ثم إنه وصل إليهم فرآهم مجتمعين حول الكعبة، فأفتتح قراءة السورة، فقام أبو جهل فلطمه فشق أذنه وأدماه، فانصرف وعيناه تدمع، فلما رآه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم رق قلبه وأطرق رأسه مغمومًا. 

د ـ السفراء ومهمة الإعلام والتعليم:

لم يكتف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بإيمان أصحاب العقبتين قبل الهجرة إلى المدينة، بل أراد أن يطمئن على نشر الدعوة وتهيئة الأجواء لرسوخ الدين وملاءمة الحال للهجرة، فأرسل مصعب بن عمير رضي الله عنه إلى المدينة مع من أسلم من أهلها، سفيرًا يبلغ الدعوة وينشر رسالة الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة.

  • أساليب الإعلام النبوي في العهد المدني: 

لما استقر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة بدأ عصر النهضة والقوة لدولة الإسلام، وبدأ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بأساليب إعلامية جديدة تواكب عصر القوة والنهضة هذا، فبدلاً من الاجتماعات السرية في جوف الليل والخطب المتفرقة جعل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم المسجد والأذان فوقه والخطبة في وضح النهار، بل وجهر بدعوته أمام ملوك الأرض.

1ـ وسيلة المسجد وخطبة الجمعة:

فقد كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يوجه خطابه الدعوي والتربوي للأمة من خلالهما، حيث هما السبيل القويم لنشر الدعوة وتبليغ الرسالة، وهما أول وسيلتين استخدمهما الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في هذا العهد الجديد، بل وقبل أن يدخل المدينة إذ كانت أول خطبة جمعة له في قباء بعد بناء مسجدها، وبذلك ينتقل إلى أسلوب الخطاب الجماعي واللقاءات العامة.

2 -وسيلة الأذان:

الأذان لغة: الإعلام، واصطلاحاً: هو الإعلام بدخول وقت الصلاة .

والأذان دعوة صريحة في قول المؤذن: حي على الصلاة حي على الفلاح لشهود الجماعة مع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أجاب هذه الدعوة الصحابة فما كان يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى بالرجل يتهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، وقد وفّر الأذان السبل لاجتماع الصحابة الكرام كل يوم خمس مرات مع صيحات الأذان، فإذا عقد الاجتماع المبارك هذا جاء دور الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ليشرح للأمة قواعد بناء الدين والدنيا، فمن خلال الأذان نشر الدين وعمم.

3ـ وسيلة المنبر الإسلامي:

استخدم الخطباء المنبر قديمًا وحديثاً، فلا نكاد ترى خطبة إلا ولها منبر، ولقد سارع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في اتخاذ المنبر كي تكون الخطبة أوقع في النفس، لا سيما ما يصاحب المنبر من مكانه، وما يصاحب حال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في خطبته، فجعل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم المنبر الإسلامي في المسجد وسيلة إعلامية جديدة، وكان حال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في خطبته من انفعاله واحمرار عينه كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم، وبلغ من اهتمام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالمنبر ورسالته أنه وقف يخطب على جذع نخلة قبل أن يصنع له المنبر، وهذا تأكيد نبوي لدور المنبر وما يلقى عليه من بليغ النصح والإرشاد.  

4ـ وسيلة إرسال الكتب ومخاطبة الملوك :

من وسائل الإعلام النبوي مخاطبة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لملوك الدنيا وإرساله الكتب وبعث الرسائل إليهم، حيث بدأ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في العام السادس للهجرة بمخاطبة الملوك للدخول في الإسلام، وذلك بعد أنْ أمّن جانب قريش حين أبرم معها اتفاقية الصلح والسلام في الحديبية، واتخذ الخاتم ليمهر به الكتب التي أرسلها إلى الملوك . 

ومن يتأمل في كتب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الموجهة للملوك يعلم أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد دعاهم للانضمام لدولته العظيمة، فضلاً عن الاعتراف بها وهذا أقوى وأظهر للعيان لعزة ومكانة الأمة الإسلامية.    

إن إرسال الكتب ومخاطبة الملوك هو إعلان وإعلام نبوي لدعوته المطهرة للدنيا بأسرها، فأين قنوات إعلامنا الإسلامي اليوم من مخاطبة أمم وشعوب ومسئولي الأرض، هذه نماذج من وسائل وأساليب الإعلام النبوي في حالة السلم في كل من مكة والمدينة.

 

المبحث الثاني

إعلام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في الحروب

من البديهي القول: إن اشتعال الحروب ونشوبها واستعار أوارها تغاير أحوالها حال السلم في أغلب الأمور، ومنها الإعلام، لذلك نهج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في إعلامه في الحروب سبلاً تناسب مقام القتال والمعارك، ونشير لبعض ذلك في هذه المطالب:

1ـ سبل التضليل الإعلامي زمن الحرب، "الحرب خدعة"

هذا المصطلح "الحرب خدعة" هو مصطلح نبوي حربي عسكري، استعمله الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب وأرشد إليه نعيم بن مسعود رضي الله عنه بعدما هداه الله للإسلام، فأمره أن يخذل عن المسلمين ما استطاع وأذن له في التقول. 

كما أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد استخدم التورية في الحرب أيضًا، وذلك في غزوة بدر عندما ورّى عن الشيخ البدري الذي سأله عن قريش وأخبارها؟ فقال ذاك الشيخ: لا أخبرك حتى تخبرني من أنت: فقال له الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: أخبرني أخبرك، فلما أخبره سأل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ فقال له: "نحن من ماء" ثم انصرف.

ولا زالت الدنيا إلى يومنا هذا تعمل بهذا المبدأ من الخداع والتمويه في الحروب، ولعل أقرب مثال مر بنا في عصرنا ما تناقلته وكالات الأنباء عن تزويد روسيا للعراق بأخبار الحرب الكاذبة من عدد للقوات والأسلحة وغير ذلك، فالتضليل الإعلامي في الحرب سبق فيه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قادة الحروب وإعلاميها بأسرهم، حرصًا على النصر، وللمحافظة على الأرواح كما فعل يوم الفتح، يقول كعب بن مالك: كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إذا أراد حرباً ورّى بغيرها.

2ـ إعلان الحرب من أجل الحرية والتحرر:

شاع في الآونة الأخيرة مصطلح الحرب من أجل التحرر أو الحرية أو استرجاع الحقوق، ولا داعي لضرب الأمثلة على ذلك فما حروب العصر الراهن إلا تحت هذا المسمى، ولو كانت كاذبة فيه.

وإن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم استخدم روح هذا المبدأ بحق وصدق، فكانت حروبه من أجل الحرية والتحرير واسترجاع الحقوق. 

فمن غزوة بدر إلى فتح مكة، كانت حروب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وسراياه كلها تحافظ على هذا المبدأ وهذا الشعار، لا تخالفه أبدًا. 

ولعل أصدق مثال وأوضح شاهد على صدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في شعاره الحرب من أجل الحرية: فتح مكة، فقد أعلن الحرية لأهل مكة بقوله لهم أمام البيت الحرام: اذهبوا فأنتم الطلقاء، فما كانت حروبه للغنائم وجمع الأموال والأطماع في خيرات البلاد من نفط وغيره، بل كان يعطي من يحاربهم عطاء من لا يخشى الفقر. 

3ـ وسيلة إرهاب العدو:

   قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُم﴾ ]الأنفال 60[

كما إن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أراد أن يعلم أبا سفيان قوة المسلمين في فتح مكة ويدخل في قلبه الرعب، فأمر أن يوقف به على ثنية على طريق المسلمين وهو ينظر إلى جيش المسلمين كتيبة كتيبة، فلما مرت به كتيبة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قال أبو سفيان: من هؤلاء؟ فقال العباس بن عبد المطلب: هذا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء في المهاجرين والأنصار، فقال أبو سفيان: ما لأحد بهؤلاء قِبَلٌ ولا طاقة.

إذن، فأول مراحل النصر هي هزيمة العدو نفسيًا وهي البشائر لهزيمته فعليًا وهذا ما حرص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على فعله، حيث سخر الإعلام للمعركة.

4ـ وسيلة نشيد الموت أو غناء النصر:

إذا كان الحداء يبعث بالجمال على الغذ بالسير، فإن الغناء أو النشيد بالحروب يبعث بالنفس على الثبات والإقدام، وهذا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يستخدم هذه الوسيلة الإعلامية لنشر الروح المعنوية الداعية للثبات والإقدام، فارتجز الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لنفسه بقوله عليه الصلاة والسلام: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب.

وذلك حين انكشف المسلمون في ساحة حنين، فرددها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مثبتاً من بقي من أصحابه معه، كما كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يحرص على الشعر والملاحم أثناء المعارك لأثرها البالغ في نفس المجاهد، وهذا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يحض حسان بن ثابت على هجاء المشركين بقوله: (اهج المشركين فإن روح القدس معك)..

ومازالت العرب قديمًا وحديثاً تتفاخر بمعاركها وملاحمها مع أعدائها، ومن هذا القبيل تغنت الأنصار بيوم بعاث.

وما تردده وتبثه وسائل الإعلام أثناء المعارك والحروب من الغناء الحماسي والأشعار المهيجة من هذا الباب كي تدعو النفوس إلى الثبات والإقدام.

الإسلام هو دين الإعلام بامتياز، فقلما تجد ديناً في الدنيا يحظى بهذه التغطية الإعلامية الكبيرة التي يحظى بها الإسلام، بل إن الإسلام والإعلام مرتبطان ببعضهما البعض منذ فجر الرسالة. 

فالحرب الحقيقية التي خاضها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة هي الحرب الإعلامية، هذه الحرب هي أصعب ألف مرة من الحرب التقليدية، فهي حربٌ مفتوحة دائمًا من الطرف المعادي للإسلام، يستخدم فيها العدو أشرس أنواع الأسلحة الإعلامية في بعض الأحيان، وفي أكثر الأحيان يستخدم أقذرها، لذلك انتبه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بحكمته المعهودة لهذه الحرب، فأسس وحدة من المجاهدين الأبطال، مهمة هذه الوحدة كانت تفوق باقي المهمات العسكرية بالأهمية في كثيرٍ من الأحيان.    

هذه الوحدة هي وحدة الإعلام الإسلامي، شكَّلها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من الشعراء بالتحديد، وسبب اختيار الشعراء بالذات يكمن في أن الشعر كان هو وسيلة الإعلام الوحيدة بين العرب، وليس عندي من الشك أدناه، بأنه لو كانت هناك صحفٌ في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، لجنّد لها بعض الصحافيين الإسلاميين.  

إن قوة الكلمة في الإسلام لا تقل عن قوة السيف أبدًا، بل إنها كما وصفها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أشد على الكفار من نضح الإبل، وما انتشر الإسلام في الجزيرة العربية إلا بكلمات خرجت من فم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وما حكمنا العالم من أقصاه إلى أقصاه إلا بكلمات من أفواه الدعاة، وما تخلفت هذه الأمة إلّا بعد إهمال المسلمين للإعلام والإعلاميين، فصارت أمنية الوالد المسلم أن يجعل من ولده طبيبًا أو مهندسًا، أم الإعلامي فهي مهنة ابتعد عنها المسلمون.

مع العلم أن الإعلام الإسلامي يعتبر فرضًا من الفروض، فالإعلام هو الكلمة المرادفة للدعوة، ودعوة البشر للإسلام وتوضيح صورة الإسلام لغير المسلمين هو فرض على المسلمين.

أقوى سلاح يملكه المسلم هو الكلمة، فبالكلمة أسلم عمر بن الخطاب الذي كان يريد قتل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وبالكلمة تحول خالد بن الوليد من أشد أعداء الإسلام إلى أعظم فاتحٍ في تاريخه، وبالكلمة ناظر موسى عليه السلام فرعون أشرس جبارٍ في الأرض، وبالكلمة دعا إبراهيم عليه السلام أباه، وبالكلمة كان عيسى عليه السلام، وبالكلمة طار هُدهُد سليمان عليه السلام إلى بلقيس، وبالكلمة دعا يونس عليه السلام ربه في بطن الحوت، وبالكلمة نادى زكريا عليه السلام ربه نداء خفيًا، وبالكلمة -لا بالسلاح- دعا نوح عليه السلام قومه 950 سنة. 

وبالكلمة ملكنا قلوب الشرق والغرب، وبالكلمة بنينا حضارتنا العظيمة، وبالكلمة كتبنا أعظم كتب الدنيا، وبالكلمة دافع إعلاميو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، فلقد كون أعظم قائدٍ سياسيٍ في تاريخ الإنسانية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وزارة للإعلام الإسلامي المجاهد، مهمتها الدفاع عن سمعة الإسلام والمسلمين، فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن كقادة بعض الجماعات الإسلامية الذين لا يحركون ساكنًا لشرف الصحابة وأمهات المؤمنين، بل كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم غيورًا على شرف أصحابه ونسائه، فشكل على الفور مجموعة من خيرة شعراء الإسلام على رأسهم الأسماء العملاقة التالية:  

(حسان بن ثابت - عبد اللَّه بن أبي رواحة - كعب بن مالك - كعب بن زهير بن أبي سلمى) هؤلاء الإعلاميون الإسلاميون قاموا بالدفاع عن الإسلام والمسلمين خير دفاع بكلامهم وشعرهم، فالشعر في الإسلام ليس حرامًا.

ولكن الإسلام حدد الاتجاهات الشعرية التي يجوز فيها للمسلم أن ينظم الشعر، وهو يتلخص بقول اللَّه عز وجل في سورة الشعراء: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ،﴾.

إن الآيات لا تنطبق فقط على الشعراء، بل تنطبق على جميع الكتّاب والمؤلفين بل وعلى جميع الإعلاميين بشكلٍ عام، فنصرة الإسلام تعتبر شرطاً أساسيًا في شرعية العمل الإعلامي، فليسأل كل أديبٍ وكل شاعرٍ وكل مذيعٍ نفسه سؤالًا، هل العمل الذي أقوم به فيه نصرة للإسلام أم لا؟ فإذا كان كذلك فبها ونِعم.

فلقد جاء الوقت للأمة الإسلامية أن تنهض إعلاميًا، وأن تهتم بكليات الإعلام، ففي هذا الوقت بالتحديد، يستخدم أعداء الإسلام الإعلام بشكلٍ بشعٍ للغاية لتشويه صورة الإسلام والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ونحن ما زلنا في سباتنا العميق، فدونكم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم احموه بالإعلام. 

كان الشاعر الإسلامي أديبًا عظيمًا ينسج من الكلمات ما يزلزل به كيان المشركين، فقد كان الشاعر أيضًا مجاهدًا عسكريًا عظيمًا، يحمل السلاح وقت الحاجة للدفاع بروحه عن دين اللَّه، فلقد برز من بين شعراء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قائدٌ عسكريٌ بطلٌ حمل راية الإسلام عاليًا، فسقاها بدمائه تضحية، كما سقاها قبل ذلك بمداده شعرًا، فكان هذا الشاعر الإسلامي البطل أحد ثلاثة قوّادٍ إسلاميين، قدّموا حياتهم وهم يحملون نفس الراية، فكانوا وبحق أعظم ثلاثة قِوادٍ في تاريخ الجنس البشري يسقطون دفعة واحدة: فأوَّلهم كان أحد العشرة المبشرين بالجنّة، وثانيهم كان الطيّار وثالثهم كان شاعر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم شخصيًا، وكانت الشاعرات النسوة لهن دورًا كبيرًا في هذا المجال وهن أروى بنت الحارث، وأروى بنت عبدالمطلب، وأسماء بنت أبي بكر، وأسماء بنت عميس، وأم البراء، وأم ذرّ، وأم رعلة القشيرية، وأم سلمة، ولبابة بنت الحارث، وأم نبيط، وأم الهيثم النخعية، وأمامة الزبذية، وأميمة بنت رفيقة، وبركة بنت ثعلبة، وبكارة الهلالية، والبيضاء بنت عبد المطلب، والخنساء، وحفصة بنت عمر، وخولة بنت الأزور، وخولة بنت ثابت، ودرة بنت أبي لهب، ورقيقة بنت أبي صيفي، ورقية بنت عبد المطلب، وزينب بنت علي، وزينب بنت العوام، وسعدى بنت كريز، وسودة بنت عمارة، والشيماء بنت الحارث، وصفية بنت عبد المطلب، وضباعة بنت عامر، وضبيعة بنت خزيمة، وعائشة بنت أبي بكر، وعاتكة بنت زيد، وعاتكة بنت عبدالمطلب، وعمرة بنت دريد، وعمرة بنت رواحة، وفاطمة بنت محمد، عندما هجا عبدالله بن الزبعرى شاعر المشركين آنذاك الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك عندما هجاه أبو سفيان وكان على شركه، فسأل يومها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه، من يدافع عنه، فتقدم علي رضي الله عنه، وتقدم كعب بن مالك وسواهما، وبقي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم صامتًا حتى جاء حسان بن ثابت وأخرج لسانه، فسأله الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كيف تهجوهم وأنا منهم؟ فقال له: أسُلك منهم كما تسلُّ الشعرة من العجين، فقال له: اذهب وروح القدس تؤيدك، والزم أبا بكر فإنه نسابة العرب، أي أعلم الناس بالأنساب، ويمكن أن يرشده إلى الصلات والأرحام. 

   وأمام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قال النابغة الجعدي :بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرًا  فسأله الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: إلى أين يا أبا ليلى؟ فقال: إلى الجنة، فأجابه: لا فُض فوك. ويومها قال لبيد بن ربيعة شاعر المعلقة وقد أسن، وهو من المؤلفة قلوبهم: أبدلني الله البقرة وآل عمران بالشعر.

إن المقاييس النقدية التي كان على أساسها يحكم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على الشعر ويبني نقده وتوجيهه له، هي المقاييس والأسس الإسلامية التي جاء بها القرآن الكريم، من التسامح والتواضع والعدل والإحسان والخلق الحسن، وهي الأسس والمقاييس العربية التي أقرها الإسلام، كالكلام والشجاعة والنجدة وحفظ الجوار، وهذه الأسس تتصل بالمعاني التي يجب أن يدور حولها الشعر. 

وإذا كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد اتخذ من المعاني الإسلامية والتوجيهات الخلقية لهذا الدين مقياسًا وأساسًا ينقد الشعر على أساسه، ويصلح منه، فإن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد اتخذ من القرآن الكريم - أيضا - أسلوبًا ولفظاً ونظماً أساسًا له ومنهاجًا؛ لما امتاز به من سماحة في القول، وسلامة في التعبير، وطبيعية في الأسلوب، وبعد عن التكلف والغلو.

ولا نعجب إذ رأينا شعراء المسلمين يتمثلون القرآن الكريم في شعرهم - على اختلاف فنونه وأغراضه - يتمثلونه معنى وموضوعًا، وأسلوبًا ونظمًا، فيبنون فخرهم ومدحهم وهجاءهم على أسس من المبادئ الإسلامية، والقيم الأخلاقية الرفيعة التي استحدثها الدين الإسلامي، في هذا المجتمع الجديد، وعلى دعامة من الفضائل العربية التي أقرها الإسلام، كما كانوا يتخذون من بلاغة القرآن وسحر بيانه أساسًا لنظمهم ودعامة لبيانهم.

الفصل الثالث

الإعلام في عهد الصحابة والتابعين والعصور الإسلامية

كان للإعلام والصحافة دور هام في الخلافة الراشدة (632-661 م)، حيث تحولت الصحافة إلى وسيلة لنشر الأخبار والمعلومات المهمة للجماهير، وتعتبر أول عهد لممارسة الصحافة في العالم الإسلامي.

وتمكنت الصحافة في الخلافة الراشدة من نقل رسالة الإسلام والخلافة ودعوة المسلمين إلى تطبيق القرآن والسنة، كما نشروا الأخبار والمعلومات عن الأحداث الهامة التي حدثت في الدولة الإسلامية والأمور الجارية في الرعاية الاقتصادية والتعليمية، وهذا ساهم في تعزيز الوعي الجماهيري وتسهيل التواصل بين الناس.

وبالإضافة إلى ذلك، تعاملت الصحافة مع الأخطاء والأفعال التي لا تتفق مع مبادئ الإسلام والخلافة وكشف عن الفساد والتقصير في الأداء، في محاولة لتحفيز النظام الحاكم على القيام بواجباته ومؤدي مسؤولياته على أكمل وجه.

إن دور الصحافة والإعلام في الخلافة الراشدة محدودًا نسبيًا نظرًا لعدم وجود الوسائل التقنية المتاحة اليوم، ومع ذلك، كان للصحافة والإعلام دور مهم في نشر الأخبار والأحداث وإعلام الناس بقرارات الحكومة والقضايا الهامة، وتمتلك المكتبة العامة في المدينة المنورة، التي تأسست في عهد عمر بن الخطاب، أكبر مجموعة من الكتب والمخطوطات في العالم الإسلامي، وقد تم تشجيع الناس على العلم والتعليم وإنشاء مدارس وجامعات لتدريس العلوم الدينية والدنيوية، كما تم تحرير الإعلام وضمان حرية التعبير في حدود القانون، وذلك بتقوية مؤسسات القضاء والإنصاف ومنع التعدي على حقوق الآخرين.

لم يتغير نهج الإعلام بالدعوة في العهد الأموي في كثيـر من الأمور الأساسية، فالقرآن والسنة هما على رأس مقومات الدعوة، ثم الأساليب والوسائل التي كانت في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام لم يطرأ عليها جديد، إلا أنه حدثت حوادث وفتن تحول بعدها الحكم الإسلامي من البيعة والانتخاب إلى الحكم الوراثي؛ مما أدى إلى تكوين الفرق والطوائف التي نشأت بينها الحروب المسلحة، فأضعفت من قوة المسلمين، وصرفتهم عن الاشتغال بالدعوة إلى االله تعالى كما ينبغي، ومن أجل هذا طرأ على المفاهيم الإعلامية للدعوة في هذا العصر مفاهيم جديدة مثل الدعوة إلى الحكم الوراثي، وتأييد الحكم الأموي مما سبب بعض الوهن في صفوف المسلمين، وعلى كل حال لا ينسينا هذا ما قام به الأمويون من أعمال مجيدة في ميدان الدعوة، وهم الذين قاموا بالجهاد في سبيل االله، ووسعوا رقعة الدولة الإسلامية، وأدخلوا أممًا كثيـرة في الإسلام، ومنهم الدعاة الذين أمروا بتدوين السنة النبوية، وأحسنوا اختيار الولاة والقضاة وأصحاب الخراج الأمناء، ومنعوا اضطهاد الشيعة وأنشؤوا دورًا لإطعام الفقراء، وأنفقوا على أهل الذمة من بيت المال، ومنهم عمر بن عبدالعزيز؛ وهو صاحب القولة المشهورة لعامله على الخراج في مصر: (وضَعِ الجزية عمن أسلم فإن االله قد بعث محمدًا هاديًا ولم يبعثه جابيًا، بهذا الأسلوب وهذه السياسة دخل الكثيرون في الإسلام، وعاد إلى الأذهان عهد الراشدين رضوان االله عليهم.

ولا بد من الذكر هنا أنه نتيجة للأحداث والحروب والفتن التي حدثت في الدولة الأموية؛ نشأت فرق وطوائف كثيرة أثرت كثيرًا في ميدان الدعوة إلى االله تعالى، حيث كان لكل فرقة منهجها وأسلوبها في الدعوة ونشر مذهبها ورأيها، ولكن ظهرت هذه الأمور بوضوح أكثر في الدولة العباسية. 

تكونت الدولة العباسية على أنقاض الدولة الأموية، وتفتح المسلمون على ثقافات كثيرة متنوعة منها الفارسية والرومانية والهندية وغيرها، ونشط المسلمون في مختلف العلوم في المجتمعات المختلطة، ونشطت الحركة العلمية، وازدهر الفقه والحديث، وظهر كبار المؤرخين وكتاب السير والفلاسفة وعلماء اللغة، حيث بقي للمسلمين قدم السبق في تلك القرون الثلاثة الأولى من العهد العباسي والقرون التي تلتها، ثم يأتي الضعف والوهن فيعشش في الدولة العباسية، ويحدث التفكك السياسي نتيجة للشعوبية وتمرد الفرس واستبداد الترك بالخلافة؛ مما أدى إلى الحركات الانفصالية، وتكوين دويلات داخل الدولة الكبيرة؛ مما أضعف من شأنها وأطاح بقوتها، واستمر الحال حتى ضرب المغول الدولة الضربة القاصمة، ثم استولى عليها الصليبيون فساموا المسلمين سوء العذاب بدءًا من الأندلس وانتهاءً ببلاد الشام، ونتيجة لهذا الحال لم تجد الدعوة إلى االله تعالى رعاية كافية سوى بعض المجهودات الفكرية، والتي كان من أثرها انتشار الإسلام في كثير من البقاع، ودخل في الإسلام شعوب كثيرة، وأعلموا الناس بالدعوة في بلاد فارس وخراسان، وبلاد ما وراء النهر وبلاد الديلم، وفي أفريقية، وأوروبا، ولقد كانت وسيلتهم في هذا هي الاختلاط بالناس يتآلفونهم ويصاحبونهم ويتعاملون معهم، ويظهرون لهم عمليًا محاسن الإسلام، فكانوا السبب في نشر الإسلام في أندونيسيا وبلاد الشرق الأقصى والصين، ولقد ساعدهم في ذلك يسر الإسلام ووضوح مبادئه، حتى إن المسلمين الجدد كانوا يسارعون في إعلام إخوانهم وذويهم وأهاليهم بالإسلام، وكان عدد الداخلين في الإسلام عن هذا الطريق أكثر  من عدد المسلمين الذين دخلوا الإسلام عن طريق الفتح الإسلامي لبلادهم.

وأما ما يتعلق بالعهد الفاطمي: فتعتبر الدولة الفاطمية صاحبة نظام إعلامي فريد لم تسبقها إليه دولة من الدول، حيث يعتمد الإعلام في الدولة الفاطمية على الداعية وتكوينه والإنفاق عليه بسخاء كبير، وإعداد المدارس المختصة مثل دار الحكمة لإعداده إعدادًا علميًا خاصًا وكان للفاطميين أجهزة إعلامية لنشر مذهبهم في إحكام ودقة، وكان من هذه الأجهزة: ديوان الإنشاء: ويعتبر سجلاً لأحداث الدولة، وهو الذي يحيط الناس بالأحداث، ولهذا الجهاز كتَّاب ولهم رئيس، وهو الذي يـرفع كل شيء إلى الخليفة في وثائق تاريخية مصوغة في أسلوب أدبي، وبعد عرضها على الخليفة تحفظ في مكان أمين باعتبارها وثائق تاريخية.

ومن هذه الأجهزة القصر الفاطمي ودور العلم والحكمة وتعقد فيهما المجالس العلمية حسب المستويات المختلفة، وفوق هذه المجالس يوجد المجلس الأعلى الذي يضم آبار رجال الدعوة، وفيه تدار الشؤون الخاصة والسرية في الدعوة، ولقد قام الفاطميون على تقسيم العالم الإسلامي إلى اثني عشر جزيرة، ولكل جزيرة مسؤول أو حجة، ولكل هؤلاء مسؤول واحد يدعى داعي الدعاة ومرتبته بعد الإمام مباشرة.

والدعاة عندهم درجات، ولقد قسموهم مثل أيام السنة وشهورها وساعاتها، فداعي الدعاة يمثل عندهم السنة، ورؤساء الجزائر يمثلون شهور السنة، والدعاة يمثلون نظام الشهر، وأما الساعات فتمثل أربعًا وعشرين داعيًا مأذونًا يقومون بإزالة وتحطيم عقائد الناس، ووضع العقيدة الباطنية مكانها.

والإمام يختار داعي الدعاة ليشرف على الدعوة في الجزر، ويـرأس مجالس الحكمة، ويرسم منهج الدعوة، ودعاة الجزيرة عملهم هداية الناس، وأخذ العهد عليهم أن يخلصوا للدعوة الفاطمية، والدعاة المستشارون يقومون بوظيفة التشكيك بين صفوف العامة، ويوهمونهم بأنهم في حاجة إلى تصحيح عقائدهم، وما يزالون بهم حتى يطلب العامي تصحيح عقيدته وهدايته إلى الصواب، فإذا تم ذلك بعث به إلى داعي الجزيرة الذي يلقي عليه درسًا منظمًا في العلوم الباطنية، فإذا نجح الطالب هنا يرسل إلى داعي الدعاة ليتلقى دروسًا أعلى في الباطنية، ويؤخذ عليه العهد والميثاق لحفظ أسرار الدعوة ونشرها بكل قوة ولا ريب أن الخلافة الفاطمية كانت ترمي ببث هذه الدعوات لغايات سياسية كأثر منها دينية، وهي حشد المستنيرين والخاصة تحت لواء الخلافة الفاطمية، ولجعل إمامها زعيمًا دينيًا  للعالم الإسلامي يحرك العامة لتأييد آلمتها وتوطيد سلطاتها.

أما عن الإعلام في العصور الوسطى فتاريخ الصحافة بدأ حقيقة في الغرب عند ظهور الأنباء في القرن الثالث عشر، وهذه الأنباء كانت صفحات مخطوطة تحمل أخبارًا، وقد انتشرت خاصة في إيطاليا (إنيزي) وألمانيا (زيتونفن) وكانت تُدبَّج لمصلحة الكبار، وأغنياء التجار، ورجال المصارف ثم كان لاكتشاف المطبعة دور حاسم في تقرير الإعلام في أوربة الغربية؛ والتي تم اكتشافها على يد جوتنبرج عام 1436 م وتقدمت خلال القرن الخامس عشر، إلا أن مردود المؤسسات الطباعية كان قليلاً نظرًا للتكلفة الباهظة، فلجأ أصحاب هذه المؤسسات إلى تغذية فضول الناس، وذلك بنشر أخبار الأحداث السياسية الكبرى، ثم في نشر الأفكار والنزاعات الناشئة عن النهضة والإصلاح الديني وفي بداية القرن السابع عشر ولدت فكرة جمع الأخبار، وقام أصحاب المطابع بطبع النشرات الإخبارية، وظهرت أول صحيفة مطبوعة في أنغرس (ببلجيكا) قام بها إبراهام، وظهرت في ستراسبورغ سنة 1606 م إحدى أوائل الصحف فيرهوتن في تلك المدينة في فرنسا ثم صحيفة الأغازيت سنة (1631م) وفي القرن الثامن عشر بدأ الإعلام يتخذ شكلاً عصريًا أو شبه عصري، فلقد اهتم مؤسسو الدولة الأمريكية بالإعلام اهتمامًا خاصًا؛ نتيجة لاهتمامهم برصد وقياس الرأي العالمي، ولقد فاض القرن الثامن عشر بأمثلة كثيرة عن الإعلام وأثره في نطاق الحرب والدبلوماسية واستتباب الحكم الداخلي في القرن التاسع عشر تمشى الإعلام مع التطور الفني، فظهرت وكالات الأنباء المعروفة، فبين سنوات 1840- 1985 م تكونت الوكالات الرئيسية للأخبار ومن أولها وكالة فاس والتي ظهرت سنة 1835 م، ووكالة اسوشيتر برس والتي ظهرت سنة 1848 م، ومنذ ذلك الوقت تطور الفن الصحفي ذاته، فظهرت القنوات العريضة، وكثر عدد الأعمدة الصحفية، وشاعت الرسوم والصور ونحو ذلك، ثم في منتصف القرن التاسع عشر ظهرت الصورة الفوتوغرافية التي أحدثت في عالم الأخبار تقدمًا هائلاً؛ كما هو معروف في تاريخ. 

وفي القرن الحالي ظهرت وسائل إعلامية جديدة مثل السينما والراديو والتلفزيون، ففي سنة 1895 م فتحت أول دار للسينما في باريس، وبين عام 1920 ـ 1921م سمعت الإذاعات الأولى في كل من إنجلترا والولايات المتحدة ثم في فرنسا، وفي الثالث من نوفمبر سنة 1925 م أصدرت أول صحيفة ناطقة في فرنسا، وفي سنة 1949م ظهر أول شريط تلفزيوني للأخبار، وهكذا تقدم الإعلام تقدماً كبيرًا؛ حتى إن الخبر الذي يحدث على مسافة بعيدة جدًا يصل إلينا بعد دقائق معدودات ولقد أصبح الإعلام في العصر الحديث جزءاً مهمًا في حياة الناس من حيث نقل الأنباء والمعلومات والحقائق التي تساعدهم على الاشتراك في شؤون الناس.


الفصل الرابع

الإعلام المعاصر تحديات ومأمول

إن لكل رسالة إعلامية غموضاً معيناً، وإذا لم يكن لدى رجل الإعلام غرض يبتغيه من رسالته، سقطت رسالته من مجال الإعلام بمعناه الحديث، وقولنا: يمكن قياس نتائجها: الهدف من هذا بيان أهمية المتابعة في مجال الإعلام، وكيفية تقويم الرسالة الإعلامية بالنظر إلى النتائج التي حققتها، ولرجال الاتصال وسائل معينة يعرفون بها اتجاهات الرأي العام، ومدى بلوغ الرسالة الإعلامية هدفها في تشكيلة ما، أو التأثيـر في المتلقي أيّاً كان.

الخصائص الإعلامية للرسائل الناجحة: 

  • أن تكون ذات معنى في حياة المتلقي: 

ومعنى ذات معنى: أن تكون متصلة بحياة الجمهور ومعبرة عنه، ومغيـرة ومؤثرة في سلوآه واتجاهاته، وفي سلوك واتجاهات من يتصل به من أهل وعشيرة في البيئة نفسها التي يحيا فيها.

دلت التجارب الكثيرة على أن المتلقي لا يهمه في كثير أو قليل أن يبذل جهداً في متابعة أو مشاهدة رسالة إعلامية لا تمت إليه بصلة، فهو يعرض عنها إلى غيرها من وسائل الترفيه، أو يبحث عن مادة أخرى يجد فيها ما يربطه بوسيلة الاتصال، وأساس ذلك: أن الإعلام عملية اختيارية وليست إجبارية، فكل إنسان يحس بحريته الكاملة في أن يقتنع بما يقرأ  أو يسمع أو يشاهد، والإنسان يتمتع بالحرية المطلقة في أن يحول اقتناعه إلى سلوك عملي، ولكن الرسالة الإعلامية الناجحة: هي التي تفلح في تحقيق هذه المعادلة: (الفهم + الإقناع = السلوك العملي).

ومن الواضح أن الفهم في مجال الإعلام مقدمة للإقناع، وهذا أمر يتعلق بإعداد الرسالة وتهيئتها لتكون واضحة بالنسبة للمرسل إليه، وحيث إن الوضع أمر نسبي فقد يكون واضحًا بالنسبة لك ما ليس واضحًا بالنسبة لي، فإن الأمر يقتضي أن يتعرف رجل الاتصال على طبيعة المتلقي وميوله ومستوى ثقافته، قبل أن يتصدى له بالرسالة الإعلامية الموجهة.

     أن الوسيلة الإعلامية نفسها تمارس دورًا مهمًا في جعل الرسالة ذات معنى بالنسبة للمجتمع، تلك هي نقطة البداية في (العمل الإعلامي).


  • أن تكون قادرة على كسب ثقة المتلقي

بمعنى أن تكون الرسالة خالية من المبالغة في إعدادها، ومن التهويل في طريقة تقديمها، دون أن يتصف مقدمها بالتفريط أو الإفراط في إبداء انفعالاته.

ولكن لماذا تعدُّ ثقة المتلقي شرطاً في نجاح الرسالة؟ لأن ذلك يؤثر في مدى تقبل الجمهور للرسالة الإعلامية التي يقدمها رجل الاتصال، وقد يحرك عدم الثقة عوامل المقاومة المضادة لعناصر الرسالة، ومن ثم فإن رجل الإعلام مطالب في المقام الأول بأن يكون ما يقدمه للجمهور معقول المعنى، مبررًا بدرجة كافية، خاليًا من عنصر التهديد والوعيد، لأن النفس أميل إلى نبذ ما يهددها، وتجاهل ما يخدعها، وطرح ما يجلب لها التوتر والانزعاج، فكيف يكون في الرسالة الإعلامية القائمة على الود والتواصل ما يقلب نهارنا ليلاً وسلامنا ويلاً؟ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكرَى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: 37]

  • تتبع الترتيب السيكولوجي

هذه ناحية مهمة جدًا في إعداد المادة الإعلامية، ولا يعد كل من افتقد هذه الحاسة الفنية الإعلامية إعلاميًا ناجحًا، لاسيما من يمارسون مهنة التحرير الصحفي، والإعداد الإذاعي والتلفزيوني، والمقصود: أن المادة الإعلامية تتصف بما يشبه الوحدة العضوية، ولكن رجل الإعلام لا يقدم المادة كما هي، بل يقدمها كما يستطيع المتلقي أن يتأثر بها في أفضل حالة ممكنة، هذا هو المقصود بالترتيب السيكلوجي، أي الترتيب النفسي كما يكشفه العلم، وبعبارة أخرى: نحن مطالبون بأن نقيس حركة النبض النفسي لدى المتلقي، مطالبون بأن نسايره ونسير معه في إحساسه بالمادة الإعلامية، مطالبون بأن نقدم له المادة بقدر ما تمنحه طاقته النفسية من الفهم والتقبل والامتناع والحماس أيضا، مطالبون بأن نستثير عاطفته قبل أن نخاطب عقله، وإليك هذه التجربة التي أجراها (هارتمان)، وتحدث عنها في صحيفة علمية متخصصة، ففي إحدى النشرات الحزبية: استخدمت طريقة الاستمالة العاطفية في الدعاية لمرشَّحي الحزب، من إغراء، وإثابة، وإثارة، إلخ.

الرسالة الإعلامية تحلق بجناحين من العاطفة والعقل، دون أن يجور أحدهما على الآخر، أما إذا تعارضت الرسالة الإعلامية مع غيـرها: فإما أن تكون متوافقة معها، أو مضادة لها: 

     أ ـ في حال كونها متوافقة معها، فإن المتلقي لها لا يرى ضياع جهده ووقته في استقبال مادة إعلامية مكررة؛ لأنه في هذه الحالة يميل إلى استقاء معلومات جديدة، وقد تلقاها من الرسالة الأولى، وقد تزيد المادة المكررة نوعًا من التأييد لما سبق ذكره، ولكن التأييد وحده، شأنه شأن النوافل الثانوية في حياة الإنسان، لا يحتل المكانة الأولى من اهتمام الفرد بشؤون دنياه.

وهذا يؤكد ضرورة الاهتمام بالتنسيق في إدارة المطبوعات على مستوى الدولة ;لها، بل على مستوى المنطقة الإسلامية الممتدة، لأن كثرًا من المطبوعات يهددها التكرار: فنرى كتابًا قد صدر في موضوع معين، يتلوه كتاب آخر في الموضوع نفسه في الدولة نفسها أو دولة تجاورها، وهذا يضاعف من نسبة الفاقد في الجهد والمال أيضا.

وأرى أن تسعى وسائل الإعلام للتعاون فيما بينها، لاسيما في مجال التحرير والطبع والنشر؛ لأن التعاون يعود بالفائدة الجلّى على المتلقي، وعلى الناشر بوجه خاص؛ ففي التعاون قوة، ومنعًا للتكرار، وإبرازًا للجانب المشرق من الكتابات، وتوجيه للمؤلفين لتطوير قدراتهم، وإفادة للقارئ بأسلوب جديد، بعيدًا عن الغموض، أو عن تكرار طبع الكتاب الذي يُعدُّ خبزًا يوميًا للمكتبات، وما من شك أن هذه الطريقة ذاتها هي مفتاح للجودة الإعلامية، مما يسمح بالإفادة منها بمختلف اللغات الأخرى، وتصديرها للإذاعات الإسلامية وصحفها أيضًا، لأن كثيرًا من أجهزة الإعلام الإسلامية تحتاج إلى المساعدة الإعلامية حتى تقوى في مداها وفي برامجها، وبذلك تصبح ذات ثقل تأثيري على شعوبها، وعلى عاتق الدول الإسلامية المتقدمة في مجال الخبرة الفنية والعلمية دور كبير في هذا أيضًا.

 ب ـ أما إذا كانت الرسالة الإعلامية الأخرى مضادة للأولى، فهنا يكمن الخطر كل الخطر، فإن من شأن الرسائل الإعلامية المتعارضة أن توقع المتلقي في ارتباك وحيرة شديدين، أيهما يصدق: الأولى أو الثانية؟! إن تفضيل رأي على رأي، أو رسالة على رسالة، أو مضمون فكرة إعلامية على مضمون فكرة إعلامية أخرى أمر لا يجعله مرشدًا، أو مرفها ولا يتوقع منه أن يضعه موضع الغرض لمجموعةٍ من السهام الطائشة، وإذا كان التعارض بين رأيين يؤدي لإسقاط أحدهما للآخر، فإن معارضة الحجة بأخرى يجعل المتلقي يطرح الحجتين أيضًا.

   وصفوة القول في هذا المقام:

إن مستقبل الرسالة الإعلامية يحتاج إلى ما يقدمه إليه رجل الاتصال من جانب واحد، غير متعارض ولا متناقض، مدفوعًا إلى ذلك بالثقة من جهة، ومجاراة رأي الأغلبية من جهة أخرى، وهناك ملاحظة أخرى تتعلق بإعداد الرسالة الإعلامية؛ لتكون ذات حصانة قوية ضد ما يحتمل أن يعارضها من الرسائل الإعلامية، ألا وهي ضرورة البرهنة على مضمون المادة، فمن الأفضل أن تصاغ المادة بطريقة تذكر معها الأدلة والحجج، حيث يتعذر مقاومتها أو معارضتها بغيرها، لأن الرسالة الإعلامية باعتبارها شكلاً من الأشكال الأدبية من حيث الصياغة، أو العلمية من حيث المضمون، ينبغي أن تكون مستوفاة من ناحية الإقناع العاطفي والمنطقي معًا، ومن الجدير بالذكر هنا: أن البرهنة القائمة على حقائق الحياة الواقعية أكثر ثباتًا وتعمقاً في النفوس من البرهنة القائمة أو المستندة على الآراء الشخصية أو الشهادات المنقولة، وهذا هو ما أسفرت عنه التجارب العلمية؛ التي أجريت في هذه الناحية المهمة المتعلقة بأساليب الإقناع الإعلامي.

\"\"

بعد أن عشت مع الإعلام في القرآن والسنة وعهد الصحابة والتابعين والعصور الإسلامية، توصلت من خلال بحثي إلى عدة نتائج أوجزها فيما يلي:

  • الإعلام لابد أن یكون صادقاً مجردًا عن المیول والأهواء غیر متحیز قائما على أساس من التجربة الصادقة متماشیًا مع الجمهور الذي یوجه إلیه.

  • معيار قبول الأخبار من نقلتها أن يكونوا صادقين لم يعهد عليهم الكذب، فلذا رأيناه قال ﴿يَقِينٍ[النمل: 22]، ليطمئن السامع أو القارئ، فيأخذ الأمر على محمل الراحة.

  • الحذر من شخصيات كشخصيات السامري عندها قدرة على البهرجة بالقول، وخداع الناس، وصنع الأشياء التي تذهب بالقلوب، وتحير الألباب، فهؤلاء الأشخاص لا بد من الحذر منهم، ومن عذوبة منطقهم وحلاوة ألسنتهم، أو دقة صنعتهم، فإن هناك كثير من يقوم بدور السامري بين المسلمين.

  • إن ظهور الإسلام جعل للإعلام صورًا جديدة لم يعرفها العرب من قبل، بالإضافة إلى صور أخرى قديمة احتفظ بها وكانت معروفة في العصر الجاهلي.

  • الصور الجديدة للإعلام والتي لم يعرفها العرب من قبل فهي القرآن الكريم، والحديث الشريف، والخطب النبوية، والآذان لإقامة الصلاة، والغزوات، والسرايا الحربية.

  • لما استقر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة بدأ عصر النهضة والقوة لدولة الإسلام، وبدأ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بأساليب إعلامية جديدة تواكب عصر القوة والنهضة.

  • الإسلام هو دين الإعلام بامتياز، فقلما تجد دينًا في الدنيا يحظى بهذه التغطية الإعلامية الكبيرة التي يحظى بها الإسلام، بل إن الإسلام والإعلام مرتبطان ببعضهما البعض منذ فجر الرسالة.

  • أن الإعلام الإسلامي يعتبر فرضًا من الفروض، فالإعلام هو الكلمة المرادفة للدعوة، ودعوة البشر للإسلام وتوضيح صورة الإسلام لغير المسلمين هو فرض على المسلمين.

  • تمكنت الصحافة في الخلافة الراشدة من نقل رسالة الإسلام والخلافة ودعوة المسلمين إلى تطبيق القرآن والسنة، كما نشروا الأخبار والمعلومات عن الأحداث الهامة التي حدثت في الدولة الإسلامية والأمور الجارية في الرعاية الاقتصادية والتعليمية، وهذا ساهم في تعزيز الوعي الجماهيري وتسهيل التواصل بين الناس.

  • أن الوسيلة الإعلامية نفسها تمارس دورًا مهمًا في جعل الرسالة ذات معنى بالنسبة للمجتمع، تلك هي نقطة البداية في (العمل الإعلامي).

  • إن مستقبل الرسالة الإعلامية يحتاج إلى ما يقدمه إليه رجل الاتصال من جانب واحد، غير متعارض ولا متناقض، مدفوعًا إلى ذلك بالثقة من جهة، ومجاراة رأي الأغلبية من جهة أخرى.

  • أن البرهنة للرسالة الإعلامية القائمة على حقائق الحياة الواقعية أكثر ثباتاً وتعمقاً في النفوس من البرهنة القائمة أو المستندة على الآراء الشخصية أو الشهادات المنقولة، وهذا هو ما أسفرت عنه التجارب العلمية؛ التي أجريت في هذه الناحية المهمة المتعلقة بأساليب الإقناع الإعلامي.

وإني أوصي بعد بحثي هذا بعدة نقاط فيما يلي:

  • تعلم اللغة العربية أمر ضروري للعمل في وسائل الإعلام، واجعل من نفسك ملمًا بالمصطلحات الإعلامية، واجعل من نفسك محترفًا في التحدث والكتابة، تعلم كيفية التواصل بفعالية مع الجمهور، وتعلم مهارات التصوير والمونتاج والتحرير، فهذه المهارات أساسية في عالم الإعلام الحديث، ولا تقتصر على مجال واحد، اكتشف مهاراتك في مجالات متعددة مثل الكتابة، التصوير، والتقديم، كن متعدد المواهب.

  • اعمل على تطوير مهاراتك الشخصية مثل الصبر واللباقة والاحترافية، وتواصل مع الخبراء، وابحث عن فرص للتعلم من الخبراء في مجال الإعلام، قد تجد برامج تدريبية أو ورش عمل مفيدة، كن متعلمًا مستمرًا، فالعالم الإعلامي يتغير بسرعة، ابق على اطلاع دائم بأحدث التطورات والاتجاهات.

  • الإعلام رسالة (مهنة)، وليست بوظيفة: تذكّر أن العمل الصحفي هو أكثر من مجرد وظيفة، إنها مهنة تحمل مسؤولية كبيرة في نقل الأخبار والمعلومات للجمهور، وكن دقيقًا في جمع المعلومات والتحقق من صحتها قبل نشرها، فالصحافة تعتمد على الدقة والموضوعية، وحاول دائمًا أن تكون متميزًا في تغطية الأخبار، ابحث عن الزوايا المميزة والقصص التي لم يتم تغطيتها بشكل كافٍ.

  • احترم المصادر والأفراد الذين تتعامل معهم، وتجنب الانحياز والتحيز في تغطيتك، وتأكد من دقق في كل جانب من جوانب القصة، والاهتمام بالتفاصيل، واستمع إلى ملاحظات القرّاء وكن متاحًا للرد على استفساراتهم، والتواصل مع الجمهور، وتعلم كيفية التعامل مع المواقف المختلفة والتكيف مع التغييرات، واحترم الخصوصية وتجنب نشر المعلومات الشخصية دون موافقة.




 

ثبت بأهم المصادر

  • القرآن الكريم

  • أرشيف ملتقى أهل الحديث - الأجوبة المرضية عن الأسئلة الأدبية - المكتبة الشاملة الحديثة.

  • أضواء على الإعلام في العصر النبوي، مبارك حسين محمد العنوه، رسالة درجة الماجستير من جامعة  St. Clements العالمية ، 2010-2011.

  • الإعلام الإسلامي، ميسر سهيل خبير إعلامي وأستاذ الإعلام في معهد الفتح الإسلامي، https://www.alfatihonline.com/articles/e3lam.htm

  •  الإعلام النبوي ودوره في خدمة الدعوة الإسلامية، أ.د. إسماعيل رضوان.

  • الإعلام في السنة النبوية دراسة حديثية موضوعية، محمد علي عوض.

  •  الإعلام في العهد النبوي، خالد الحوت، https://rassoulallah.com

  •  الإعلام في صدر الإسلام، عبد اللطيف حمزة. د.ت.

  •  الإعلام في صدر الإسلام، هيئة الكتاب في مصر. د.ت.

  • الإعلام في صدر الإسلام، أ.د. محمد عجاج الخطيب. د.ت.

  • الإعلام موقف، د. محمود محمد سفر، مطبعة تهامة – السعودية، الطبعة الأولى (1982م)

  • الإعلام والاتصال بالجماهير، أ. إبراهيم إمام، مكتبة الأنجلو مصرية – القاهرة، الطبعة الأولى (1969م).

  • الإعلام وقضايا الواقع الإسلامي، نشر العبيكان، الرياض.

  • الإعلام، ضوابطه وأحكامه الشرعية، حسام خليل عايش.

  • ألفاظ الإعلام ومدلولاتها في القرآن الكريم، حسام محمد فهد.

  • تاريخ الإعلام في الجاهلية والإسلام من عام الفيل وحتى نهاية عصر الخلافة الراشدة، إعداد خالد محمد مرعي؛ إشراف محمد علي القوزي، نشأت الخطيب. د.ت.

  • تفسير الرازي (مفاتيح الغيب  التفسير الكبير)، محمد بن عمر. (ت ٦٠٦هـ) .دار إحياء التراث العربي – بيروت.

  • الدعوة والإعلام في السيرة النبوية، نزيه إعلاوي، الأردن.  صفاء.2005.

  • السيرة النبوية. ابن هشام. تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي .شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر .الطبعة: الثانية، ١٣٧٥هـ - ١٩٥٥ م

  •  صحيح البخاري .محمد بن إسماعيل. الطبعة: السلطانية، بالمطبعة الكبرى الأميرية، ببولاق مصر، ١٣١١ هـ، بأمر السلطان عبد الحميد الثاني ثم صَوّرها بعنايته: د. محمد زهير الناصر، وطبعها الطبعة الأولى ١٤٢٢ هـ لدى دار طوق النجاة - بيروت، مع إثراء الهوامش بترقيم الأحاديث لمحمد فؤاد عبد الباقي.
    الطبعة: الثالثة - ١٤٢٠ هـ

  •   صفحة الشيخ بسام جرار https://www.facebook.com/Jarrar-

  • عالمية الإسلام رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك الأمراء، عبد الوهاب عبد السلام طويلة و د. محمد أمين شاكر حلواني. د.ت.

  • القيم الحضارية في رسالة الإسلام، محمد فتحي عثمان، جدة، الدار السعودية، 1402هـ/1982م.

  • لسان العرب، للعلامة ابن منظور (ت 711 ه)، تنسيق وتعليق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى (1988م).

  • مائة سؤال عن الإعلام، طلعت همام، موسوعة الإعلام والصحافة، مؤسسة الرسالة - بيروت ودار الفرقان عمان، الطبعة الثانية (1985م) .

  • مجمع الزوائد ، الهيثمي علي بن أبي بكر (ت ٨٠٧هـ) .المحقق: حسام الدين القدسي .مكتبة القدسي، القاهرة. ١٤١٤ هـ، ١٩٩٤ م

  •  محمد المشهداني السامريون، من هم؟  https://www.alshiraa.com

  •  المعجم الوجيز في مصطلحات الإعلام، د. إبراهيم السامرائي، مكتبة لبنان - ناشرون – بيروت، الطبعة الأولى(1999م) .

  •  منهج الإعلام الإسلامي في صلح الحديبية، سليم عبد الله حجازي. دار المنارة - جدة · سنة النشر: 1406

  •  مواقف الصحابة في الدعوة إلى الله تعالى، سعيد بن وهف القحطاني. مؤسسة الجريسي للتوزيع.

  •  نظريات الإعلام والاتصال، كمال الحاج. الجامعة السورية الإفتراضية.2020.

  •  الوفود في العهد المكي وأثرها الإعلامي، علي رضوان أحمد الأسطل.

فهرس المحتويات

(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ)

الإعلام في الإسلام عبر التاريخ


الموضوع

رقم الصفحة

الملخص

145

Abstract

146

المقدمة

148

التمهيد

151

الفصل الأول – الإعلام والوحي الإلهي

153

الإعلام والوحي الإلهي

153

قصة هدهد سليمان

153

قصة السامري

154

الفصل الثاني - الإعلام والوحي النبوي

157

المبحث الأول: أساليب الخطاب الإعلامي

158

المبحث الثاني: إعلام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في الحروب

162

الفصل الثالث - الإعلام في عهد الصحابة والتابعين والعصور الإسلامية

168

الفصل الرابع - الإعلام المعاصر تحديات ومأمول

172

الخاتمة

175

ثبت بأهم المصادر

178