
| تفاصيل البحث |
دور القطاع الحكومي في تحقيق الجودة الاجتماعية للشرائح الفقيرة في ظل سياسة حرية السوق: دراسة تقييمية لتجربة السودان خلال حقبة التسعينات ونهاية الحقبة الثانية للألفية The Role of the Public Sector in Achieving Social Quality for the Poor Segments Under Free Market Policy: An Evaluative Study of Sudan\'s Experience During the 1990s and the End of the Second Millennium. مستخلص البحث: تم إعداد هذه الدراسة وفق منهج الوصفي التحليلي لاستعراض مفهوم اقتصاد السوق وآلياته، ومن ثم مناقشة الآثار السلبية التي نتجت من تطبيق سياسات اقتصاد السوق من خلال سياسة التحرير الاقتصادي . حاولت الدراسة الوقوف على الآثار الناجمة من سياسة التحرير وآثارها السالبة على محدودي الدخل والشرائح الفقيرة في الدول النامية بصورة عامة مع استعراض تجربة السودان خلال حقبة التسعينات ونهايات الحقبة الثانية من الألفية. وفي المقابل استعرضت الدراسة الآليات والطرق التي ينبغي أن يتبعها القطاع الحكومي في التدخل لإدارة اقتصاد السوق لتحقيق الجودة الاجتماعية بالقدر الذي يحمي ويدعم الشرائح الفقيرة، وتوصلت الدراسة بعد مناقشة وتحليل الأفكار والآراء الى الدور السالب لسياسات اقتصاد السوق في الدول النامية وعلى مجمل الأداء الاقتصادي وعلى أضعاف الشرائح الفقيرة خاصة بعد استعراض تجربة السودان، كما أكدت الدراسة على أهمية التدخل الحكومي في حماية الفئات الضعيفة والفقيرة وإدراجها في مشروعات منتجة وفق معايير الجودة. كما أشارت الدراسة إلى أن التدخل الحكومي ينبغي أن يكون وفق أسس علمية لتحقيق الجودة الاجتماعية بما يحقق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية . وفي الختام أوصت الدراسة بضرورة التدخل الحكومي في إدارة الاقتصاد وفق الأسس العلمية يراعى فيها حجم التدخل، حدوده، أجاله، مراحله، ومجالاته. وان يكون التدخل الحكومي في إدارة اقتصاد السوق، داعما لآلية سير الاقتصاد، ودرجة تطوره وطبيعة المشروعات المستهدفة وتمويلها بالقدر الذي يدعم الشرائح الفقيرة ويحقق الجودة الاجتماعية. الكلمات المفتاحية: اقتصاد السوق، سياسة التحرير، التدخل الحكومي، إدارة الاقتصاد، الشرائح الفقيرة، الجودة الاجتماعية. Abstract: This study was prepared according to a descriptive and analytical approach to review the concept of the market economy and its mechanisms, and then discuss the negative effects that resulted from the application of market economy policies through the economic liberalization policy. The study attempted to determine the effects resulting from the liberalization policy and its negative effects on low-income and poor segments in developing countries in general, while reviewing Sudan’s experience during the nineties and the end of the second millennium. On the other hand, the study reviewed the mechanisms and methods that the government sector should follow in intervening to manage the economy. The market to achieve social quality to the extent that protects and supports poor segments. After discussing and analyzing ideas and opinions, the study concluded the negative role of market economic policies in developing countries and on the overall economic performance and on the weakening of the poor segments, especially after reviewing the experience of Sudan. The study also stressed the importance of government intervention in protecting the weak and poor groups and including them in productive projects according to quality standards. The study indicated that government intervention should be based on scientific foundations to achieve social quality in order to achieve economic and social goals. In conclusion, the study recommended the necessity of government intervention in managing the economy according to scientific foundations, taking into account the size of the intervention, its limits, duration, stages and areas. Government intervention in the management of the market economy should be supportive of the mechanism of functioning of the economy, the degree of its development, and the nature of the targeted projects and their financing to the extent that supports the poor segments and achieves social quality. Keywords: Market, economy, liberalization policy, government, intervention, economic management, poor segments, social quality. إن سياسة التحرير الاقتصادي تقوم على إلغاء الدور الحكومي كممثل للمجتمع في إدارة النشاط الاقتصادي، على أن تتم إدارة الاقتصاد وفق آلية السوق وخصخصة الكيانات الاقتصادية والسعي نحو الانفتاح الاقتصادي وسيادة مبدأ المنافسة، والشاهد أن هذه السياسة التي سعت المؤسسات الدولية إلى تمكينها في الدول النامية خاصة، قد أدت إلى ظهور أزمات اقتصادية أضعفت الشرائح الفقيرة ومحدودة الدخل وانعكس ذلك على تزايد مستويات الفقر. ولأهمية هذا الموضوع جاءت هذه الورقة للوقوف على سلبيات سياسة التحرير وأهمية التدخل الحكومي لإدارة الاقتصاد. هدفت الدراسة إلى: التعرف على مفهوم اقتصاد السوق. مناقشة سلبيات سياسة التحرير. التعريف بالجانب العلمي وفق أسس الجودة للتدخل الحكومي في الاقتصاد. عكس أهمية التدخل الحكومي لإدارة الاقتصاد وأثر ذلك على حماية الفئات الفقيرة. تأتي أهمية هذه الدراسة من كون معظم الأزمات الاقتصادية التي طالت العالم أدت الى تجديد التنازع بين دور الدولة ودور السوق في الاقتصاد، حيث أثبتت التجارب أنه لكي يعمل اقتصاد السوق بكفاءة لابد من وجود حكومة تضمن توفير وتنفيذ القوانين واللوائح لتدعيم وتنظيم الأنشطة الاقتصادية التي يقوم بها كل السكان خاصة تلك التي تدعم الشرائح الفقيرة، وبالتالي تسعى هذه الدراسة لتناول مدى أهمية الدور الحكومي المؤسس على مبادئ ومعايير الجودة الاجتماعية في دعم الأنشطة الاقتصادية بالقدر الذي يحقق الأهداف الكلية للاقتصاد ولا يؤثر سلبا على الشرائح الفقيرة، كما أن الدراسة من جانب آخر توفر معلومات تعين الباحثين في مجال الاقتصاد العام ودراسات الجودة. تسعى الدراسة الحالية للإجابة على التساؤل الاتي: الى أي مدى يساهم التدخل الحكومي وفق أسس الجودة الاجتماعية في دعم الشرائح القفيرة؟ ومن ثم يأتي التساؤل الفرعي التالي: كيف يستطيع القطاع الحكومي تقليل الآثار السالبة لاقتصاد السوق وفق أسس الجودة الاجتماعية ومن ثم حماية الشرائح الفقيرة؟ هناك علاقة مباشرة بين التدخل الحكومي المبني على أسس الجودة الاجتماعية في حماية الشرائح الفقيرة من آثار سياسة تحرير السوق. اقتصاد السوق أو الاقتصاد الحر يعني عدم تدخل الدولة في الأنشطة الاقتصادية وترك السوق يضبط نفسه بنفسه من خلال آلية السوق (العرض والطلب). كما يعنى أيضا تقليل حدة قبضة الدولة في النشاط الاقتصادي وإزالة القوانين والقيود الإدارية بهدف تمكين القطاع الخاص(السوق) ليلعب الدور القيادي في الاقتصاد. لقد ارتبط مفهوم سياسة التحرير الاقتصادي بفكر الليبرالية الكلاسيكية في الاقتصاد والتي تدعو لترسيخ مبادئ الحريات في إطار الحرية الاقتصادية ومن أشهر فلاسفة هذا المذهب الكلاسيكي خلال القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر جون لوك وآدم سميث وديفيد ريكاردو وتوماس مالتوس وجين بابتست ساي. ولقد أكد هؤلاء الفلاسفة بان آلية السوق (قوى العرض والطلب) كفيلة لإعادة توازن السوق دون تدخل للقطاع الحكومي والتي ينبغي ان لا يتعدى دوره توفير القانون والنظام. لقد كان إجماع واشنطن (1989) بمثابة اللبنة الأساسية للأسس النظرية والأيدلوجية لسياسة التحرير الاقتصادي المرتكزة على تنظيرات ميلتون فريدمان وجورج شنغلر وغيرهما. سطر فريدمان ملامح نظريته النقدية في كتاب "التاريخ النقدي للولايات المتحدة" وطورها في كتابات لاحقة مثل "النقود: النظرية الكمية" و"الثورة المضادة في النظرية النقدية". وأكد أن السياسة النقدية الرامية إلى تحفيز الاقتصاد من خلال رفع حجم الكتلة النقدية هي سياسة غير فعالة وتؤدي فقط إلى ارتفاع الأسعار. وفى هذا الإطار تبنت المؤسسات المالية تطبيق سياسة التحرير الاقتصادي لإعادة هيكلة الاقتصاديات الضعيفة من خلال برامج التثبيت والتكيف الهيكلي، إلا ان أهداف هذه السياسات ترتبت عليها آثار سلبية جدا على المستويات الاقتصادية والاجتماعية في الدول النامية. إن سياسات حرية السوق قد يترتب عليها سوق غير منظمة تؤدي إلى ظهور منظمات تمارس السلطة الاحتكارية مما يرفع تكاليف الدخول ويحد من تطوير البنية التحتية ويؤدى الى تناقص الموارد وتدنى الابتكار والحد من الأنشطة وبالتالي الفوائد. كما أن سياسة التحرير والتي من سماتها رفع الدعم من السلع الاستهلاكية كانت لها آثار سلبية جدا على الشرائح الفقيرة وإن ما أشار إليه بعض المفكرين مثلا (محمد أبوشوره، 1996): "إن الأغنياء هم الذين يستفيدون من الدعم لأنهم أكثر استهلاكا من الفقراء" فان هذا المنحى في رأي يتعارض مع المبدأ الاقتصادي أن الميل الحدي للاستهلاك لدى الفقراء أكثر من الأغنياء، وقد أشارت عدة دراسات لسلبيات سياسة التحرير الاقتصادي منها ما ورد في الدراسة التي قدمها (البروفيسور محمد هاشم عوض، 1988): "إن تحرير أسواق المنتجات وأسواق عوامل الإنتاج وأسواق سعر الصرف والتجارة يؤدى الى انخفاض الدخول الحقيقية لمحدودي الدخل نتيجة لارتفاع تكاليف المنتجات، كما تتناقص مستويات الاستهلاك خاصة للشرائح الفقيرة وذوي الدخل المحدود خاصة بعد تبني إلغاء أو خفض الدعم بصورة مباشرة أو غير مباشرة إضافة لفقدان فرص العمل نتيجة لسياسات ترشيد الخدمة وخصخصة كثير من الوحدات ". إن اقتصاد السوق وبتطبيقه لسياسة التحرير الاقتصادي كهدف لتحقيق التوازن بين العرض الكلي والطلب الكلي، فإن الواقع في معظم الدول النامية يشير إلى إغراق الأسواق بكميات من السلع الاستهلاكية خاصة مما أدى إلى تحويل الناس إلى استهلاكيين أكثر منهم منتجين، حيث يلاحظ ظهور بنود إنفاق مثل الصرف على الاتصالات والمطاعم ...الخ، وهي بنود أصبحت خصما على ميزانية الأسرة. كما أن سياسة التحرير حاربت صغار المنتجين لوجود منافسة قوية من حيث نوعية السلع والجودة للمنتجات المنافسة عبر الاستيراد. إن اقتصاد السوق أدى إلى إفقار شرائح كبيرة وسط المجتمعات وتزايد معدلات البطالة في الدول النامية. إن الأداء السلس للسوق عبر آلية العرض والطلب والذي نادى به الفَكر الكلاسيكي في الاقتصاد أصبح أمرا معقدا في ظل تضارب المصالح من جهة والندرة في الموارد مقابل الطلب المتزايد من جهة أخرى. لقد حاول الكثير من الاقتصادين معالجة هذا الجانب، فقد أكد تجفان بيتنقر (2012): "ضرورة معالجة التفاعل غير المنظم بين المؤسسات المالية والحكومية " وهذا منحى يدلل على أهمية الدور الحكومي في إدارة الاقتصاد. وهذا ما أكده إعلان كوبنهاجن الذي صدر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية الاجتماعية في (مايو 1995): "أن برامج التكيف الهيكلي يجب أن تحوي أهداف تنمية اجتماعية خاصة لاستئصال الفقر وتحقيق العمالة الكاملة المنتجة" كما أن التجارب أثبتت ضرورة وجود القطاع الحكومي خاصة عندما تتسع وظائف السوق. إن التفاوت في توزيع الدخول، عدم توفر العدالة الاجتماعية، وعدم تأمين توفير السلع والخدمات العامة جعل من الضروري تدخل القطاع الحكومي لتقليل التفاوت الطبقي بين الأغنياء والفقراء والذي أكدته الدراسات في معظم الدول التي تبنت سياسات التحرير الاقتصادي ، وهذا ما أشار إليه Keeley,B. (2015) في منشورات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عندما ذكر: "إن تدخل القطاع الحكومي في النشاط الاقتصادي تحكمه عدة ظروف كتلك المتعلقة بالسعي نحو تحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي وتوفير العدالة الاجتماعية، أو تلك الظروف التي تتطلب إصلاحا هيكليا أو تخطيطا اقتصاديا". التدخل الحكومي يمكن أن يكون عبر عدة طرق من أهمها التوجيه من خلال إصدار تعليمات من الإدارات العليا، كذلك التنظيم الذي يقتضي التدبير والترتيب للأنشطة الاقتصادية، إضافة للتشجيع والذى يتم بالتحفيز وزيادة الدافعية بالقدر الذي يبعث على الأمل والتطلع، كل هذه الطرق تتم عبر السياسة الاقتصادية التي تستهدفها الحكومة والتي تشمل السياسة المالية والنقدية والسعرية والتجارية للتحكم في الاطار العام الذى يمارس من خلاله القطاع الخاص أنشطته المتنوعة وهناك عدة عوامل تُقوى التدخل الحكومي في الاقتصاد يمكن تناولها كما يلي: عوامل الرفاه الاجتماعي: والذي يتحقق من خلال توفير السلع والخدمات العامة مثل المنتزهات العامة والتي يكون استخدامها متاح للجميع بالتالي فإن تدخل الحكومة يكون لحماية مثل هذه الأصول وعدم استنفاد هذا الشكل من الموارد لضمان توفير خدماتها للمجتمع. مكافحة عدم المساواة في السوق : وهنا تطبق الحكومات عدة سياسات مثل السياسة الضريبية أو الإعانات والدعم الاجتماعي. السعي لتعزيز العدالة الاقتصادية والاجتماعية في المنافع العامة. إن آلية القطاع الحكومي عند تدخله لإدارة الاقتصادية تتم عبر أربعة أنواع من المؤسسات الحكومية لتسهيل تقديم السلع والخدمات للسكان هي: المؤسسات الداعمة للسوق من خلال دعم الوكلاء الاقتصاديين لإدارة النزاعات وتأمين حقوق الملكية. المؤسسات المنظمة للسوق من خلال مراقبة اللاعبين الفعليين في السوق لتفادي أي استخدام سيئ لقوى السوق لتوفير منافسة بعيدة من الاحتكار وعاكسة لسعر السوق، والتكاليف الحقيقية، والمنافع للبائعين، والمشترين. مؤسسات استقرار السوق مثل البنك المركزي والذي يسعى لتفادي أي انهيار مصرفي. المؤسسات القانونية التي تهتم بالدخول وكذلك التأمين والاستقرار الاجتماعي. تطبيق سياسات الجودة الاجتماعية لضمان حماية الشرائح الفقيرة. وقد أوضح الأستاذ (حامد عبد الحسين الجبوري، 2018) في دراسته حول الإطار العلمي لتدخل الحكومة لإدارة الاقتصاد: "التدخل الحكومي ينبغي أن يكون وفق أسس علمية تحدد حجم التدخل، حدوده، أجاله، مراحله ومجالاته" إن تدخل الدولة لإدارة الاقتصاد لابد أن يكون مبني على أسس علمية لضمان استمرار النظام الاقتصادي بشكل سليم في تقديم خدماته لتحقيق الأهداف الكلية للاقتصاد لاسيما دعم الشرائح الفقيرة . وباستعراض الشكل أدناه نقف على: رابطة أسس التدخل الحكومي في إدارة الاقتصاد المصدر: حامد الجبوري *الإطار العلمي للتدخل الحكومي 2018 وعليه فإن أسس التدخل الحكومي في إدارة الاقتصاد ينبغي أن تؤخذ وفق إسهامها في دعم وحماية الشرائح الفقيرة كما يلى:- حجم تدخل الحكومة في الاقتصاد ينبغي أن يكون وفق درجة تطور الاقتصاد وعلى هذا النحو يكون التدخل كبيرا وشاملا لكل أوجه الاقتصاد إذا كان الاقتصاد يعاني من مشاكل هيكلية وفاقدا للقواعد الأساسية للانطلاق التي تعين الاقتصاد على النهوض ودعم التنمية لاسيما التنمية الاجتماعية للشرائح الفقيرة، ثم يكون تدخل الدولة في الاقتصاد بشكل متوسط في الحالات التي تتطلب سند ورعاية الدولة حتى لا ينهار الاقتصاد. أما التدخل المحدود يكون عندما يصل الاقتصاد إلى المرحلة التي يكون فيها الاقتصاد قادرا على إدارة نفسه بنفسه ويكون دور الدولة هنا محدودا. إن حدود التدخل ينبغي أن تحكمه الاعتبارات الآتية: إذا كان التدخل الحكومي سوف يُغيب المنافسة في السوق، لابد أن يتوقف هذا التدخل بالقدر الذي لا يشوه آلية سير النظام الاقتصادي، إذ أن تشوه هذه الآلية سوف يؤثر سلبا على الإنتاج والعرض من جانب، والاستهلاك والطلب من الجانب الآخر وهذا بدوره سوف يكون خصما على الشرائح الفقيرة . كما أن التدخل يكون مرغوب ومطلوب إن كان سينهي حالة احتكار القطاع الخاص لبعض السلع والخدمات وبالتالي التأثير سلبا على سير النظام الاقتصادي والذي يؤدي إلى ما يعرف بإخفاق السوق. إذا التدخل الحكومي في هذا الجانب مهم لتطوير صغار المنتجين ودعم الشرائح الفقيرة وإدراجهم في العملية الإنتاجية. التدخل الحكومي في الاقتصاد يصبح ضرورة إذا كان القطاع الخاص غير قادر على إشباع الطلب المحلي من السلع والخدمات وحتى لا يقوم القطاع الخاص باللجوء الى الاستيراد حتى لا يؤدي ذلك الى آثار سالبة على المؤشرات الاقتصادية الكلية ويكون سلبا على الحالة الاقتصادية وخصماً على الشرائح الفقيرة . التدخل الحكومي ينبغي أن يكون مكمل للقطاع الخاص وليس على حسابه، وذلك بالقدر الذي يؤدي لإشباع الطلب الكلي ومن ثم الوفاء باحتياجات الشرائح الفقيرة. إن آجال تدخل الحكومة في الاقتصاد لا يمكن أن تكون غير محددة، بل ينبغي أن تكون مُنظمة ومحددة وهي في الدرجة الأولى تكون مرهونة بمدى حاجة الاقتصاد للتدخل، وبشكل عام يمكن إيجازها إما ان تكون قصيرة، متوسطة، أو طويلة الأجل كما يلي: في المدى القصير يتطلب التدخل الحكومي في الاقتصاد إدارة التمويل وهنا يكون القطاع الحكومي وسيطا بين مؤسسات التمويل والقطاع الخاص ومثل هذا التدخل مهم لتوجيه التمويل نحو القطاعات الإنتاجية المشغلة للأيدي العاملة (كثيفة الأيدي العاملة) خاصة المشروعات المرتبطة بالشرائح الفقيرة مثل مشروعات التمويل الأصغر وقد أشار الأستاذ (أنس ساتى محمد2013) في دراسته حول تنمية المشروعات الصغيرة بالسودان (تلعب المشاريع الصغيرة في الدول النامية دورا مهما في عملية التنمية وذلك بعد أن تبين محدودية التأثيرات الإيجابية للمشروعات كبيرة الحجم وكثيفة راس المال). في المدى المتوسط تدخل الحكومة في الاقتصاد يسهم في دعم مشروعات البنية التحتية مثل إقامة مشاريع المياه والكهرباء والصرف الصحي والإسكان ....الخ وقد أشارت صحيفة العالم الجديد في عددها الصادر في ديسمبر 2018 تحت عنوان دور البنية التحتية في تنمية الاقتصاد (مشروعات البنية التحتية تساهم في بناء ونهضة المجتمع وتوفير حياة أفضل للأفراد من خلال تقديمها الكثير من المساعدات، وأي تقصير في هذه العمليات يؤدي إلى الكثير من الخسائر والأضرار تؤثر على الأفراد) في المدى الطويل ينصب اهتمام القطاع الحكومي في إدارة الثروات وفقاً للمصلحة العامة وبما يحقق العدالة الاجتماعية ودعم الشرائح الفقيرة. بشكل عام ينبغي أن يكون تدخل الدولة في الاقتصاد مرحلي ووفق سلم نزولي خصوصاً بالنسبة للاقتصادات الضعيفة، لأن هذه الاقتصادات في بداية الأمر لا تمتلك قطاع خاص قوي قادر على الأخذ بزمام الاقتصاد. وهنا يكون التدخل كبير، وفي هذه المرحلة تستفيد الشرائح الفقيرة من الدعم الحكومي عبر البرامج الاجتماعية. وفى المرحلة الأخيرة يكون التدخل الحكومي في الاقتصاد بسيطا كون الاقتصاد قد اكتملت بنياته ودعمت شرائحه الفقيرة. عندما يكون الاقتصاد غير متطور وبحاجة لتدخل الدولة لابد أن يكون هذا التدخل مدروس ومعقول وغير عشوائي ووفق أسس الجودة. لابد من تحديد المجالات التي ينبغي أن تتدخل فيها الدولة للمساهمة في تطوير الاقتصاد، وأهم المجالات هي تلك المجالات التي لا يقوى القطاع الخاص على ممارسة نشاطه فيها سواء لعدم ربحيتها أو لمحدوديتها أو لأهميتها الاستراتيجية، ومن أبرز تلك المجالات هي البنى التحتية والثروة النفطية كونها ثروة تشمل الجميع. ومن ثم تقوم الدولة بإدارة تلك الثروات بما يفي باحتياجات الشرائح الفقيرة. الشكل أدناه يوضح ما أشرنا اليه: المصدر: الباحثان إن ازدياد وتنامي شريحة الفقراء خاصة في الدول النامية أدى إلى دحض الأفكار التي أشارت إلى أن النمو الاقتصادي لوحده قادر على حل مشكلة الفقراء وإرجاعها إلى مجرد ظاهرة اجتماعية، هذا المنحى يؤكد أن النمو الاقتصادي في معظم هذه الدول لم تكن له انعكاسات واضحة على الفقراء وذلك في ظل توزيع هذا النمو بطريقة غير عادلة لم ينعكس على الشرائح الفقيرة. وقد أكد كلا من (كانبور ولوستيج، 2000؛ إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة -2007-): "إن التركيز الحصري على النمو يؤدي إلى لا مساواة كبيرة" إذا لابد من توزيع عادل للنمو عبر آلية القطاع الحكومي حيث يؤدي ذلك إلى توزيع الدخل وبالتالي تحفيز الاستهلاك وزيادة الإنتاج واستدامة النمو ". بالتالي فإن أهمية التدخل الحكومي لإدارة الاقتصاد على الشرائح الفقيرة يمكن تفصيلها كما يلي: تنظيم الإطار القانوني والاجتماعي: لابد من برامج للرفاه الاجتماعي للتسهيل على أصحاب الدخول المتدنية والشرائح الفقيرة من الانتفاع من الخدمات كالخدمات الطبية والسلع الضرورية من خلال الرقابة على الأسعار. المحافظة على حرية السوق: إن حرية السوق لا تعني أبدا الاستغناء عن الدور الحكومي الرقابي بين المتنافسين في السوق وهذا ما أشار اليه أرون (2010): "الدور الحكومي تأكيد على ان كل المتنافسين في السوق قادرين على المنافسة لتقديم سلع وخدمات متشابهة للمستهلكين". إعادة توزيع الدخول: إن التفاوت في الدخول في ظل حرية السوق يحتاج للدور الحكومي حيث تستطيع الحكومة من تطبيق أدوات السياسة المالية لإعادة توزيع الدخول "لتجاوز معضلة تفاوت الدخول مثلا يثم فرض ضريبة تصاعدية وفق مستويات الدخول"( أرون (2010). وقد أكد الخبير الاقتصادي بالبنك الدولي (بور جيجنيون2007): "إن أهمية توزيع الدخل تعادل أهمية النمو للحد من الفقر" من هذه الآلية يأتي واجب الحكومة في توفير خدمات الإسكان، الرعاية الصحية، التوظيف، وبرامج الأغذية ....الخ ، لمساعدة الشرائح الفقيرة . توفير الحد الأدنى للأجور: ينبغي أن تكون الحكومات وسيط بين أصحاب العمل والعمال ذلك بالقدر الذي يضمن حقوق العمال ولا يضر بأهداف المؤسسات وأصحاب العمل وبالتالي فإن وجود قانون لتحديد حد أدنى للأجور يفي بالاحتياجات الأساسية للعاملين بمثابة حماية للشرائح الفقيرة. وفي رأى الباحثان فإن تدخل الحكومات لتحديد حد أدنى للأجور ينبغي أن يأخذ في الاعتبار الآتي كما يلاحظ من الشكل أدناه: أن يكون اعلى من الأجر التوازنيWM>MW)). ألا يؤدي، لأنه يفقد بعض العمال وظائفهم (LE-LD)وهي مقدار الذين سيفقدون وظائفهم بعد تطبيق الحد الأدنى للأجور. أن يستوعب قدر الإمكان عرض العمل (LS). وهو المستوى الذي يكون عنده العمال مستعدين لعرض ساعات عمل أكثر بعد تطبيق حد أدنى مشجع وأعلى من المقدار التوازني الذي كان سائدا. الشكل أدناه يوضح ما أشرت إليه بعاليه:
المصدر: الباحثان استقرار الأسعار: أوضحت التجارب أن التوظيف الكامل في الاقتصاد يتعارض مع سياسة تحقيق الاستقرار في الأسعار، إذا اتخذ عدم الاستقرار شكل التضخم أو الانكماش مما يتسبب في نقص الكفاءة الاقتصادية وعدم العدالة، حيث إن كلا من التضخم والانكماش يعملان على سوء توزيع الدخول. بالتالي لابد للحكومات من تبني سياسات التخفيف من حدة التقلبات (انكماشا أو تضخما) دون التأثير على معدلات النمو ومستويات المعيشة. وهذا يتطلب تعزيز مستويات الإنتاجية والكفاءة ورفع التشغيل والتوظيف من خلال سياسة مالية ونقدية تضبط الأسعار. المسؤولية الاجتماعية للحكومة: ضرورة التزام الحكومات بالاستجابة لاحتياجات المجتمع من خلال سياسات وبرامج تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة. وفي هذا السياق، لا تقتصر المسؤولية الاجتماعية في هذا السياق على الجوانب الاقتصادية، بل تشمل أيضًا الجوانب البيئية والاجتماعية التي تؤثر على حياة المواطنين، لا سيما الضعفاء والفقراء. ويتطلب هذا النهج من الحكومات، اعتماد استراتيجيات وسياسات تراعي مصالح جميع أفراد المجتمع، مع التركيز على الحد من الفوارق الاجتماعية وتحسين نوعية الحياة. وفي السياق السوداني، تكتسب المسؤولية الاجتماعية أهمية خاصة في ضوء التحديات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي تواجه البلاد. وتنطوي هذه المسؤولية على توفير الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية وفرص العمل، والتي تساهم جميعها في تحسين حياة الشرائح الفقيرة في المجتمع. كيف يمكن لإدخال معايير الجودة أن يعزز المسؤولية الاجتماعية للدولة تجاه الفقراء ، تعتبر معايير الجودة أداة استراتيجية لتعزيز المسؤولية الاجتماعية للدولة، حيث تساهم في تحسين فعالية وكفاءة السياسات العامة والبرامج الحكومية. ومن خلال اعتماد معايير الجودة في تصميم الخدمات العامة وتقديمها، يمكن للدولة ضمان تقديم خدمات عالية الجودة لجميع المواطنين، بما في ذلك الفئات المحرومة. ولا يشمل ذلك تحسين جودة الخدمات فحسب، بل يشمل أيضًا تعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع من خلال زيادة الشفافية والمساءلة الحكومية. وفي السودان، يمكن أن يؤدي اعتماد معايير الجودة إلى تحسين الخدمات المقدمة للفئات الفقيرة مثل التعليم والرعاية الصحية، والمساهمة في الحد من الفوارق الاجتماعية وتعزيز العدالة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد تحسين الجودة أيضًا في تحسين إدارة الموارد وضمان استدامة تقديم الخدمات، مما يعزز قدرة الدولة على تحقيق أهدافها الاجتماعية والاقتصادية. تلعب الجودة دوراً حاسماً في تعزيز التنمية الاقتصادية من خلال تحسين كفاءة الإنتاج وزيادة القدرة التنافسية للاقتصاد المحلي على المستوى الدولي. عندما تتبنى الدول معايير الجودة في مختلف القطاعات الاقتصادية، ستتحسن جودة المنتجات والخدمات، وستزداد القدرة التصديرية ويرتفع الدخل القومي. وهذا بدوره يخلق فرص عمل جديدة ويزيد من دخل الفرد، مما يؤدي بدوره إلى الحد من الفقر، وفى السودان مازال هناك ضعف كبير في تطبيق معايير الجودة في القطاعات الإنتاجية وبالتالي أثر ذلك في عملية الإنتاج والإنتاجية وأثر ذلك سلبا على دخول الشرائح الفقيرة ولم يمكنها من مقابلة ارتفاع تكاليف المعيشة في تبني السودان لسياسات التحرير الاقتصادي . من الاستعراض أعلاه تم الوقوف على بعض النقاط السلبية لاقتصاد السوق والتي يلاحظ أنها قد أدت الى آثار سلبية على الشرائح الفقيرة خاصة في البلدان النامية، شملت التفاوت في الدخول وازدياد معدلات البطالة والفقر. إن تطبيق حرية السوق في انتقال عوامل الإنتاج وتحرير العملة وإلغاء الرقابة وتحفيز القطاع الخاص ليصبح هو القطاع الرائد دون الأخذ في الاعتبار طبيعة اقتصاديات الدول النامية وتركيبتها الاجتماعية وإغفال الدور التاريخي للدولة في الإدارة الاجتماعية والاقتصادية ظنا بأن نماذج الفشل للتخطيط المركزي التي طالت بعض البلدان خلال حقبة السبعينات والثمانينات يعود لعدم تطبيق سياسة اقتصاد السوق. إن اقتصاد السوق لا يؤمن أهداف التنمية الاجتماعية المطلوبة وهذا ما أكدته الدعوة لتبنى سياسة اقتصاد السوق للبعد الاجتماعي بأن تكون الدولة هي المراقب حتى لا تسلب هذه الحرية بواسطة القوى الاحتكارية والتمايز الاجتماعي الناشئ من عدم توازن العرض خاصة في الاحتياجات الضرورية. من خلال هذه الدراسة اتضح أن تطبيق سياسة حرية السوق من خلال اقتصاد السوق لم تكن موفقة خاصة في الدول النامية مثل السودان للآتي: سياسة حرية السوق أدت الى تفاوت في الدخول وزادت من الهوة بين الشرائح الفقيرة والغنية . سياسة حرية السوق لم تضمن حد أدنى للأجور يستوعب عرض العمل . أدت سياسة حرية السوق إلى زيادة تكاليف المنتجات وعدم استقرار الأسعار مما أرهق الطبقات الفقيرة. التدخل الحكومي وفق أسس الجودة الاجتماعية لإدارة اقتصاد السوق لم يتم تطبيقه بالصورة المطلوبة لضمان حماية الشرائح الفقيرة. توصى الدراسة بالآتي: 1. ضرورة التدخل الحكومي وفق أسس الجودة الاجتماعية لإدارة اقتصاد السوق خاصة في توفير الاطار القانوني الذي يحمي كل الأطراف خاصة الشرائح الفقيرة. 2. أن يكون التدخل الحكومي في إدارة الاقتصاد وفق أسس الجودة الاجتماعية وأن يراعي في ذلك حجم التدخل حدوده، آجاله، مراحله، ومجالاته . 3. أن تكون أسس التدخل الحكومي لإدارة الاقتصاد متسقة مع أسس الجودة الاجتماعية وداعمة لآلية سير الاقتصاد، ودرجة تطوره وطبيعة المشروعات المستهدفة وتمويلها بالقدر الذي يدعم الشرائح الفقيرة. محمد هاشم عوض، الدعوة للتحرير الاقتصادي عبر القرون، جامعة الخرطوم 1988م حامد عبد الحميد الجبوري، الأسس العلمية لتدخل الدولة في الاقتصاد، العراق 2018. انس ساتى محمد –تنمية المشروعات الصغيرة بالسودان –منشورات مجلة المصرفي العدد لثاني بنك السودان 2013م. خالد عبد العزيز حسن محمد، الآثار الاقتصادية والاجتماعية لسياسة التحرير الاقتصادي –مجلة امبارك صحيفة العالم الجديد –العراق بغداد. الهلالي، عائشة (2009). الجودة الشاملة في المؤسسات الحكومية: النظرية والتطبيق. دار الفكر العربي. الزهراني، فهد (2013). المسؤولية الاجتماعية للشركات والحكومات: نظرة تكاملية. مجلة دراسات إدارية، العدد 15. Keeley, B. (2015), Income Inequality: The Gap between Rich and Poor, OECD Insights, OECD Publishing, Paris. Richard Pettinger Management -A Concise Introduction Red globe press-Macmillan -2012 Kanbur, R. and Lusting, N. (1999) Why is Inequality Back on the Agenda. Paper presented at Annual Bank Conference on Development Economics, 1999. Carroll, A. B. (1999). Corporate social responsibility: Evolution of a definitional construct. Business & Society, 38(3), 268-295.
المقدمة
أهداف الدراسة:
أهمية الدراسة:
مشكلة الدراسة:
فرض الدراسة:
أولاً: اقتصاد السوق:
ثانيًا: سلبيات سياسة التحرير الاقتصادي وحتمية التدخل الحكومي:
ثالثًا: آلية تدخل القطاع الحكومي:
حجم التدخل الحكومي في الاقتصاد ودعم الشرائح الفقيرة:
حدود التدخل الحكومي في الاقتصاد ودعم الشرائح الفقيرة:
آجال التدخل الحكومي وارتباطها بدعم الشرائح الفقيرة:
مراحل التدخل الحكومي وارتباطها بدعم الشرائح الفقيرة:
مراحل التدخل الحكومي وارتباطها بدعم الشرائح الفقيرة:
أسس التدخل الحكومي في الاقتصاد وارتباطها بالشرائح الفقيرة:
رابعًا: الشرائح الفقيرة بين الاقتصاد الحر والتدخل الحكومي:
أهمية التدخل الحكومي لإدارة الاقتصاد على الشرائح الفقيرة:
الجودة كأداة لتعزيز المسؤولية والبعد الاقتصادي:
الخاتمة
النتائج
التوصيات
المراجع
