جامعة أكاديميون العالمية AIU :: الاِسْتِثْمَارُ الاِجْتِمَاعِيُّ
تقاطعنا مع

تفاصيل البحث

 

الاِسْتِثْمَارُ الاِجْتِمَاعِيُّ

Social Investment

د. مشعل بن ياسين المحلاوي

وكيل جامعة أكاديميون العالمية

‎مستخلص الدراسة: ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

هدفت الدراسة الحالية إلى تمكين المستثمرين ورواد الأعمال والممارسين من فهم الاستثمار الاجتماعي وأهميته وكيفية إدارته، والتحديات التي تواجه الاستثمار الاجتماعي واستراتيجيات تعزيزه، ودور المجتمع الأكاديمي والمؤسسات البحثية في دعم الابتكار في مجال الاستثمار الاجتماعي والمهارات التي يجب أن يمتلكها القادة في مجال الاستثمار الاجتماعي لمواجهة تحديات المستقبل من خلال دمج الأهداف المالية والاجتماعية والبيئية ضمن إطار متكامل لتحقيق التنمية المستدامة.

ويعتمد منهج الدراسة على التحليل الوصفي من خلال دراسة الأدبيات المتاحة حول موضوع الاستثمار الاجتماعي واستخلاص النقاط الأساسية التي تساهم في فهمه وإدارته بكفاءة وفعالية.

وخلصت الدراسة إلى عدد من النتائج أبرزها: أن الاستثمار الاجتماعي يساهم في تحقيق تأثير إيجابي ومستدام على المجتمعات، ويعزز من رفاه المجتمعات، كما يمكن المؤسسات من تحسين أدائها بناءً على قياس الأثر الاجتماعي.

وعليه فإنها توصي بـضرورة تعزيز الوعي بأهمية الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ بين المستثمرين ورواد الأعمال، وتطوير أطر قانونية وتنظيمية لدعم وتشجيع الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ.

الكلمات المفتاحية: الاستثمار الاجتماعي، تحديات الاستثمار الاجتماعي، استراتيجيات تعزيز الاستثمار الاجتماعي، مهارات العمل في مجال الاستثمار الاجتماعي. 

Abstract:

The current study aims to enable investors, entrepreneurs, and practitioners to understand social investment, its importance, and how to manage it. It addresses the challenges facing social investment, strategies to enhance it, the role of the academic community and research institutions in supporting innovation in the field of social investment, and the skills that leaders in social investment need to confront future challenges by integrating financial, social, and environmental goals within an integrated framework to achieve sustainable development.

The study\'s methodology relies on descriptive analysis through a review of available literature on the subject of social investment, extracting the key points that contribute to understanding and managing it efficiently and effectively.

The study concluded with several findings, the most notable being that social investment contributes to creating a positive and sustainable impact on communities and enhances their welfare. It also enables institutions to improve their performance based on measuring social impact.

Therefore, it recommends enhancing awareness of the importance of social investment among investors and entrepreneurs and developing legal and regulatory frameworks to support and encourage social investment.

Keywords: social investment, challenges of social investment, strategies to enhance social investment, skills for working in social investment.

مقدمة‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬:

يعدُّ الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ توجه عالميّ جديد في الرعاية الاجتماعيَّة، تبنتهُ دول الاتحادِ‎ ‎الأوروبي لتحقيق الرفاه في مجتمعاتها ومساعدتها على تقليل الإنفاق الاجتماعيّ وتوظيفه بشكلٍ‎ ‎أمثل؛ لتحسين المشاركة في التَّنمية الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة‎.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

فالاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ من المفاهيم الحديثة التي تسعى إلى دمجِ الأهداف المالية والاجتماعيَّة والبيئيَّة ضمن إطار متكامل يهدف إلى تحقيق تأثير إيجابي ومُستدام على المجتمعات، في ظل التَّحديات العالميَّة المتزايدة، مثل: الفقر، البطالة، التَّغيّر المناخيّ وعدم المساواة، أصبح الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ نهجًا إستراتيجيًا لا غنى عنه لتحقيق التنمية المُستدامة.

 مشكلة الدراسة:

  • يمكن تحديد مشكلة البحث في الأسئلة البحثية التالية: 

  • كيف يمكن دمج الأهداف المالية والاجتماعية والبيئية لتحقيق التنمية المستدامة؟

  • ما هي المبادئ والأساليب المثلى لإدارة الاِسْتِثْمَارات الاجتماعية بكفاءة؟

  • كيف يمكن قياس الأثر الاجتماعيّ بشكل فعال؟

أهداف الدراسة: 

تهدف الدراسة الحالية التعرف على ما يلي: 

  1. توضيح مفهوم الاستثمار الاجتماعي وخصائصه.

  2. إبراز أهمية ريادة الأعمال في توجيه الاستثمارات الاجتماعية.

  3. توفير أدوات وأساليب لإدارة الاستثمارات الاجتماعية بكفاءة.

  4. عرض مبادئ وأساليب قياس الأثر.

أهمية الدراسة: 

يمكن تلخيص أهمية الدراسة: 

في تمكين المستثمرين ورواد الأعمال والممارسين من فَهْمِ هذا النوع من الاِسْتِثْمَار، وإدارته بكفاءة لتحقيق الأثر المرجو.

مصطلحات الدراسة : 

يمكن تعريف الاستثمار الاجتماعي إجرائيا بأنه : "عمليةُ توظيف واستخدام رأس المال لتحقيق عوائد مالية، واجتماعيَّة، وبيئيَّة قابلة للقياس، بهدف إحداث أثر إيجابيّ مُستدام على المجتمع، ويَجمع الاستثمار الاجتماعيّ بين تحقيق عائد مالي واستدامة الأثر الاجتماعيّ والبيئيّ، مع التركيز على تعزيز رأس المال البشري، وبناء القدرات الإنتاجية، وتمكين الأفراد والمجتمعات للتكيف مع التحولات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، ويعدُّ هذا النوع من الاستثمار حلًّا استراتيجيًّا للتحديات العالمية، حيث يسعى لتحقيق التنمية المستدامة وتحويل تكاليف الرعاية الاجتماعية إلى استثمارات مُستقبليَّة تُساهم في رفاهية الأجيال القادمة وتعزيز التماسك الاجتماعيّ".

أولاً: مقدمة في الاستثمار الاجتماعي:

يُعدُّ الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ مفهومًا حديثًا يُركز على تحقيق تأثير إيجابي على المجتمع، بجانب تحقيق عوائد مالية، فقد يهدف الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ إلى تلبية احتياجات المجتمعات من خلال دعم المشاريع التي تُعزز التَّنمية المستدامة والرفاه الاجتماعيّ.

وتتميزُ خصائص الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ بالتَّركيز على التَّأثير الاجتماعيّ العميق، واستدامة العوائد، والتَّفاعل مع المجتمعات المحلية، كما يجب التَّفرقة بين الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ والمصطلحات المشابهة مثل التَّمويل الاجتماعيّ وريادة الأعمال الاجتماعيَّة، إذ تختلف الأهداف والتَّركيزات.

وتستندُ مبادئ الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ إلى الشفافيَّة، والشراكة، والابتكار، ممَّا يساعدُ في تعزيز النتائج الإيجابية، فمن خلال فهم هذه الأُسس، يمكن للمستثمرين الاجتماعيّين تطوير إستراتيجيّات فعالة تُسهمُ في تحسين الظروف الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، وبالتَّالي تحقيق التَّنمية المستدامة. ويُسهمُ الإنفاق الاِسْتِثْمَاري بشكلٍ مباشرٍ في النشاط الاقتصادي؛ لأن الاِسْتِثْمَار هو العنصر الأكثر تقلبًا في الناتجِ المحلي الإجمالي، ويلعب الاِسْتِثْمَار دورًا حيويًّا على المدى الطويل والنمو قصير المدى، حيث يربط الحاضر بالمستقبل، فالاِسْتِثْمَار هو جزء من التَّخطيط المالي العام، فإذا كان لدينا بعض المدخرات، فسنحاول الاِسْتِثْمَار لتعظيم العائد ().

ثانيًا: المعرفة بماهية الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ:

‎الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ هو تقديم رأس المال واستخدامه من أجل تحقيق عوائد اجتماعيَّة بالدرجة‎ ‎الأولى، ومالية أيضًا. هذا النوع من الاِسْتِثْمَار يحملُ توقع سداد التَّمويل جزئيًّا أو كليًّا، كما يشمل أيضًا‎ ‎سداد القروض والأسهم والصكوك، وأحيانًا وسائل وأدوات أخرى كالضمانات والاكتتاب، كما هو الحال مع‎ ‎أيّ اِسْتِثْمَاراتٍ أخرى، حيث إنّ الأعمال المُستثمَر فيها تُؤدَّى بشكلٍ جيّد، ويمكن اِسْتِثْمَار العوائد بشكلٍ رئيسٍ‎ ‎في الأعمال التَّجارية، فضلًا عن تقديم نسبة محدودة منها للمستثمرين ().‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

 ‎فالمستثمرون في المجال الاجتماعيّ يسعون إلى تحقيق التَّوازن بين العوائد الاجتماعيَّة والمالية التي تتوقع من‎ ‎الاِسْتِثْمَار، وفقًا لأولوياتها. وقد تقبل عوائد مالية أقل من أجل توليد تأثير اجتماعيّ أكبر.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

مفهوم الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ:

‎لا يوجد تعريف متفق عليه بين الأكاديميينَ والممارسينَ؛ وذلك لأنَّه من المفاهيم التي ظهرت‎ ‎مؤخرًا، وفي المقابل شُحَّ الكتابات العلميَّة عنه، واختلاف الممارسات حوله باختلاف المجتمعات‎ ‎حول العالم، وبرزتِ العديد من المحاولات لتعريفه وتأطيره في الكتابات الغربية خاصَّة والقليل‎ ‎منها في الكتابات العربية.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ويمكن استعراض أبرزها فيما يلي:‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

أوضحت الشبكة العالمية للاستثمار الاجتماعيّ أنَّه الاستثمار الذي يهدفُ إلى إحداث أثرٍ إيجابيٍّ ‎اجتماعيّ وبيئيّ متوازيًا مع الحصول على عائد مالي‎.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

وجوهر هذا المفهوم قائم على أنَّ الاِسْتِثْمَار التَّجاري التَّقليدي يعود بمردود مالي، فالاِسْتِثْمَار‎ ‎الاجتماعيّ هو توفير واستخدام رأس المال لتحقيق عوائد اجتماعيَّة وبيئيَّة ومالية، ولكن ليس‎ ‎بالدرجة الأولى إنما لضمان الاستمرارية على المدى الطويل، بهدف استمرار تلبية الحاجات‎ ‎الأساسية المجتمعيَّة بشكلٍ متواصلٍ، كما يتميز بأنَّه أكثر أشكال المشروعات استدامة من ناحية‎ ‎الأثر، وذلك بوجود ربحٍ مالي مستمر، فضلًا عن وجود أثر اجتماعيّ إيجابي يحققه المشروع، ويُعد‎ ‎أحد الحلول الاستراتيجيّة لمواجهة التَّحديات العالميَّة المُستقبليَّة وتحقيق التَّنمية المُستدامة().‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

‎تكمنُ فكرة الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ في رأس المال البشري على مدار الحياة‎ ‎، من خلال تعزيز المهارات والقدرات في اقتصاد المعرفة التَّنافسي، وأيّ سياساتٍ وتدخلاتٍ تهدفُ‎ ‎إلى بناءِ القدرات الإنتاجية للأفراد، حيث يتمُّ تمكين الأفراد والأُسر والمجتمعات على التَّكيف مع‎ ‎التَّحولات مثل تغيير أنماط الحياة الوظيفية وظروف العمل والمخاطر الاجتماعيَّة الجديدة، وتعزيز‎ ‎مشاركة كلّ فردٍ في الاقتصاد واعتماد نهج على مدى الحياة، حتى أصبحَ هذا المفهوم أكثر فاعلية‎ ‎على الصعيد العالمي خاصَّةً في أوروبا()، مع التَّركيز على تعزيز التَّدابير الوقائية‎ ‎بدلًا من التَّعاملِ بشكلٍ سلبي مع المشكلات وتحقيق الحماية الاجتماعيَّة اللازمة()، وإقرار سياساتٍ وتدخلاتٍ تهدفُ إلى بناءِ القدراتِ الإنتاجيةِ للمواطنين().‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ويُشيرُ كذلك إلى التَّركيز على التَّحول من مفهومِ الحمايةِ إلى الرَّفاهيَّةِ الإنتاجيَّةِ‎ ‎ سواء على المستوى المفاهيمي أو المؤسسي، ويدعو إلى تعزيزِ استخدام رأس المال البشري‎ ‎والاستفادة من الموارد البشرية غير المستثمرة في سوق العمل (). ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

‎وهناك مَن يُبررُ استخدام مصطلح الاِسْتِثْمَار من خلال الرغبة في استخدام الموارد ليس فقط لتلبية‎ ‎الاحتياجات الحالية، إنما لتوليد عوائد مستقبلية أوسع أيضًا، وتوسيع النظرة حول تكاليف الرعاية‎ ‎الاجتماعيَّة بدلًا من النظر إليها باستمرار على أنَّها تكلفة، بل يجب اعتبارها اِسْتِثْمَارات وتوقع نتائجها‎ ‎الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة على المدى المتوسط، باعتبارها أرصدة اجتماعيَّة مستقبليَّة يتمُّ تكوينها‎ ‎للأجيال القادمة، وذلك من خلال الاِسْتِثْمَار في التَّعليم الأساسي وفي التَّدريب طوال فترة الحياة.‎ ‎والخدمات المصاحبة للعمل باستحداث تدخلاتٍ قادرة على ضمان التَّوفيق بين العمل والأسرة، وفي‎ ‎كل الموارد التي  تسمحُ للأفراد بالاستقرار ومساعدتهم على مسايرةِ متطلباتِ سوق العمل؛ وسعيًا‎ ‎وراء فرصٍ أفضل. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

وبشكل عام في سياسات منع المخاطر، كما تتميز بالتَّركيز على النهج الوقائي‎، ‎أي محاولة منع الأضرار بدلًا من إصلاحها، كذلك يُركز بشكلٍ أساسي على الأطفالِ وضرورة تحقيق‎ ‎مستقبلٍ واعدٍ لهم، والأسرةِ بشكلٍ عام بضمان الاستقرار لها لزيادةِ التَّماسك الاجتماعيّ، وقابلية‎ ‎توظيف الأفراد وإزالة العقبات التي تمنعُ اندماجهم في سوق العمل وخاصَّة النساء ().‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

وعرَّفتهُ وزارةُ الموارد البشرية والتَّنمية الاجتماعيَّة في (2021م) بأنَّه الاِسْتِثْمَار الذي يقوم به المستثمرُ لغرضِ تحقيق عائد مالي وعائد اجتماعيّ قابل للقياس، كما يُمكن أنْ يؤدي إلى عائداتٍ أخرى ذات أثر إيجابي على المجتمع ().

ومن خلال التَّعريفات السابق ذكرها، يُمكنُ تعريف الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ بأنه: "عمليةُ توظيف واستخدام رأس المال لتحقيق عوائد مالية، واجتماعيَّة، وبيئيَّة قابلة للقياس، بهدف إحداث أثر إيجابيّ مُستدام على المجتمع، ويَجمع الاستثمار الاجتماعيّ بين تحقيق عائد مالي واستدامة الأثر الاجتماعيّ والبيئيّ، مع التركيز على تعزيز رأس المال البشري، وبناء القدرات الإنتاجية، وتمكين الأفراد والمجتمعات للتكيف مع التحولات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، ويعدُّ هذا النوع من الاستثمار حلًّا استراتيجيًّا للتحديات العالمية، حيث يسعى لتحقيق التنمية المستدامة وتحويل تكاليف الرعاية الاجتماعية إلى استثمارات مُستقبليَّة تُساهم في رفاهية الأجيال القادمة وتعزيز التماسك الاجتماعيّ".

خصائص الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ

يلتزم المستثمرون في الأثر الاجتماعيّ بممارساتٍ تجعلُ الاِسْتِثْمَارَ الاجتماعيَّ يحقّقُ أهدافَه، وتتمثل هذه الخصائص فيما يلي:

  1. المساهمة عمدًا في التَّأثير الإيجابي الاجتماعيّ والبيئي من خلال الاِسْتِثْمَار إلى جانب عائد مالي، حيث يتمُّ التَّمويل بطريقةٍ مقصودةٍ لإيجاد الحلول والفرص للتحديات الاجتماعيَّة والبيئيَّة، وذلك من خلال استخدام أفضل البيانات العلمية الكمية أو النوعية والأدلة التي  يمكن أنْ تزيدَ من المساهمة في التَّأثير الإيجابي، وهذا يشمل: تحديد الحاجات الاجتماعيَّة أو البيئيَّة التي  تتماشى مع الأدلة التَّجريبيَّة أو العلوم الراسخة، وكذلك التي  عَبَرَ عنها السكانُ أو المجتمع البيئيّ الذي يسعى الاِسْتِثْمَار لخدمتِهِ.

  2. استخدام أفضل الأدلة المتاحة للاستفادة منها في تحديدِ الأهداف حول مساهمة هذه الاِسْتِثْمَارات الاجتماعيَّة في تحسين تلك الحاجة المجتمعيَّة والبيئيَّة، وتصميمِ إستراتيجيّات الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ، بحيث تكون قائمة على حلولٍ فعَّالةٍ في تلبية تلك الاحتياجات التي تمَّ تحديدها، وفهم الآثار السلبية المحتملة في سياقِ الاِسْتِثْمَاراتِ، وتحديدِ المؤشرات النوعيَّة والكَميَّة التي ستستخدم لقياس الأداء مقابل الأهداف ().

  3. تحسين القدرة على إجراء التَّأثير مع مرور الوقت لتحسين جودة الأنشطة، ويكون ذلك من خلال إدارة أداء التَّأثير، حيث تُستخدم بيانات أداء التَّأثير في صُنع القرار لإدارة الاِسْتِثْمَارات من أجل تحقيق الأهداف الاجتماعيَّة والبيئيَّة، وهذا يشمل تضمين التَّغذية الراجعة في دورة حياة الاِسْتِثْمَار وتحديد المخاطر التي تواجه تحقيق الأهداف ووضع الخُطط لمواجهتها، والسعي للتخفيف من الآثار السلبية للاِسْتِثْمَار كذلك الإفصاح عن بيانات الأداء والتَّأثير الفعلي للمستثمرينَ. 

  4. المساهمة في نمو تأثير الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ، وذلك باتخاذ إجراءات لتمكين المزيـد مـن المستثمرين من القيام باِسْتِثْمَارات ذات تأثيرٍ فعَّال، مع الحرص على الشفافية في استخدام ممارسات الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ والالتَّزام باستخدام الاتفاقيات والمناهج المشتركة، ومعايير وصف أهداف التَّأثير والإستراتيجيّات والأداء، والنظر في تأثير الأداء وجودة ممارسات إدارة التَّأثير للمستثمرينَ المحتملين والمستثمرين في عملية صُنعِ القرار()

الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ والمصطلحات المشابهة:

  • الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ والتَّمويل الاجتماعيّ:

يُعدُّ التَّمويل الاجتماعيّ هو المصطلح الشامل والمظلة الجامعة لكل المنتجات والأدوات والخدمات المالية التي تهدف إلى تحقيق أثرٍ اجتماعيّ وبيئي مُستدام وإيجابي، حيث يستخدم التَّمويل الاجتماعيّ مفهوم (العوائد المختلطة) أيّ يربط العوائد الاجتماعيَّة والبيئيَّة والاستدامة بالعوائد المالية، وذلك يتعارضُ مع الفكرِ التَّقليدي المُتعارف عليه للتمويل التَّجاري الذي يفرض الاختيار ما بين العوائد المالية والعوائد الاجتماعيَّة، ويُحقق التَّمويل الاجتماعيّ هذه الأهداف من خلال عدد من الأدوات منها: الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ، والتَّمويل متناهي الصغر، والخدمات المصرفية والاجتماعيَّة، وأدوات الدين، وسندات التَّمويل التَّنموي، وسندات الأثر الاجتماعيّ، ورأس المال الصبور().

إذ يُعتبر الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ أحد الأدوات التي يستخدمها التَّمويل الاجتماعيّ، حيث يتقاطع معه في أن كليهما يهدفان لتحقيق عوائد اجتماعيَّة وبيئية بالدرجة الأول، وعوائد مالية أيضًا.

  • الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ والابتكار الاجتماعيّ:

أوضحت المفوضية الأوروبية باعتبارها جهة فاعلة رئيسة في الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ، بأنَّ الابتكار عنصرٌ أساسيٌّ في سياسة الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ؛ لأنَّ السياسات الاجتماعيَّة تتطلبُ التَّكيفَ المستمر مع التَّحديات الجديدة (). مع أنَّ الابتكار الاجتماعيَّ هو مفتاح تقديم سياسات وبرامج الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ، إلا أنَّ المؤلَّفات المتعلقة بالابتكار الاجتماعيّ لم تأخذْ في الاعتبار حتى الآن الخطاب الخاص بالرفاه والسياسة الاجتماعيَّة ().

لا يعترف الابتكار الاجتماعيّ والاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ بالقيود والأهداف الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، بل يأخذ مجالًا واسعًا لتحقيق آثارٍ إيجابية، ويمكن تحديد مستويينِ من الابتكار الاجتماعيّ بالقرب من مفهوم الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ: 

الأول: ابتكار تدريجي في السلع والخدمات لتلبية الاحتياجات الاجتماعيَّة بشكل أكثر فعالية أو كفاءة. وهذا هو الهدف من العديد من المؤسسات غير الربحية. 

الثاني: ابتكار مؤسسي يهدف إلى تسخير أو إعادة تجهيز الهياكل الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة القائمة لتوليد قيمة ونتائج اجتماعيَّة جديدة ().

كما يُمكن النظر إلى الابتكار الاجتماعيّ من زاوية ابتكار وتصميم مفاهيم مالية جديدة تتناسب مع التَّحديات الاجتماعيَّة التي يُواجهها المجتمع.

ويُعرَّفُ الابتكار الاجتماعيّ على أنَّه كلُّ ما ينطبق تحت الخلق الإبداعي للإستراتيجيّات والحلول والأفكار في المجال الاجتماعيّ (). كما يُنْظَرُ له بأنَّه جملةٌ من الاستجاباتِ من ذوي العلاقة لتحدٍ أو تطوير يمس شأنًا في المجتمع بطريقة تركز على الفعالية والكفاءة والاستدامة من خلال الحلول المنبثقة من المجتمع، وتُشكِّل قيمة حقيقية للمجتمع كاملًا وليس فقط للأفراد، وتتعدد صوره حيث يكون منتجًا، أو عملية إنتاجٍ، أو مُخرَجًا تكنولوجيًا، كما قد يكون أيضًا مبدأ، أو فكرةً، أو قانونًا، أو حركة ().‬‬‬‬‬

ويشتملُ الابتكار الاجتماعيّ على ممارساتٍ جديدةٍ، سواء كانت مفاهيم، أو أدوات، أو إجراءات وأشكال جديدة من التَّعاون والتَّنظيم، وأساليب وعمليات وأنظمة وقواعد تم تطويرها من أجل تلبية المطالب الاجتماعيَّة، وحل التَّحديات المجتمعيَّة بطريقة أفضل من الممارسات الحالية.

 وبالتَّالي يمكن اعتبار الابتكار الاجتماعيّ كإجابةٍ على إخفاقات الرعاية الاجتماعيَّة التَّقليدية في توفير المنافع العامة، ومن هذا المنظور يتم تقديم الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ بشكل إستراتيجيّ من خلال ممارساتٍ مبتكرة اجتماعيًّا تُساعدُ على تمكينِ الأفراد.



  • الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ وريادة الأعمال الاجتماعيَّة:

تُعرف ريادة الأعمال الاجتماعيَّة بأنها توجيه الابتكار والإبداع لتقديمِ حلولٍ للتحدياتِ الاجتماعيَّةِ أو البيئيَّةِ، من خلال تطوير مشاريع وشركات مُستدامة ماليًا ذات نموذج عمل تجاري ربحي أو غير ربحي يصنعُ أثرًا اجتماعيًّا مستدامًا، كما تُمثل ريادةُ الأعمال الاجتماعيَّة منطقةً تقع في الوسط ‏ بين القطاعين التَّجاري والخيري ().

يجادلُ مؤيدو الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ أصحابَ الفكرِ التَّقليدي في إحداث التَّنمية، في الرأي القائل بأنَّ: "التَّنميةَ لا يمكن توجيهها وتحقيقها إلا من خلال المساعدات الاجتماعيَّة والأعمال الخيرية". ويرونه تحقيقًا لمجتمعاتٍ أكثر استدامةً وشمولًا، وبيئة أكثر صحَّة، وأنَّ الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ وريادة الأعمال الاجتماعيَّة هما المحركانِ الرئيسانِ لذلك، وأنَّ الاعتمادَ على رأي أصحاب الفكر التَّقليدي في أعمال التَّنمية يجعلها خاضعةً لتبعية قوة الأعمال الخيرية في المجتمعات؛ وبالتَّالي فهي متذبذبة حسب قوة الأعمال الخيرية في المجتمع نفسه، إذ تُعدُّ الشركات الريادية الاجتماعيَّة ركيزةً أساسية في تفعيل الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ؛ وتؤدي دورًا مهمًا في كونها الفرص الاِسْتِثْمَارية والبيئة المُناسبة للاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ؛ وهنا تظهر التَّقاطعات بوضوحٍ بين المفهومينِ، فالاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ يوظفُ رأس المال الخاص لمعالجة التَّحديات الاجتماعيَّة بطُرقٍ مبتكرة مع تحقيق النمو الاقتصادي، ولكن لا يمكن للاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ أنْ يتحققَ ما لم توجد الفرص الاِسْتِثْمَارية المناسبة والبيئة المناسبة لممارسته().

 

مبادئ الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ:

تهدفُ هذه المبادئ إلى تحقيق المنظمات للأثر الإيجابي لأعمالها وتَقدُّم المجتمع وتطوره، كما ستتمكن المنظمات من متابعة التَّحسن والتَّقدم عند الالتزام بها مع مرور الوقت، وتتمثل هذه المبادئ كما هو موضح بالشكل التَّالي:


شكل رقم (1) مبادئ الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ

  1. اِسْتِثْمَارٌ هادفٌ:

يسعى الاِسْتِثْمَارُ الهادفُ إلى تحقيقِ أثر إيجابي لا يتعارض مع جهود المستثمرين الآخرين، إذ لا بُدَّ أنْ يقومَ هذا الاِسْتِثْمَار على تحديد استراتيجيّة لها معايير وأهداف واضحة، وبناءً على ذلك، تُحَدَّدُ كافة الاِسْتِثْمَارات والأنشطة المقترحة، ولا بُدَّ أنْ يُوضع هدف للتمويل، ومحفظة اِسْتِثْمَارية تتناسب مع قدرة المنظمة وإمكانياتها وإستراتيجيّتها والشركاء في الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ، وبناءً على ذلك، تطبيق أعلى معايير التَّخطيط الإستراتيجيّ في اختيار المشروعات التي سَتُموِّل ثم الاستفادة من جميع الأطراف الأخرى في المجتمع التي لها نفس الاهتمامات والأولويات().

  1. اِسْتِثْمَار يراعي المجتمعات المحلية:

يُراعي الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ المُحترف دين المجتمع وأولوياته وعاداته وتقاليده وقيمه، ولا يتجه إلى المساس بها، وذلك بالتَّعامل مع المستفيدينَ من البرامج على أساس أنهم شركاء لهم قيمهم، وطموحهم وتصوراتهم، وقدراتهم، وإشراكهم وكافة الأطراف ذات الصلة في تصميم الأهداف، وتحديدها وتنفيذها ثم التَّقييم المستمر لها، وبناء علاقة ثقة مع الأطراف المعنية بالبرنامج بما يكفل اهتمامهم واستعدادهم للتعاون قبل البدء في البرامج، كما يجب العمل على أن تتماشى الأهداف التي  يسعى المشروع إلى تحقيقها مع الظروف والأولويات المحلية().

  1. اِسْتِثْمَار أخلاقي:

لا يتبنى الاِسْتِثْمَار الأخلاقي سوى الوسائل المشروعة والبناءة في تحقيق الأهداف والغايات، كما يتفق مع القوانين والأعراف المقبولة محليًا ودوليًّا، وضمن الأُطُر الأخلاقية والسلوكيات المحلية المقبولة والمتفقة مع قوانين المجتمع، كما تلتزم بأعلى معايير الحوكمة().

  1. اِسْتِثْمَار مسؤول:

يتحملُ الاِسْتِثْمَار المسؤول مسؤولية التَّأثيرات المباشرة وغير المباشرة للأنشطة التي  يمولها، ويتبنى مبادئ الشفافية والتَّقييم الذاتي، حيث يتبنى التَّقييم أولًا بأول من أجل تحقيق الأهداف الموضوعة خلال المدة الخاصَّة بالتَّمويل، حيث يتم وضع خطة استراتيجيّة مرنة يمكن تعديلها في الحالات الطارئة، وتُمكن المسؤولين من معالجة أي خللٍ أو ممارسة سلبية، والاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ المسؤول هو عملية اِسْتِثْمَار تعتبرُ النتائج الاجتماعيَّة والبيئيَّة للاِسْتِثْمَارات إيجابية كانت أم سلبية ضمن التَّحليل المالي الصارم والدقيق، والاِسْتِثْمَار المسؤول والمُستدام هو تطبيق مبادئ التَّنمية المستدامة في الاِسْتِثْمَار، هذا المنهج يراعي الأبعاد الثلاثة البيئيَّة والاجتماعيَّة المجتمعيَّة، والحوكمة إلى المعايير المالية المُعتادة().

ثالثًا: تطويرُ وريادةُ الأعمالِ:

يُعدُّ تطوير وريادة الأعمالِ أحد المحاورِ الأساسية لتحقيق التَّنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، ويبدأُ من تقدير الحاجة المجتمعيَّة بشكل دقيق، وتعتبرُ احتياجات المجتمع هي الأساس الذي يُبنى عليه نجاح المشاريع الريادية، حيث يُساعد فهم الاحتياجات رواد الأعمال على توجيه جهودهم نحو حلولٍ مبتكرة تُلبي تلك الاحتياجات بفعالية.

وتُعدُّ ريادة الأعمالِ من المحركات الأساسية للتنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، إذ تُساهم في خلق فرص العمل وتعزيز الابتكار، حيثُ يتطلبُ نجاح المشاريع الريادية تقديرَ الحاجة المجتمعيَّة بدقةٍ، مما يضمن تلبية متطلبات السوق وتحقيق الأثر الإيجابي، وتقدير الحاجة المجتمعيَّة هو عملية تحليليَّة تهدفُ إلى فهم المشكلات والفُرص المتاحة في المجتمع، ويعتمدُ على أساليب متعددة مثل الاستطلاعات والمقابلات وتحليل البيانات.

وتتأثر هذه العملية بعدَّة عوامل، منها الظروف الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة، مما يستدعي من الرواد اتخاذ قرارات مدروسة، كما يستند إلى مبادئ أساسية تشمل الشفافية والتَّفاعل مع المجتمع لضمان نجاح المبادرات الرِّيادية، فمن خلال تقدير الحاجة المجتمعيَّة يُمكن للرياديينَ تطوير حلول مُبتكرة تُسهمُ في تحسين جودة الحياة وتعزيز التَّنمية المستدامة.

تقدير الحاجة المجتمعيَّة وأهميتها:

هو دراسة مجتمع معين من حيث موارده التَّنموية (الطبيعة، البشرية، والمجتمعيَّة)، وتحديد المشكلات التَّنموية، وترتيب الأولويات وتحديد الأنشطة التَّنموية اللازمة لمعالجة تلك المشكلات ().

وتقدير أو تحديد الحاجاتِ: هي عمليةُ تجميع المعلومات والبيانات عن احتياجات السكَّان بالمجتمع، بغرضِ إعداد خُطةٍ فاعلة لتحسين نوعية وجودة الخدمات المقدَّمة للعملاء ().

ويُعرَّفُ تقدير الحاجات أيضًا: على أنَّه عمليةٌ رسميةٌ تُعرف الحاجات بأنها فجوات في النتائج بين ما هو موجود وما ينبغي أنْ يكونَ، ويُحدد أولويات تستند على التَّكلفة والعائد لمقابلة الحاجات، والتَّعرف على الفجوة في الخدمات الحالية وقياسها، ويزودُ بالمعلومات المفيدة لاتخاذ القرارات، وتقدير الحاجات بذلك هو عملية تحديد الحاجات وتحليلها وترتيبها طبقًا لشدتها، ووضع الحلول المناسبة من خلال جمع المعلومات عن الحاجات واتخاذ قرارات بشأنها ().

يُعرَّفُ تقدير الحاجات على أنَّه عمليةٌ ترتبط بالتَّعرف على الحاجات وتحديد أولوياتها وتحديد الحلول اللازمة لإشباعها، وهذا يتطلب جمع المعلومات عن الحاجات ووضع أحكام مرتبطة بكل منها ()

أهمية تقدير الحاجة المجتمعيَّة:

تتمثل المهمة الأولى لأيّ مجتمع يسعى لتحقيق التَّنمية في إشباع الحاجات المختلفة لسكَّانه سواء الحاجات الاجتماعيَّة، أو التَّعليميَّة، أو الصِّحيَّة، أو الاقتصاديَّة، أو غيرها من الحاجات، وذلك من خلال الاستخدام الأمثَّل للموارد والإمكانيات المتاحة.

وهذا يتطلب تحديد الحاجات المجتمعيَّة للسكَّانِ وترتيب هذه الحاجات في سلم الأهمية النسبية، وهي ما تسمى بعملية تحديد الأولويات. ويُقصد بتحديد الأولويات أي تحديد درجة الأسبقية أو درجة الأفضلية لبرنامجٍ أو مشروعٍ معين على باقي البرامج والمشروعات، لمقابلة وإشباع حاجات أو لمواجهة وحلّ مشكلات في ضوء الإمكانيات والموارد المتاحة خلال فترة زمنية محددة، وهي عملية يشترك في القيام بها الخبراءُ والفنيون وقادةُ المجتمع والمواطنون أنفسهم، كما تستلزم بضرورة الاتفاق على المحكاتِ والمعاييرِ التي ينبغي الاعتماد عليها عند المفاضلة والاختيار، حيث إنّ هناك حاجات ذات أولويةٍ مُلحة، غير أنَّ تكلفةَ إشباعها عمليةٌ نسبية، ومثل هذه الحاجات رغم ثقلها المادي إلا أنها تطفو فوق غيرها من الحاجات الأقل أولوية والأقل تكلفة، وتصبحُ أكثرَ جاذبية بأن يعمل المجتمع من أجل مواجهتها، من هنا يأتي دور المهنيين، فعليهم مساعدة المجتمع على وضع عبء التَّكلفة المادية موضع الاعتبار عند اختيار الأولويات، فعملية تحديد الأولويات لا بُدَّ أن يتضمن تحقيق المواءمة المستمرة بين أربعة جوانب أساسية: 

  1. الحاجات والمشكلات الاجتماعيَّة من حيث درجة الإلحاح وما تمثله من أهمية لدى سكَّان المجتمع.

  2. الموارد والإمكانيات المتاحة في المجتمع.

  3. التَّوقيت الزَّمني لتنفيذ الخُطَّة المقترحة لتحقيق الأهداف المبتغاة. 

  4. الأجهزة والمؤسسات الموجودة بالمجتمع من حيث الفاعلية والكفاءة الفنية ().

فتكتسب عمليةُ تقدير الاحتياجات أهميةً عالية؛ لدورها في تحديد احتياجات المجتمع بشكلٍ عام، واحتياجات المستفيدين من برامج الرعاية والإغاثة في الظروف الطارئة أو الاستثنائية بشكلٍ خاص، وتنبع هذه الأهمية لتقدير الاحتياجات من خلال قدرتها على تحقيق ما يأتي:

  • توفر معلومات أساسية يتم الاعتماد عليها في وضع الخُطط الإغاثية وتصميم برامج تُلبي الاحتياجات الحقيقية للمستفيدين بدرجة عالية من الدقة. 

  • الاستخدام الأفضل للوقت والموارد المتاحة لدى الجمعيات الخيرية.

  • التَّعرف على طرق جديدة لتحسين البرامج الخيرية. 

  • ترتيب الأولويات في أنشطة الجمعيات الخيرية. 

  • تُحدد المستهدفين الحقيقيين من برامج الرعاية والإغاثة. 

  • تعدُّ طريقة ذات موثوقية عالية لتقدير حجم المساعدات المطلوبة. 

  • توفير معلومات تساهم في اتخاذ قرارات مستقبلية. 

  • إنَّ تقديرَ الاحتياجات يساعدُ في تحقيق تقييم أفضل للنشاط ()

أساليب تقدير الحاجة المجتمعيَّة:

شكل (2) أساليب تقدير احتياجات المجتمع

يوجد العديد من الأساليب للتقدير منها:

  1. الاجتماعات وتشمل:

اللقاءات العامة: وهي اجتماعات مفتوحة يعرض من خلالها أي فرد اَراءَه، وينظمها مختصون ويديرون ما يحددونه من مشكلات، ويقدمون الاختيارات ويقترحون حلولًا ويسألون الآخرين عن آرائهم فيما يُقْتَرَح.

الفريق المختص: وهم الأكثر دراية بوقائع المجتمع وحاجاته ومشكلاته والأقدر على طرح الحلول ويدعون للنقاش والاتفاق (مثل الأطباء، والمهندسون، .... إلخ).

ممثلي الجماعة: وهنا يتم تكوين فريق يضمُّ كل الاتجاهات بين سكَّان المجتمع، توضح الاختلافات القائمة في المجتمع ().

  1. الرجوع للوثائق وإحصائيات الخدمات وتشمل:

بيانات العمل، الشكاوى والتَّظلمات، قائمة الانتظار، دراسات حول أسباب حدوث المشكلات والظروف المُعَوقَة.


  1. الاستقصاء لسكَّان المجتمع:

ترتبط باستنتاجات عن الحاجات من الإحصائيات من السجلات والتَّقارير التي توضح شدة الحاجات، كمعدلات البطالة والجريمة والتَّعليم والدخل والأسعار والأنماط الاجتماعيَّة للسكان، والأمراض وسهولة الحصول على الخدمات والازدحام وغيرها من المؤشرات الاجتماعيَّة التي   تُحلل لتعطيَ معلومات عن المجتمع وحاجات سكانه.

  1.  المقابلات الشخصية:

تتمُّ مع أفراد أو مجموعات صغيرة، والتي تسمح بالمزيد من التَّعمق، وتجعل السكان المستجيبين أكثر مشاركة، وتقدم فرص للتعرف على مناقشة كافة جوانب الحاجات وظروفها وتطورها.

  1. اَراء الخبراء واعتماد آرائهم كحاجات معيارية تُقاس عليها الحاجات الفعلية:

إن كانت الوسائل السابقة تسمَّى الطُّرق الفنية فهناك الطرق السياسيَّة لجمع البيانات، ويعني ذلك ضرورة مشاركة ذوي النفوذ في المجتمع لبناء التَّعاون والثِّقة للحصول على المعلومات، والاتفاق حول الحاجات باعتبار آرائهم تمثل حاجات معيارية، بحكم خبراتهم ومعايشتهم الواقع المجتمعي واتصالاتهم وتفاعلاتهم مع السكان ().

العوامل المؤثرة في كيفية تقدير الحاجة المجتمعيَّة:

هناك العديد من العوامل المؤثرة في كيفية تحديد الحاجات، بعضها يرجع إلى الإمكانات والأوضاع المادية والبشرية للمجتمع، كالموارد المتاحة والخبرات والمهارات المتوافرة لأفراد المجتمع، وبعضها يرجع إلى المعايير السائدة في المجتمع، ولعل أهمها:

  • مستوى المعيشة الذي يتمتع بها المجتمع المحلي.

  • الفترة الزمنية من منظورٍ سياسيٍّ اجتماعيّ.

  • مستوى الوعي الاجتماعيّ للمواطنين عامة، وهؤلاء الذين في منصب يسمح لهم بالتَّأثير أو بإحداث تغيرات اجتماعيَّة خاصَّة.

  • الأفعال اللازمة لتمويل البرامج الموصى بها ()

مبادئ تقدير الحاجة المجتمعيَّة:

ترجع أهمية التَّقدير إلى أنَّه يُحلل جوهر المشكلة المُعطاة ويرسم كيفية التَّعامل معها؛ لذا فمن أهم مبادئ التَّقدير أنَّه لا بُدَّ أنْ يتضمنَ تحليل مستويين مختلفين وهما:

  1. تحليل جوهر المشكلة ANALYZINE THE CORE PROBLEM

ويمكن تحديد أهم الأُسُّس التي يجب أنْ يرتكزَ عليها عملية تحليل جوهر المشكلة كالآتي:

  • فيما يتصل بالسكان Population:

يجب معرفة مَن هم العملاء مِن السُّكَّان أو مَن هم جمهور العملاء المطلوب الاهتمام بهم، ويجب معرفة مَن هم المستفيدون بصفة أساسية من جهود التَّقدير، ويجب التَّعرف على سماتهم وخصائصهم الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة والديموغرافية (من حيث السن، النوع، الجنس، .... إلخ).

  • فيما يتصل بنوع المشكلة The Type of Problem:

يجب معرفة ما هي طبيعة المشكلة (أي من حيث المجالscope الذي تقع فيه) (هل هي اقتصاديَّة Economic أم نفسيَّة Psychological أم تنظيميَّة Organizational ....)، كما يجب معرفة درجة أو حدَّة المشكلة (Degree) من خلال أعداد المتأثرين بهذه المشكلة (Number Affected).

  • فيما يتصل بأصل المشكلة Origin of Problem:

يجبُ التَّعرف على جذور المشكلة وكيف تغيرت على مدار الزمن، كما يجب معرفة العوامل البنائية والوظيفية التي أثرت على المشكلة حتى أصبحت بصورتها الحالية ().

  1. تحليل المهام البيئيَّة لحل المشكلة Analyze The Solution Environment:

  • تحليل الجهات المسؤولة عن مواجهة المشكلة المجتمعيَّة.

  • تحليل المصادر المجتمعيَّة التي يمكن الاستعانة بها لمواجهة المشكلة المجتمعيَّة وحائزي القوة في المجتمع.

  • تحليل الموارد البيئيَّة التي يمكن تعبئتها من خلال سكان المجتمع الذين يعانون من المشكلة.

  • تحليل الطبيعة المعرفيَّة لسكان المجتمع بالمشكلة وشرح أهمية مشاركتهم في مواجهتها، والفوائد التي ستعود عليهم مما يساعد في تعبئة مشاركتهم ()

رابعًا: إدارة الاِسْتِثْمَارِ الاِجْتمَاعِي:

تُعدُّ إدارة الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ عملية حيوية تهدفُ إلى تحقيق تأثير إيجابي على المجتمع مع تحقيق عوائد مستدامة، ولفهم المستثمر الاجتماعيّ، يجب ملاحظة أن هؤلاء الأفراد أو المؤسسات يسعون إلى تحقيق توازن بين الأهداف المالية والاجتماعيَّة، ويتمثل الدور الأساسي للمستثمر الاجتماعيّ في تحديد الفرص التي تُسهمُ في تحسين الظروف الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، وتتطلب إدارةُ الخُطَّة الإستراتيجيّة للاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ وضعَ أهدافٍ واضحة ومحددة، مثل تحسين جودة الحياة وتعزيز التَّنمية المستدامة. وتحتاج هذه الخُطط إلى تقييم دوري لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.

علاوةً على ذلك، تلعبُ إدارة المخاطر الاجتماعيَّة دورًا حاسمًا في نجاح الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ. يتعين على المستثمرين تحديدَ المخاطرِ المحتملة، مثل التَّغيرات الاقتصاديَّة أو الاجتماعيَّة، ووضع إستراتيجيّات للتخفيف من هذه المخاطر ومواجهتها، فمن خلال هذه الإدارة الشاملة، يمكن للمستثمرينَ تحقيق نتائج إيجابية مستدامة للمجتمعات التي يعملون فيها.

فهم المستثمرِ الاجتماعيّ

يعدُّ فهم المستثمر الاجتماعيّ جزءًا أساسيًّا من تعزيز الاستدامة والتَّأثير الإيجابي على المجتمعات، والمستثمر الاجتماعيّ هو ذلك الفرد أو المؤسسة التي تسعى لتحقيق عوائد اجتماعيَّة وبيئيَّة بجانب العوائد المالية من اِسْتِثْمَاراتهم، ويهدف هذا النوع من المستثمرين إلى دعم المشاريع والبرامج التي تسهم في تحسين جودة الحياة، مثل التَّعليم، والصِّحَّة، وحماية البيئة، والتَّنمية المستدامة. 

إنَّ فهمَ دوافع وسلوكيات المستثمر الاجتماعيّ يتطلب تحليل العوامل التي تؤثر على قراراته، مثل القيَّم الشَّخصيَّة، والمعتقدات، والرغبة في إحداث تغيير إيجابي، كما يشمل الفهم التَّوجه نحو قياس الأثر الاجتماعيّ والبيئيّ للاِسْتِثْمَارات، وهو ما يميز المستثمر الاجتماعيّ عن المستثمر التَّقليدي، هذا الفهم يعزز من قدرة الشركات والمشاريع على جذب هذا النوع من المستثمرينَ، من خلال تبني إستراتيجيّات تركز على تحقيق قيمة مضافة للمجتمع والبيئة، مما يسهم في تحقيق أهداف التَّنمية المستدامة وبناء مستقبل أفضل.

دور المستثمر الاجتماعيّ:

يلعبُ المستثمرون دورًا كبيرًا ومحوريًّا، فلا بُدَّ من توجيه تركيزهم على الأثر الإيجابي، حيث إنّ هذا الهدف الرئيس المراد تحقيقه يسهم في مواجهة مشكلة اجتماعيَّة معينة أو يخفف منها، وذلك من خلال الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ في المؤسسة أو الشركة الاجتماعيَّة.

كما لا بُدَّ للمستثمر من الاستفادة من الخبرات والمعارف التي  حصل عليها بعد خوض التَّجارب والمراحل المتنوعة التي  مرَّ بها، بما يسمح له بتوفير دعم استشاريّ وتوجيهيّ كافٍ في التَّجارب المقبلة، ولا بُدَّ من العمل على إيجاد الشركاء المناسبين، حيث لا بُدَّ من وجود رأس مال اجتماعيّ يساعده على تكوين شراكات تضمن نجاح المشروع، ولا بُدَّ أيضًا من الحصول على التَّمويل المناسب للمشروع، فالاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ في النهاية عبارة عن دعم مالي يُؤْمَل منه تحقيق عوائد اجتماعيَّة بالدرجة الأولى ويتبعه العائد المالي، فكلما زاد الاِسْتِثْمَار زادت العوائد المحتملة، فيمكن تحقيق أثر أكبر وعوائد أكثر من خلال التَّخطيط والدراسة السليمة للمشروع().

إدارة الخُطَّة الإستراتيجيّة للاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ وأهدافها:

تعدُّ إدارة الخُطَّة الإستراتيجيّة للاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ من العناصر الحيوية لتحقيق التَّنمية المستدامة للمجتمعات وتعزيز المسؤولية الاجتماعيَّة للشركات، وتهدف هذه الإدارة إلى توجيه الاِسْتِثْمَارات نحو مشاريع وبرامج تُساهم في تحسين الظروف الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، وتلبية احتياجات المجتمع بطرق مبتكرة ومستدامة. تتمحور الخُطَّة الإستراتيجيّة حول تحديد الأهداف الاجتماعيَّة، ووضع السياسات التي توجه الاِسْتِثْمَار نحو تحقيق تأثير إيجابي ملموس، بما يشمل التَّعليم، والصحَّة، والبيئة، ودعم الفئات الضعيفة. 

تعتمدُ الإدارة الفعّالة للخُطَّة على تحليل الاحتياجات المجتمعيَّة، وتقييم المخاطر، وقياس العوائد الاجتماعيَّة، وتطوير الشراكات بين القطاعينِ العام والخاص. 

تُسهم هذه الإستراتيجيّة في تعزيزِ سمعة الشركات، وبناءِ الثقة مع المجتمع، وتحقيقِ قيمة مضافة تتجاوز الربحية المالية التَّقليديَّة. بالتَّالي، تصبحُ إدارة الخُطَّة الإستراتيجيّة للاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ أداةً قويةً لتحقيق التَّوازن بين الأهداف الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، وتوجيه الاِسْتِثْمَارات نحو بناء مستقبل أفضل للجميع.

أهداف الخُطَّة الإستراتيجيّة للاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ:

تهدفُ عملية التَّخطيط الاجتماعيّ بشكلٍ عام، والتَّخطيط لمواجهة المخاطر الاجتماعيَّة بشكلٍ خاص إلى حماية المجتمع من الظواهر السلبية وتحسين مستوى الرفاهية الاجتماعيَّة، وإحداث تغييرات بنائية ووظيفية في البنيان الاجتماعيّ للمجتمع بما يحقق أهدافه المنشودة، ورفع مستوى جودة الخدمات الاجتماعيَّة وتسهيل عملية النفاد إليها، ومواجهة المشكلات والمخاطر الاجتماعيَّة التي تعوق تحقيق الأهداف التَّنموية من خلال البرامج الوقائيَّة والعلاجيَّة، وغيرها ().

إدارة المخاطر الاجتماعيَّة:

تشير المخاطر الاجتماعيَّة إلى كونها ظاهرة عالمية، حيث يتم التَّعامل مع المخاطر بشكل مختلف مما يمثل احتمال حدوث تحيزات جسدية ونفسية نتيجة لحدث سلبي ()

تعرَّفُ المخاطر الاجتماعيَّة على أنها حدث غير مؤكد أو مجموعة من الظروف التي في حالة حدوثها، سيكون لها تأثير على تحقيق أهداف المشروع ().

وإدارة المخاطر تقعُ ضمن مهام الإدارة العليا للمنظمة، إذ لا يمكن تحقيق الاستخدام الأمثل لموارد المنظمة وحمايتها بغياب إدارة ناجحة وآمنة مؤهلة لمواجهة المخاطر التي تتعرض لها المنظمة ().

ويمكن تعريف المخاطر الاجتماعيَّة بأنَّها حالة عدم اليقين التي من الممكن أنْ تؤثر على الأهداف الإستراتيجيّة للمنظمة، وعليه؛ فإن التَّأثير الناتج من المخاطر قد يكون سلبيًا (التَّهديدات) أو إيجابيًا (الفرص)، ويكون اهتمام إدارة المخاطر بزيادة احتمالية حدوث الفرص أو تقليل احتمالية وتأثير التَّهديدات ()

كما يُمكن تعريف إدارة المخاطر الاجتماعيَّة بأنها: "نهج منظم لتحديد أفضل مسار للعمل في ظل عدم اليقين، من خلال تحديد قضايا المخاطر وفهمها والتَّصرف بشأنها والإبلاغ عنها"().

وتعدُّ إدارة المخاطر الاجتماعيَّة طبقًا لمعهد إدارة المخاطر البريطاني IRM أنها عددٌ من الأنشطة التي يجب أنْ تُدْمَجَ ضمن ثقافة المنظمة من خلال سياسة فعَّالة، وبرامج متعددة بقيادة الإدارة العليا التَّنفيذية ().

أهداف تطبيق نموذج إدارة المخاطر الاجتماعيَّة:

إنَّ الهدفَ الذي يُرجى الوصول له من خلال تطبيق نموذج إدارة المخاطر هو السعي لتوسيع مفهوم الحماية الاجتماعيَّة، والتَّعامل مع المخاطر المتوقعة بشكلٍ يُجنب مستقبلًا وقوع عدد كبير من أفراد المجتمع ضحايا للفقر والعوز، إذ أن عدم وضع إدارة المخاطر في الاعتبار يعني أن هناك فئات عريضة من المجتمع مع حدوث هزات سواء كانت (كوارث طبيعية، أزمات اقتصاديَّة، تغيرات سياسيَّة)، ستكون عرضةً لفقد أمنها الاجتماعيّ وستتحول لفئات فقيرة؛ حيث إنّها في الأصل تفتقرُ لوجود رأس المال من جهة، وهناك قصور في شبكات الأمان الاجتماعيّ من جهة أخرى. ففي حال ظهور مشكلات -مما سبق ذكره- ستجد نفسها عاجزةً عن إشباع احتياجاتها من خلال السوق. وبما أنَّ شبكاتِ الأمان الاجتماعيّ هشة، ولم تضعْ في اعتبارها المخاطر الاجتماعيَّة التي قد تحدث؛ فستكون بدورها غير قادرة ٍعلى الوفاء بالاحتياجات ().

هنا إذن تظهر أهمية أن يكون هناك سياسة واضحة لإدارة المخاطر الاجتماعيَّة ووضعها في الاعتبار عند رسم أي سياسة رعاية اجتماعيَّة، حتى يتمَّ تجنب الكثير من القصور التي قد تواجهه الدول في حال وقع أزمات وكوارث طارئة.

مبررات وأهمية تبني نموذج إدارة المخاطر الاجتماعيَّة في سياسات الرعاية الاجتماعيَّة: 

هناك أهمية لدمج إدارة المخاطر الاجتماعيَّة في وضع سياسات الرعاية الاجتماعيَّة؛ وذلك للأسباب التَّالية:

  1. إنَّ كثيرًا من أنظمة الرعاية الاجتماعيَّة وجدت نفسها عاجزةً عن الوفاء بالتزاماتها تجاه أفرادها، وهذا قد ظهر جليًا في كثير من الدول النامية، ولعل ما حدثَ في شرق آسيا دليل واقعي على ذلك. وما يحدث الآن نتيجة الأزمات في الدول العربية أظهر بما لا شك فيه، أنَّ أنظمةَ الرعاية وشبكات الأمان الاجتماعيّ ضعيفة بشكل ملحوظ، حيث تحولت قطاعات عريضة من فئات المجتمع إلى فقيرة، وفَقَدَ الكثيرُ من الموظفين أعمالهم؛ مما أدى إلى تردي أوضاع المجتمعات بشكلٍ عام، لعجز فئات من الأفراد عن إشباع احتياجاتها الأساسية من خلال خدمات الرعاية الاجتماعيَّة المتاحة. مما جعل هناك حاجة لإيجاد أساليب يمكن من خلالها تجنب المخاطر التي قد تحصل.

  2. إنَّ إدارةَ المخاطرِ أصبحت مفهومًا معمولًا به في قطاعات مختلفة، وبالأخصِّ قطاعات الأعمال على مستوى الإستراتيجيّات. وقد أدى تبنيه إلى التَّقليل من الخسائر المادية بشكل كبير، وإلى قُدرة المنظمات على تحقيق إستراتيجيّاتها بشكل أكبر، وتحقيق أهدافها طويلة المدى، من خلال التَّعامل مع المخاطر بأسلوب علمي يقلل من آثارها. وهذه إشكالية ما زالت قائمة في مجال الرعاية الاجتماعيَّة؛ حيث إنّ هناك مخاطر مختلفة قد تقع وتؤثر بشكل كبير على تنفيذ سياسات الرعاية الاجتماعيَّة، وعلى كفاءة ما يُقَدَّمُ من برامج للرعاية الاجتماعيَّة. مما يحتم أنْ يتمَّ الأخذ بعين الاعتبار المخاطر الاجتماعيَّة (SR) التي قد تحصل في أي وقتٍ.

  3. إنَّ إدارةَ المخاطرِ الاجتماعيَّةِ (SRM) أصبحت نموذجًا حديثًا يتبناه البنك الدولي؛ للتأكد من سير الدول التي تتم مساعدتها وإقراضها على تحقيق نمو اقتصادي وشمولية أوسع في برامج الرعاية الاجتماعيَّة. واستفادة قصوى من الإعانات التي تحصل عليها. حيث يتناسب هذا الأسلوب كثيرًا مع الدول التي تعاني فعليًا من مشكلات جوهرية مثل (الفقر، البطالة، عدم كفاية برامج الرعاية للفئات المعتمدة على خدمات الرعاية الاجتماعيَّة: كالأطفال، المعاقين المسنين)؛ وبالتَّالي فإن تبنيه ودمجه كنموذج ومفهوم عند رسم سياسات الرعاية الاجتماعيَّة في الدول النامية له أهمية بالغة، حيث سيؤدي للتقليل من الآثار السلبية التي قد تحصل نتيجة التَّغيرات المفاجئة (كالحروب، أزمات اقتصاديَّة، تغيرات سياسيَّة، كوارث طبيعيَّة) ().

  4. إنَّ مفهومَ نموذج إدارة المخاطر الاجتماعيَّة يتجاوز المفهوم التَّقليدي لبرامج الأمان الاجتماعيّ التي تُقدَّم في كافة المجتمعات تقريبًا، والتي تسعى لتقديم خدمات التَّعليم والرعاية الصحية والمساعدة للفقراء والفئات الضعيفة من المجتمع، من خلال منظومة متكاملة من البرامج والخدمات التي تسعى للحدِ من المشكلات القائمة والفعلية إلى أنه آلية تسعى للحماية من أي مخاطرٍ قد تقع وتؤثر على كفاءة الخدمات المقدمة أو تزيد من المشكلات الحالية؛ حيث إنّه مدخل يسعى لإيجاد آليات وترتيبات تُساعد على الاستفادة من تنظيمات المجتمع الرسمية وغير الرسمية، في تجنب المخاطر التي قد تتعرض لها الفئات الفقيرة والضعيفة أو بمعنى آخر الأكثر اعتمادية في الحصول على خدمات الرعاية الاجتماعيَّة المقدَّمة عن طريق الدولة والمنظمات المساعدة.

  5. إدارةُ المخاطرِ كمفهوم خصوصًا في الجوانب المالية ليست جديدة، بل أصبحت جزءًا من إستراتيجيّات أي منظمة من منظمات الأعمال، لكن إدارة المخاطر في الجوانب الاجتماعيَّة هي التي تشكِّل سبقًا وتحديًا جديدًا في ظل العولمة والتَّقلبات العالمية الحديثة؛ مما يجعل من الأهمية تبنيها كأحد الحلول الاستباقية في برامج الأمان الاجتماعيّ، وضمن سياسات الرعاية الاجتماعيَّة للتعامل مع المشكلات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والحد من المشكلات الكبرى كالفقر ونحوه.

  6. إدارة المخاطر مهمَّة بشكلٍ كبيرٍ لتحسين الرعاية الاجتماعيَّة، فعن طريق تطبيق إدارة المخاطر الاجتماعيَّة عند رسم سياسات الرعاية الاجتماعيَّة يمكن تحقيق أهداف متعددة منها: تحسين ظروف الفئات الأقل حظًا في المجتمع تحقيق العدالة الاجتماعيَّة، تعزيز ثقافة الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، الحدِ من الفقر، تعزيز ورفع مستوى الرفاه الاجتماعيّ والاقتصادي؛ فهي بهذه الطريقة تمثل اتجاهًا نحو مزيد من الإصلاح الاجتماعيّ.

  7. إنَّ دمجَ إدارة المخاطر الاجتماعيَّة في سياسات الرعاية الاجتماعيَّة سيساعد على التَّغيير من الأساليب التَّقليدية في تنفيذ سياسات الرعاية الاجتماعيَّة، التي تعتمد في الغالب على المساعدات المباشرة للتحول إلى برامج للحماية والتَّمكين، وتؤدي بالتَّالي إلى التَّقليل من أثر المخاطر المتوقعة في حال حدوثها ().

خامسًا: إِدَارَةُ الأثرِ الاجتماعيّ:

تُعد إدارة الأثر الاجتماعيّ من المفاهيم الأساسية في مجالات التَّنمية المستدامة والاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ، حيث تهدف إلى قياس وتحليل التَّأثيرات الناتجة عن الأنشطة والمبادرات الاجتماعيَّة، والمعرفة بالأثر الاجتماعيّ تعني فهم كيفية تأثير المشاريع على المجتمع، سواء من حيث تحسين جودة الحياة أو تعزيز التَّماسك الاجتماعيّ.

يعدُّ قياس الأثر الاجتماعيّ أداةً حيويةً لتقييم فعالية البرامج والمبادرات، مما يساعد على اتخاذ قرارات مبنية على بيانات موثوقة، ويتيحُ قياس الأثر للمؤسسات والمستثمرين تقييم العائد الاجتماعيّ للاِسْتِثْمَارِ، وهو مفهومٌ يُعبر عن القيمة الاجتماعيَّة التي تُحَقق من خلال المشاريع مقارنة بالتَّكاليف المترتبة عليها.

وتتضمن مبادئ قياس الأثر أهمية الشفافية، والتَّفاعل مع المعنيين، واستخدام أدوات قياس موثوقة تُساعد في توثيق النتائج، ومن خلال تطبيق هذه المبادئ، يمكن للمؤسسات تحسين إستراتيجيّاتها وزيادة تأثيرها الإيجابي على المجتمع، فإدارة الأثر الاجتماعيّ ليست فقط وسيلة لتقييم النجاح، بل هي أيضًا خطوة نحو تعزيز المساءلة والشفافية، مما يسهم في تحقيق التَّنمية المستدامة.

المعرفة بالأثر الاجتماعيّ:

تُعدُّ المعرفة بالأثر الاجتماعيّ من العناصر الأساسية في تقييم تأثير المشاريع والمبادرات على المجتمعات، وتعني هذه المعرفة فهم كيفية تأثير الأنشطة على جودة الحياة، والتَّماسك الاجتماعيّ، والاقتصاد المحلي، فمن خلال تحليل الأثر الاجتماعيّ، يُمكن للمؤسسات والمستثمرين تحديد الفوائد والتَّحديات المرتبطة بمبادراتهم؛ ممَّا يساعد في اتخاذ قرارات مستنيرة. وتساهم هذه المعرفة في تعزيز الشفافية والمساءلة، وتوجيه الموارد بشكل أكثر فعالية نحو المشاريع التي تحقق أعلى تأثير إيجابي، بالتَّالي تُعدُّ المعرفة بالأثر الاجتماعيّ أداةً حيويةً لتحقيق التَّنمية المستدامة وتحسين الظروف المعيشية في المجتمعات.

ويُعرَّفُ الأثر الاجتماعيّ بأنه عبارةٌ عن مجموعة التَّغييرات الإيجابية أو السلبية التي   تطرأ في المجتمع بعد تلقي الخدمة ().

قياس الأثر الاجتماعيّ وأهميته:

  • مفهوم قياس الأثر الاجتماعيّ:

‎إنَّ قياسَ الأثرِ الاجتماعيّ هو قياس التَّغيرات (المخرجات) التي تطرأ بشكلٍ مقصود أو غير مقصودٍ على المستفيدين بسبب الخدمات والمنتجات المقدَّمة من المنظمة، والتي لا يُحددها المستفيد بقيمة اقتصاديَّة مُجمَلة ().‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ ويُعرَّفُ قياس الأثر بأنَّه معرفة مدى تحقيق الخدمات للأهداف الموضوعة مُسبقًا، وتحديد التَّأثيرات الذي أحدثته‎ ‎الخدمات والبرامج على المستفيدين، وقياس ذلك بطريقة علمية وموضوعية لمجموعة من المعارف‎ ‎والمهارات والاتجاهات وتأثير ذلك على العمل ().‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

‎ويعرَّف بأنَّه تقدير حجم وعمق ومدة التَّغيير الذي أحدثته المنظمة أو القطاع في المجتمع‎ ‎المستهدف بالأرقام (). ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

‎وعليه يمكن تعريف قياس الأثر بأنَّه:‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ "التعرف على مدى فاعلية الخدمات والبرامج والمبادرات التي تقدَّم بالقطاع الربحي ‎ ‎للتوصل إلى نقاط القوة والضعف من خلال مجموعة من المؤشرات التي تسهم في وضع خطة للتحسين‎ ‎والتطوير المستمر".‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

  • لمحة تاريخية حول قياس الأثر:

كانت بداية ظهور قياس الأثر في الولايات المتحدة الأمريكية (1969م) في قانون السياسة البيئيَّة الوطنية، إذ كان يتضمن التَّشريع حوالي (5) صفحات تحدثت حول قياس الآثار البيئيَّة للأعمال، حتى عام (1973م) فقد تم إنشاء خط أنابيب في "ألاسكا" ولوحظ تغييرات في عادات السكَّان، واتَّضحتِ الحاجة إلى تقييم العوامل الاجتماعيَّة والبيئيَّة لتلك المشروعات، ونتيجة لذلك؛ وُلِدَت منهجية تقيم الأثر الاجتماعيّ (Social Impact Assessment) وهي ما تعرف بـ (SIA)، وفي نفس العام اعتمد البنك الدولي التَّقييم البيئيّ والاجتماعيّ كجزء من إجراءات التَّقييم الخاصَّة به().

انشغلَ في بداية التَّسعينات عددٌ من المهتمين والعاملين في القطاع غير الربحي، في كثير من دول العالم بقضيتينِ رئيستينِ، فقد تصاعدت حدة "المساءلة"، إذ طالبَ المانحون ودافعو الضرائب والمواطنون والعملاء أنفسهم بأن تكونَ المنظمات غير الربحية أكثر شفافية فيما يتعلق بإنفاق الأموال وإدارتها، بل حتى في آلية جمعها، وتطور هذا الخطاب فطالبَ المانحون والممولون بمعرفة "التَّأثير"، وما إذا كانت أموالهم تُحدِث فَرقًا أم أن إنفاقها في مجالات أخرى أكثر جدوى، حيث أرادوا إظهار نتائج أعمال المنظمات غير الربحية في معالجة القضايا الاجتماعيَّة المعقدة مثل الفقر وعدم المساواة، وهكذا نادت العديد من الأصوات بمزيد من الاحترافية المهنية في القطاع غير الربحي بشكل عام().

وقام "جورج روبرتس" في منتصف التَّسعينات بإنشاء مؤسسة روبرتس لتطوير المشروعات؛ رغبةً منه في دعم اِسْتِثْمَاراته الخيرية في مجال العمل والتَّعليم، وقام بإنشاء إطار خاص بالمؤسسة لمراقبة اِسْتِثْمَاراته الخيرية بحيث يراعي العوائد الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والبيئيَّة لاِسْتِثْمَاراته، وقام بتوثيق تلك المنهجية في عام (2000م)، وهي منهجية العائد الاجتماعيّ على الاِسْتِثْمَار (Social Return On Investment)، وهي ما يعرف بـ ( SROI) إذ اعتُبِرَ فيما بعد من رواد قياس الأثر، وفي عام (2004م) تمَّ إنشاء مجموعة عمل توفر للراغبين الحصول على (SROI)‏ المساعدة اللازمة، وأطلقت في عام (2008م) شبكة العائد الاجتماعيّ على الاِسْتِثْمَار ولاقت إقبالًا واسعًا من العاملين في القطاع غير الربحي، وتمَّ نشر دليل العائد الاجتماعيّ على الاِسْتِثْمَار في (2009م) بدعم من مكتب مجلس الوزراء في المملكة المتحدة، وعليه حصل هذا النهج على إقبالٍ واسعٍ وزخمٍ كبيرٍ، وانتشر بشكل واسع خاصَّة في القطاع غير الربحي على مدى العقد الماضي، حيث يُعزز فكرة "القيمة المختلطة" في قياس القيمة الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والبيئة وعدم الفصل بينهما(). كما أطلق في عام (2000م) أيضًا مبادرة الإبلاغ العالمية تقريرها الأول للمبادئ التَّوجيهيَّة، (يشار إليها الآن باسم "G1"). والتي تمثل أوَّلَ إطارٍ عالمي لتقرير شامل عن الاستدامة، وبين عامي (2006م و2010م) ظهرت العديد من المنهجيات الأخرى المستخدمة على نطاق واسع اليوم ().

وتبيَّنَ من العرض السابق أنَّ منهجياتِ قياس الأثر وُلِدَت في رحم السياسات والأنظمة في القطاع الحكومي. ونمت وتطورت في القطاع غير الربحي في كثير من دول العالم؛ مما يعني أنها منهجيات يمكن استخدامها لكافة أنواع التَّدخلات سواء كانت سياسات أو برامج أو مشروعات ولكافة القطاعات.

إنَّ قياسَ الأثرِ كما اتَّضحَ ليس علمًا جديدًا، ولكنه متجدد، وقد تمَّ تناوله في عدد من الأدبيات والعلوم وفي سياقات متعددة منها ():

  1. بحوث التَّقييم:

حيث ترتكز على تقييم وقياس نتائج المشروعات والبرامج الاجتماعيَّة وقياس أثرها من خلال تحليل منطقي للأنشطة والعمليات ومخرجاتها.

  1. المحاسبة الاجتماعيَّة:

فقد نوقشت موضوعات قياس الأثر البيئيّ والاجتماعيّ والمساءلة، وتعمل على دمج التَّأثيرات غير النَّقدية في الموازنة وحساب التَّكاليف والرِّبح.

  1. بحوث المنظمات غير الربحية:

حتى لو كان تناولها بشكلٍ عابر حيث يتم التَّركيز أكثر فيها على قياس الأداء والنجاح بتناول الأثر، ولكن يتم التَّركيز أكثر على قياس المخرجات.

  1. ريادة الأعمال الاجتماعيَّة:

تهدف في أعمالها إلى مواجهة قضايا اجتماعيَّة وتحديات في المجتمع؛ لذا فصميم عملها يرتكز على إحداث الأثر لأن قياس الأثر لا بُدَّ منه لتوفير دليل على إحداث الأثر.

  1. شركات القطاع الخاص:

تظهر في توجهها نحو المسؤولية الاجتماعيَّة، ويُقصد بها مسؤولية المنظمة عن آثار قراراتها وأنشطتها على المجتمع والبيئة، مع التَّركيز على دمج السلوك الأخلاقي في أعمالها التي تُساهم في التَّنمية المستدامة والصحة والرفاه، وتأخذ توقعات أصحاب المصلحة في الاعتبار في المنظمة بأكملها وعلاقاتها، إلا أن هذه الشركات غير ملزمة بإثبات تأثيرها الاجتماعيّ، وتناول قياس الأثر في تقاريرها وأعمالها.

  • أهمية قياس الأثر:

الهدف الأساسي من قياس العائد أو الأثر هو التَّحقق من وجود دليلٍ ملموسٍ على التَّغيير الاجتماعيّ الذي حققه الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ؛ لذا لا بُدَّ من تضمينه كخطوة أخيرة تُظهر هذا الأثر سواءً كان إيجابيًا أو سلبيًا، مقصودًا أو غير مقصود، مباشرًا أو غير مباشر؛ من أجل رصده والعمل على تحسينه وتطويره مستقبلًا وتحقيق التَّعلُّم والمساءلة ().

يهدفُ قياس الأثر إلى مساعدة صُناع القرار على تقييم مزايا الاستمرار في اِسْتِثْمَارهم الاجتماعيّ أو تحسينها واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها؛ حيث إنّه يساعد على تحقيق التَّعلُّم والتَّحسين للمشروعات القائمة()، ويعدُّ أداةً للتخطيط الإستراتيجيّ التي تساعد على الفهم العميق للقيمة الاجتماعيَّة من خلال التَّحليل المتعمق لكافة الجوانب، ومعرفة الفرص التي  تُعظّم الأثر بشكل أكبر، واتخاذ قرارات مستندة على الأدلة بشأن توسيع أو تقليص المشروعات، واعتبارها بمثابة أساس للاختيار والمفاضلة بين المشروعات والبرامج المختلفة.

كما يساعد على تجنب ما يُسمَّى ظاهرة (غسل الأثر)، حيث يتمُّ فيها استخدام لغة الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ واِدِّعَاء المؤسسات إحداث أثر اجتماعيّ إيجابي لعملها بدون وجود أي نتائج على أرض الواقع، وقد تنتج هذه الظاهرة نتيجة الافتقار إلى الوضوح المفاهيميّ والمصطلحيّ والتَّعريف الواضح لها حيث يعمل قياس الأثر على تحقيق المساءلة في مدى وجود الأثر، وإظهار الأدلة على هذا الأثر على الواقع ().

يعملُ على تحقيقِ الاستدامةِ الماليةِ في المنظماتِ غير الربحيةِ، حيث يتمُّ تزويد المانحين والممولين بتقارير قياس الأثر وإقناعهم بأهمية الاستمرارية في المنح؛ نظرًا للأثر الذي تمَّ تحقيقه. كما يحقق المساءلة والشفافية على الموارد المالية للمنظمات، وعلى أعمالها، كما أنَّ له دور مهم في جذب ممولين جُدد سواء من جهات مانحة أو حتى تبرعات من أفراد المجتمع، كما أنَّ القصصَ التي تتضمنها تقارير قياس الأثر عن التَّغييرات التي حدثت في حياة الناس، قد تُعتبر وسيلة تسويقية للمنظمات تستخدمها للتسويق لأعمالها ومنتجاتها، بالإضافة إلى أنه يُحقق التَّعاون مع المنظمات الأخرى العاملة في القطاع من خلال البيانات التي يتم التَّوصل لها ()

كما يساعد على تركيز الاِسْتِثْمَار في المجالات ذاتَ العائد الاجتماعيّ الأكبر، وتوجيه الموارد سواء كانت (وقتًا، أو جهدًا، أو مالًا) بشكل أكثر كفاءةً، فقد يحدد حجم ومدى الإنفاق وجدوى هذا الإنفاق، ومدى الاستفادة وقدرته على تحقيق الأثر المرجو منه.

يُحقق قياس الأثر وعيًا بمخاطر الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ كذلك سواء كانت مخاطر مالية، أو مخاطر عدم القدرة على تحقيق النتيجة المرجوة من الاِسْتِثْمَار أو مخاطر الآثار السلبية غير المقصودة من الاِسْتِثْمَار()، وبالتَّالي فإنَّه يساعدُ المنظمات على خفض تلك المخاطر والتَّكاليف حيث يساعد على تحقيق المساءلة عن الموارد، كما يساعد على إمكانية التّكرار للمشروعات ذات الأثر المرتفع، وتحديد المجالات التَّنموية التي  تعظم الأثر الاجتماعيّ للمشروعات، وتوفير بيانات عن النتائج، والأثر القائم على الأدلة بما يوضح مقدار ومدى المساهمة في التَّنمية المستدامة.

ويوفر قياس الأثر لغةً مشتركة بين كافة أصحاب المصلحة عن طريق تقييم الأثر الاجتماعيّ بمنهجيةٍ علمية، وعدم الاكتفاء بالوصف اللفظي المشاهد للأثر الاجتماعيّ، بل لا بُدَّ من دليل علمي على هذا الأثر.

  • دراسة العائد الاجتماعيّ للاِسْتِثْمَار

قياس الأثر الاجتماعيّ للاِسْتِثْمَار هو العملية التي يتم بها التَّعرّف على درجة فاعلية الخدمات، بمعنى هل حققت الخدمة أهدافها أم لا؟ أو إلى أي مدى تمَّ تحقق الأهداف؟ وبعبارة أخرى هو التَّعرف على مدى التَّأثير الذي أحدثته الخدمات الْمُقَدِّمة للمستفيدين، وذلك من خلال عملية قياس عملية وموضوعية لمجموعة المعارف والمهارات والقدرات والعادات والاتجاهات الجديدة وتأثير ذلك على العملِ ().

  • العائدُ الاجتماعيّ على الاِسْتِثْمَار : 

هِيَ منهجية عمل لقياسِ وتفسير مفهومٍ واسع القيمة، يأخذُ العوامل الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة في الحسبان، وهو منهجيةٌ رائدةٌ معترفٌ بها في قياسِ الأثرِ، وأحد الطُّرق المعتمدة لتقييم الآثار الاجتماعيَّة.

أما تحليل العائد الاجتماعيّ على الاِسْتِثْمَار:

هو عمليةٌ تتضمن فهمًا تامًا وقياسًا دقيقًا وإعدادَ تقارير خاصَّة بالقيم الاجتماعيَّة والبيئيَّة والاقتصاديَّة التي فرضتها المنظمة().

  • مبادئ قياس الأثر:

توفرُ هذه المبادئ اللَّبنة الأساسية لأي شخصٍ يريدُ اتخاذ القرارات ودعم القيمة الاجتماعيَّة. من أجل دعم المساواة وزيادة الرفاهية وتمكين الاستدامة البيئيَّة، وقد تمَّ استخلاصها من المبادئ التي تقوم عليها المحاسبة الاجتماعيَّة، والتَّدقيق، والإبلاغ عن الاستدامة، وتحليل التَّكلفة، والمحاسبة المالية وممارسة التَّقييم، وتروي هذه المبادئ قصة التَّغييرات التي يمرُّ بها الناس. حيث تشمل المعلومات النَّوعية والكمية والمقارنة والتَّغييرات البيئيَّة فيما يتعلق بكيفية تأثيرها على حياة الناس، من خلال إنشاء حساب ثابت وموثوق للقيمة التي يتمُّ إنشاؤها أو إتلافها. 

يمكن أنْ تظلَّ النتائجُ ومقاييس وقيم النتائج محددةً للسياق والنشاط وأصحاب المصلحة المعنيين. ولا بُدَّ أن يراعى عند تطبيق هذه المبادئ مستوى عالٍ من الدقة؛ لأنها تعتمد على احتياجات المستفيدين، وسيُتَخذ قرارات بناءً عليها، حيث إنّ القيمة الاجتماعيَّة - غالبًا - لا تُقاس بشكل مباشر، فهي غير مرئية؛ لأنها تتعلق بالنتائج التي يعيشها الأشخاص الذين ليس لديهم سلطة أو لا يؤثرون في صُنع القرار. كما يساعد تطبيق المبادئ في جعل المنظمات أكثر مساءلةً عمَّا يحدث نتيجة عملها. وتكون مسؤولةً أكثر عن تحقيق أهدافها، وسيتم توضيح المبادئ فيما يلي:



  1. إشراك أصحاب المصلحة:

يُقْصَدُ بأصحاب المصلحة هم أولئك الأشخاص أو المنظمات التي  ستواجه التَّغيير وتخضع له كنتيجة للنشاط، حيث إنّهم أفضل مَن لديه القدرة على وصف التَّغيير، ويُعنى هذا المبدأ بضرورة تحديد أصحاب المصلحة ومن ثَمَّ المشاركة في التَّشاور معهم طوال فترة التَّحليل، حتى يتمَّ تحديد التَّغيير بدقة من قِبَلِ المتأثرين بالنشاط أو مَن يؤثرون به (socialvalueint.org) إلا أن البعضَ قد يحصر أصحاب المصلحة بالمستفيدين من المشروع، أي الفئة المستهدفة بشكلٍ مباشر بالمشروع والمانحين فقط، ولا شك أن مفهومَ أصحاب المصلحة أوسع من ذلك، بحيث يشمل الأفراد المستفيدين من المشروع بشكل مباشر وكل مَن له علاقة بهؤلاء الأفراد المتأثرين بطبيعة الخدمة التي  يقدِّمها المشروع. وقد يشمل منظمات أيضًا، فعلى سبيل المثال، مشروع يُعنى بتأهيل طلاب مرحلة الثالث الثانوي للمرحلة الجامعية، فأصحاب المصلحة قد يشملون الطلاب وأسرهم وزملاءَهم والمعلمين ومديري المدارس، والجهة مقدمة الخدمة والمتطوعين فيها والمانحين، والجامعات التي سيلتحقون بها، والجهات المشاركة في تنفيذ المشروع، إن وجدت. 

فإن البعض لا يدرج العاملين في المنظمة نفسها ضمن أصحاب المصلحة وبالتَّالي تجاهل الآثار التي قد تحدث لهم نتيجة لذلك، فيتمُّ التَّركيز على الآثار الخارجية للمنظمة نفسها دون التَّركيز على الآثار الداخلية فيها، فإن إشراك كافة أصحاب المصلحة في قياس الأثر هو ما سيجعل من إعادة تعريف احتياجات المجتمع المعني بالمشروع ممكنًا. وبالتَّالي تعديل مخرجات ونتائج المشروع بشكل منتظم وفقًا لهذه الاحتياجات، وبالتَّالي إعادة صياغة الأثر الاجتماعيّ المطلوب؛ لكي يتحقق الغرض من قياس الأثر ().

  1. ماهية التَّغييرات:

توضيح كيف يتمُّ إنشاء التَّغيير وتقييم ذلك من خلال الأدلة التي جُمِعَت والاعتراف بالتَّغييرات الإيجابية والسلبية والمقصودة وغير المقصودة، هذه التَّغييرات هي نتائج النشاط، والتي أصبحت ممكنة بفضل مساهمات أصحاب المصلحة، وهذه النتائج هي التي ينبغي قياسها من أجل تقديم دليل على أن التَّغييرَ قد حدث. ولا بُدَّ من توضيح مدى اتساع الأثر، أي من حيث التَّغطية الجغرافية للأثر وعمقه وشدته والأثر البيئي كذلك ()؛ وذلك لرسم صورة كاملة للقيمة التي يولدها البرنامج أو المشروع. حيث إنّ التَّركيز على الآثار الإيجابية فقط يقلل من قيمة الأثر الحقيقي الذي أحدثه البرنامج أو المشروع. ولا بُدَّ من تحديدها بشكل واقعي وحقيقي بعيدًا عن المبالغة ().

  1. قيمة النتائج:

قد يتمُّ الوصول إلى عددٍ من النتائج؛ لذا لا بُدَّ من العمل على تقدير النتائج ذاتَ الأهمية والأولوية واستخدام مقاربات مالية في ذلك؛ بهدف إعطاء قيمة مالية للنتائج التي ليس لها قيمة متداولة في الأسواق. كما يمكن استخدام تفضيلات الفئة المستهدفة من المشروع بشكل مباشر والمانحين بشكل خاص أو أصحاب المصلحة عمومًا؛ وذلك لمعرفة قيمة النتائج التي لها أهمية كبرى بالنسبة لهم، كما يمكن مقارنة القيمة التي تمَّ التَّوصل إليها بتكلفة النشاط بحيث تكون ‏وسيلة فاعلة لإيصال القيمة من أجل التَّأثير على القرارات.

  1. تضمين الأمور المادية:

العمل على تحديد ماهية المعلومات والأدلة التي  يجب تضمينها في الحسابات؛ لتعكس صورة حقيقية ومنصفة؛ مما يسمح لأصحاب المصلحة باستخلاص استنتاجات معقولة حول الأثر، ويتطلب هذا المبدأ تقييمًا إذا كان شخص ما سيتخذ قرارًا مختلفًا حول النشاط، في حال تمَّ استبعاد معلومة معينة، ويتطلب تحديد الأمور المادية الرجوع إلى سياسات المنظمة وأقرانها والمعايير المجتمعيَّة والآثار المالية القصيرة الأجل، حيث إنّ هذا التَّضمين مهم لأصحاب المصلحة على وجه الخصوص‏، واستخدام القيمة السوقية لبعض التَّأثيرات الاجتماعيَّة التي  لا يوجد لها قيمة سوقية حقيقية بدقة عالية، فبعض القيم الاجتماعيَّة كالوقت على سبيل المثال، لا يمكن إسنادها في كل الأحوال إلى قيمة سوقية حقيقية؛ لذا لا بُدَّ من مراعاة الدقة والتَّحري عن كيفية تحديدها بدقة عالية حسب الأمور المرتبطة بالقيمة السوقية لهذا الوقت المستخدم المراد قياس أثره.

  1. عدم التَّضخيم والمبالغة في تقدير الأشياء:

توضيح القيمة التي تكون الأنشطة مسؤولة عن إنشائها بدون أي زيادة في تأثير تلك الأنشطة، أو نسب أي تأثيرٍ للنشاط حتى ولو لم يكن بسببه، يتطلب هذا المبدأ الرجوع إلى خطوط الأساس والاتجاهات والمقاييس للمساعدة في تقييم المدى الذي يحدث فيه التَّغيير بسبب النشاط. إن الإبلاغَ عن النتائج المحددة وإدارتها مع أصحاب المصلحة (المتأثرين) سيمكن الأشخاص أو المنظمات الأخرى من فهم أفضل لكيفية مساهمتهم في خلق القيمة وتجنب النتائج السلبية وتشجيع نظام أو نهج جماعي لتحقيق النتائج.

  1. الشفافية:

وذلك بشرح الأساس الذي يمكن من خلاله اعتبار التَّحليل دقيق وصادق، وأنه سيتم إبلاغه ومناقشته مع أصحاب المصلحة، أيُّ أنْه يتمَّ شرح كل قرار وتوثيقه فيما يتعلق بأصحاب المصلحة والنتائج والمؤشرات والمعايير، ومصادر وطُرق جمع المعلومات، والسيناريوهات المختلفة، ونقل النتائج إلى أصحاب المصلحة، بحيث يشمل هذا سردًا لكيفية تغيير الأنشطة لتتناسب مع الأثر المراد تحقيقه، حيث إنّ التَّحليل يكون أكثر مصداقية عندما تكون أسباب القرارات شفافة.

  1. التَّحقق من النتيجة:

يتمُّ ذلك بالتَّحقق مما إذا كانت القرارات التي تمَّ اتخاذها في قياس الأثر معقولة وموضوعية أم لا؟ كذلك الإشارة إلى الاتجاهات والمقاييس المستخدمة للمساعدة في تقييم التَّغيير الناجم عن النشاط بالمقارنة مع غيرها من العوامل، والعمل على تحقيق الموضوعية في المنهجيات المستخدمة بما يضمن الوصول لنتائج صادقة ().

الخاتمة

إنَّ الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ ليس مجرد مفهوم نظري، بل هو نهج عملي يتطلب التزامًا حقيقيًا من جميع الأطراف المعنية لتحقيق الأهداف المرجوة. فمن خلال تعزيز الوعي، وتطوير السياسات الداعمة، وتوفير التدريب والدعم، يمكن تحقيق تقدم ملموس في هذا المجال. كما أنَّ تبني ممارسات الشفافية والمساءلة، وقياس الأثر الاجتماعيّ، وتعزيز التعاون والشراكات، ودعم البحث والتطوير، كلها عوامل أساسية لضمان نجاح الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ.

النتائج والتوصيات

أولاً: النتائج:

وخلصت الدراسة إلى نتائج أهمها:

- يُسهم الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ في تحقيق تأثير إيجابي ومستدام على المجتمعات.

- يساعد الاستثمار الاجتماعي في دمج الأهداف المالية والاجتماعية والبيئية لتحقيق التنمية المستدامة.

- يُعزز الاستثمار الاجتماعي من رفاه المجتمعات وتقليل الإنفاق الاجتماعي.

- يُمكن الاستثمار الاجتماعي المؤسسات من تحسين أدائها بناءً على نتائج قياس الأثر الاجتماعيّ.

- يُحفز الاستثمار الاجتماعي رواد الأعمال والمستثمرين على تبني نهج الاستدامة في استثماراتهم.

ولأن الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ ركيزة أساسية لبناء مستقبل أفضل وأكثر استدامة للأجيال القادمة.

ثانيًا: التوصيات:

لذا توصي الدراسة بالآتي:

  1.  العمل على نشر الوعي حول فوائد الاستثمار الاجتماعيّ وأثره الإيجابي على التنمية المستدامة.

  2. تطوير سياسات وتشريعات تشجع على الاستثمار الاجتماعيّ، وتقديم حوافز للمستثمرين الذين يساهمون في تحقيق الأهداف الاجتماعية والبيئية.

  3. توفير برامج تدريبية ودعم فني للمستثمرين ورواد الأعمال لتمكينهم من فهم وإدارة الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ بكفاءة.

  4. تعزيز ممارسات الشفافية والمساءلة في الاستثمار الاجتماعيّ لضمان تحقيق الأثر الإيجابي المرجو.

  5. تبني منهجيات قياس الأثر الاجتماعيّ لضمان تحقيق الأهداف المرجوة وتحسين الأداء بناءً على النتائج المستخلصة.

  6. تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني لتحقيق أهداف الاستثمار الاجتماعيّ بشكل أكثر فعالية.

  7. دعم الأبحاث والدراسات المتعلقة بالاستثمار الاجتماعيّ لتطوير فهم أعمق وأفضل للممارسات الفعّالة والتحديات المحتملة. 

المراجع:

  • إبراهيم جلالين، دراسة قياس الأثر الاجتماعيّ لخدمات جمعية المودة 2018م، والعائد الاجتماعيّ على الاِسْتِثْمَار، المستودع الرقمي الأسري، 2019، ص14.

  • أحمد محمد حسن هريدي، التَّخطيط لإدارة المخاطر الاجتماعيَّة في المنظمات غير الحكومية، مجلة القاهرة للخدمة الاجتماعيَّة، العدد (37)، 2022، ص20.

  • الإدارة العامة للمخاطر المؤسسية والأمن السيبراني: الدليل الاسترشادي لبناء نظام المخاطر المؤسسية، الهيئة العامة للأوقاف، السعودية، 2022، ص4.

  • المركز الدولي للأبحاث والدراسات مداد وقمم المعرفة، 14 خطوة لاِسْتِثْمَار اجتماعيّ ناجح، دليل إجرائي للجمعيات الاجتماعيَّة في المملكة العربية السعودية، وقف سعد وعبد العزيز الموسى، الرياض، 2017، ص15.

  • الموقع الإلكتروني للشبكة العالمية للاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ، https://thegiin.org/ .

  • أماني زهير عبد الله الشهري، الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ في القطاع غير الربحي، فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، 2022، ص15-16.

  • أماني بنت الزهري، الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ في القطاع غير الربحي، السبيعي الخيرية، الرياض، 2021، ص30.

  • أماني بنت زهير الشهري، الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ في القطاع غير الربحي، السبيعي الخيرية، 2021، ص12.

  • إيمان ناصري، الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ المسؤول ودوره في تعزيز التَّنمية المستدامة: دراسة حالة مشروع AGIR لولاية سيدي بلعباس "الجزائر" كلية العلوم الاقتصاديَّة والتَّجارية وعلوم التَّسيير، مخبر اقتصاديات الطاقات المتجددة ودورها في تحقيق التَّنمية، مجلة الاقتصاد والتَّنمية، 2020م.

  • تسامي لريادة الأعمال الاجتماعيَّة، إثمار للاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ، دليلك إلى الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ تعرف معنا خطوة بخطوة كيف تستثمر أموالك في مشاريع تجارية تعمل على حل المشكلات الاجتماعيَّة، مؤسسة مقف أحمد حمدان العرادي البلوي الخيرية، الرياض، 2018، ص20.

  • دليل الممارس التَّنموي في تكوين وإدارة المنظمات الطوعية، مستودع وثائق منظمة FAO، الجزء الأول.

  • دليل تقدير احتياجات المستفيدين من خدمات الجمعيات الخيرية، المركز الدولي للأبحاث والدراسات "مداد"، جامعة أم القرى، 2015، ص21-22.

  • زينب هادي الشريفي، حسين بديوي محمد، تأثير الوعي الاجتماعيّ للمستثمر على قرارات الاِسْتِثْمَار: دراسة استطلاعية لآراء عينة من المستثمرين في سوق العراق للأوراق المالية، مجلة كلية الإدارة والاقتصاد، جامعة الكوفة، العدد (65)، ج (1)، 2022، ص227.

  • سلوى عبد الحفيظ بحراوي، مؤشرات تخطيطية لقياس أثر الاِسْتِثْمَار الاجتماعيّ في تحقيق التَّنمية المستدامة بالقطاع غير الربحي، مجلة كلية الخدمة الاجتماعيَّة للدراسات والبحوث الاجتماعيَّة، العدد (35)، 2024، ص319.

  • طلعت مصطفى السروجي، السياسة الاجتماعيَّة في إطار المتغيرات العالمية، دار الفكر العربي للطباعة والنشر، 2008، ص42.

  • عبد الناصر سليم حامد، معجم مصطلحات الخدمة الاجتماعيَّة، عمان، دار أسامة للنشر والتَّوزيع، 2011، ص154.

  • فيصل المناور، منى العلبان، إدارة المخاطر الاجتماعيَّة: التَّخطيط وسبل المواجهة، المعهد العربي للتخطيط، العدد (154)، 2021، ص1.

  • كندة المعمار، غياث الهواري، الابتكار الاجتماعيّ: هل هناك حقًا منهج للابتكار. مجلة الابتكار الاجتماعيّ، الإمارات العربية، العدد التَّجريبي، 2019.

  • ماهر أبو المعاطي علي، الاتجاهات الحديثة في الرعاية الاجتماعيَّة (أسس نظرية ونماذج عربية ومصرية)، القاهرة، المكتب الجامع الحديث، 2010، ص329-330.

  • مجيدة محمد الناجم، إدارة المخاطر الاجتماعيَّة كنموذج حديث في سياسات الرعاية الاجتماعيَّة، مجلة الآداب، جامعة الملك سعود، مجلد (26)، العدد (3)، 2014، ص215-216.

  • محمود محمد محمود، قراءات في التَّخطيط الاجتماعيّ من منظور مهنة الخدمة الاجتماعيَّة، القاهرة، مكتبة زهراء الشرق، 2006، ص96.

  • مروة حمدي عبد الوهاب حامد، تقدير الحاجات كعملية أساسية في التَّخطيط الاجتماعيّ، مجلة الخدمة الاجتماعيَّة، مجلد (58)، العدد (9)، 2018، ص45.

  • معن التَّنجي، قياس الأثر الاجتماعيّ، جمعية مسرة عبد الرحيم الخيرية، الجزائر، 2021، ص2.

  • منى عطية خليل، شبكة الأمان الاجتماعيّ وتحسين نوعية حياة الفقراء، المكتب الجامعي الحديث، 2010.

  • هاشم مرعي هاشم، التَّخطيط الاجتماعيّ من منظور الخدمة الاجتماعيَّة، مكتبة زرقاء للطباعة والنشر والتَّوزيع، 2010، ص169-170.

  • وزارة الموارد البشرية والتَّنمية الاجتماعيَّة، القطاع غير الربحي تعريفه مسمياته كياناته ومنهجية قياس مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، الإصدار الأول، إدارة تحليل الأبحاث، مكتب معالي النائب للتنمية الاجتماعيَّة، 2021.

  • Aldona Wiktorska, Świecka, Monika Klimowicz, (Innovative Social Investment: Strengthening communities in Europe) Grant Agreement Number: 649189, innovative social investment, 2015, 

  • Bryan Dufour, state of the art in social impact measurement: methods for work integration social enterprises measuring their impact in public context, 5th EMES, 2015, p.4

  • Claire Dheret, Lieve Fransen, Social Investment First – A Precondition for A Modern Social Europe, European Policy Centre, 2017, P. 7

  • Cris o\'leary. Sue Baines. Innovation and Social investment Programs in Europe European Policy Analysis, 2018, p.297

  • Albert R. Roberts and Kenneth R. YEAGER: Foundation OF Evidence –Based Social work PRACtice, The United STATES OF America, Oxford ,2006, p395.

  • Brian Nolan, what use is social investment? journal of European social policy, 23, (5), 2013, p.460.

  • Chris Chapman and Stephen Ward: Project Risk Management (Processes, Techniques, and Insights), School of Management, University of Southampton, UK, Second edition, 2003, p6.

  • Clifford, J., Hehenberger, L., & Fantini, M.  Proposed approaches to social impact. 2014, p.37

  • Costa, G. II Social Investment Approach nelle politiche di welfare: un\'occasione di innovazione. La Rivista delle politiche sociali, 4, 2012. P. 335-353.

  • Cris o\'leary. Sue Baines. Innovation and Social investment Programs in Europe European Policy Analysis, 2018, p.298

  • ‏Florman, M., Klingler-Vidra, R., & Facada, M. J. A critical evaluation of social impact‏ ‏assessment methodologies and a call to measure economic and social impact holistically‏ ‏through the External Rate of Return platform.‏ 2016, p.6

  • ‏Hand. D. Dithrich, H, Sunderji, S, Nova, N. Annual Impact Investor Survey, The Tenth‏ ‏Edition, Global Impact investing Network‏, 2020, p.46

  • Katie Hill. (2015): A Brief Handbook on Social Impact Investment A UK Perspective. London. UK, the City of London Corporation.

  • Keyte. Tom& Ridout, Heather, 7 Steps to Effective Impact Measurement, in Focus‏ ‏Enterprises Ltd, 2016, p.5 

  • Laura Lupu: The concept of social risk: A geographical approach, Quaestiones Geographicae 38(4), Bogucki Wy-dawnictwo Naukowe, Poznań, Institute of Geography, Romanian Academy, Bucharest, Romania, 2019, p.7

  • Sener, Meltems Yilmaz. The World Bank\'s‏ ‏risk management approach to poverty as a‏ ‏form of neoliberal govern mentality the case‏ ‏of "the social risk mitigation project" in‏ ‏Turkey. PhD thesis: University of Illinois at‏ ‏Urbana-Champaign, (2010).‏

  • Social value international, the principles of social value, 2024, https://www.socialvalueint.org/ http://www.socialvalueinternational.org/ 

  • Stephen Hill & Geoff Dinsdale: A foundation for developing risk Management learning strategies in the Public Service, National Library of Canada cataloguing in publication data, Canada, 2001, p4.

  • Swiecka aldona wiktorska, kilmowicz monica, pawlak malgorzata, innovative social investment: strengthening communities in Europe, 2015, p.24.